من السم إلى السيجار المفخخ.. هكذا حاولت أمريكا قتل كاسترو

منذ اندلاع الثورة الكوبية عام 1959، أثار فيدل كاسترو الجدل على الساحة الدولية، خصوصًا في نظر الولايات المتحدة.
فبعد إطاحته بالديكتاتور المدعوم من واشنطن، فولخينسيو باتيستا، اتجه كاسترو نحو النظام الشيوعي وأقام علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفياتي، مما أدى إلى توتر حاد في العلاقات مع واشنطن، باعتباره تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأمريكي، خاصة خلال أوج الحرب الباردة.
هذا التوتر دفع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) بحسب موقع "ذا كولكتور" المعني بالتاريخ للتخطيط وتنفيذ سلسلة من العمليات السرية، كان أبرزها محاولات متعددة لاغتيال كاسترو أملاً في إسقاط نظامه، وصلت إلى نحو 600 محاولة اغتيال تم اقتراحها.
الخلفية التاريخية: من "تعديل بلات" إلى ثورة كاسترو
قبل صعود كاسترو، كانت كوبا ساحةً للهيمنة الأمريكية منذ الحرب الأمريكية الإسبانية عام 1898، حيث فرضت الولايات المتحدة "تعديل بلات" عام 1901، الذي منحها حق التدخل العسكري في الجزيرة.
وعلى الرغم من الاستقلال الرسمي لكوبا عام 1902، ظلت النخبة الحاكمة مرتبطة بمصالح واشنطن، خاصة تحت حكم باتيستا (1952-1959)، الذي حوّل البلاد إلى ملاذ للمافيا الأمريكية وشركات القمار.
لكن الثورة الكوبية قلبَت هذه المعادلة، حيث صادر كاسترو الأراضي والمصانع المملوكة لأمريكيين، وقوّض المصالح الاقتصادية لواشنطن.
التأثير السوفياتي يثير القلق
في مايو/أيار 1960، أقامت كوبا علاقات دبلوماسية رسمية مع الاتحاد السوفياتي.. وأصبح كاسترو يتفاخر بعلاقته بنيكيتا خروتشوف، خليفة جوزيف ستالين.
ونظراً لقرب كوبا من الأراضي الأمريكية، زادت هذه العلاقة من مخاوف الولايات المتحدة من انتشار الشيوعية في الغرب.
وساهمت هذه المخاوف، إضافة إلى توترات الحرب الباردة، في تسريع مخططات الإطاحة بكاسترو.
ووافق الرئيس دوايت أيزنهاور على خطة مناهضة لكاسترو في مارس/آذار 1960، وشملت إنهاء حصة السكر الكوبي ورفض الشركات الأمريكية تكرير النفط السوفياتي، مما زاد التوتر.
غزو خليج الخنازير
تم إطلاق الغزو بدعم من وكالة الاستخبارات المركزية للإطاحة بكاسترو، وشُكلت فرقة من المنفيين الكوبيين تُعرف باسم "اللواء 2506".
نزلت الفرقة المكونة من 1400 مقاتل في خليج الخنازير في أبريل/نيسان 1961، لكن القوات الكوبية هزمتهم بسرعة.
ولم يتمكن المقاتلون من اللجوء بسبب بعد موقع الهبوط، واستسلم معظمهم بحلول 19 أبريل/نيسان، وأُعدم أكثر من 100 منهم.
كان هذا الغزو فشلاً ذريعًا للإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الأسبق جون كينيدي.
عملية مونغوس
ردًا على الفشل، أطلق كينيدي "عملية مونغوس" عام 1961، وهي حملة سرية شاملة لزعزعة استقرار كوبا، أشرف عليها الجنرال إدوارد لانسديل، الخبير في الحروب غير التقليدية.
ضمّت الخطة 32 مهمة، من إشاعة أخبار كاذبة عن انهيار النظام عبر الإذاعات السرية، إلى تخريب المحاصيل الزراعية بتفجيرات كيميائية.
لكن ذروة الأزمة جاءت عام 1962 مع اكتشاف مواقع الصواريخ النووية السوفياتية في كوبا، التي حوّلت الجزيرة إلى قنبلة موقوتة تجاه الولايات المتحدة.
وبعد 13 يومًا من المواجهة، انتهت الأزمة باتفاق سري: سحب الصواريخ السوفياتية مقابل إزالة صواريخ "جوبيتر" الأمريكية من تركيا، وإيقاف عملية مونغوس.
متحف الاغتيالات الفاشلة: عندما تتحول الخيالات إلى خطط سرية
كشفت وثائق "جواهر العائلة" السرية التي أميط عنها اللثام عام 2007 عن عشرات المحاولات الغريبة لاغتيال كاسترو، بدأت منذ عام 1960. فبالتعاون مع عصابات المافيا، حاولت "سي آي إيه" تسميمه عبر حبوب "بوتولينوم" في مشروباته، أو تفجير سيجاره بجهاز متفجر.
لكن بعض الخطط تجاوزت الخيال العلمي: مثل بدلة غوص ملوثة بفطريات تسبب أمراضًا جلدية قاتلة، أو صدفة بحرية ملغومة توضع في موقع غوصه المفضل، وحتى التسجيلات الموسيقية المتفجرة جرى طرحها كفكرة.
ورغم تنفيذ أقل من 10 محاولات من أصل 600 مذكورة، فإن فشلها جميعًا حوّل كاسترو إلى أسطورة صمود، بينما كشفت الوثائق عن ثقافة اللا معقول داخل أروقة سي آية إيه.
من العداء إلى "ذوبان الجليد": رحلة طويلة نحو المصالحة
ظلّت كوبا لعقود تحت الحصار الاقتصادي الأطول في التاريخ الحديث، بينما رفضت واشنطن الاعتراف بمحاولات الاغتيال، التي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة.
لكن رياح التغيير بدأت مع تنحي كاسترو عام 2008، ووصول أخيه راؤول للسلطة، الذي بدأ مفاوضات سرية مع إدارة أوباما. وفي 20 يوليو/تموز 2015، أُعلن رسميًا استئناف العلاقات الدبلوماسية، ورفع العقوبات جزئيًا، في خطوة تاريخية أنهت 54 عامًا من القطيعة.
aXA6IDE4LjIxNy4xNDYuMTc1IA== جزيرة ام اند امز