تقارير الاستخبارات الأمريكية.. أخطاء كارثية واستنتاجات مدمرة
لم يكن تقرير الاستخبارات الأمريكية بشأن مقتل جمال خاشقجي الأول لها الذي يتضمن استنتاجات ومعلومات غير صحيحة.
بل إن سجل وكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA" مليء بالإخفاقات والتقارير الخاطئة، التي تسبب بعضها في كوارث، ولا يزال العالم بشكل عام، والعرب بشكل خاص، يدفعون ثمنها حتى اليوم.
من أبرز تلك التقارير المضللة: امتلاك نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لأسلحة دمار شامل، وهي التقارير التي استخدمتها الولايات المتحدة كذريعة لغزو العراق واحتلاله عام 2003، بجانب تقاريرها الخاطئة التي تسببت في قصف أكبر مصنع للأدوية بالسودان عام 1998.
ولم تنج الولايات المتحدة ذاتها من تقارير الوكالة المسيسة أحيانا، ومن أمثلة ذلك تقاريرها الخاطئة قبيل أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي تسببت في فشل واشنطن في منع تلك الهجمات الإرهابية.
أيضا يتضمن سجل فشل الاستخبارات الأمريكية، تقاريرها بشأن وجود علاقة بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وعملاء روس، ومحاولة توريط صهره جاريد كوشنر في الأمر، وهو ما أثبتت التحقيقات لاحقا أنها معلومات خاطئة.
تقرير خاشقجي
أحدث فشل لتقارير الاستخبارات الأمريكية، كان بشأن مقتل خاشقجي، والذي نشرته الجمعة الماضي، وتضمن جملة من الاستنتاجات والافتراضات غير الصحيحة حول المسؤول عن تلك الواقعة التي حدثت عام 2018.
فقد جاء التقرير مبنيا على استنتاجات وتقييم للاستخبارات الأمريكية، وخاليا من أدلة تدين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أو أي معلومات أو شهادات تؤيد الاستنتاج الأمريكي.
كما أن التقرير الذي لا يتجاوز 3 صفحات، تضمن عدة فقرات قصيرة، وامتلأ بعبارات تشكك في صحته، من قبيل "نقدر، نتوقع، نظن، من المحتمل، لا نعرف".
وعقب دقائق من نشر التقرير الأمريكي، أصدرت الخارجية السعودية بيانا، أكدت فيه أن "حكومة المملكة ترفض رفضاً قاطعاً" ما ورد في التقرير.
وأكدت أنه تضمن "استنتاجات مسيئة وغير صحيحة عن قيادة المملكة ولا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال"، كما تضمن "جملة من المعلومات والاستنتاجات الأخرى غير الصحيحة".
وأثار التقرير الأمريكي ردود فعل رسمية وشعبية غاضبة، حيث توالت ردود الفعل الخليجية والعربية والإسلامية الرافضة لما جاء فيه من استنتاجات واهية.
غزو العراق
أما الأخطاء الكارثية التي وقعت فيها الوكالة الأمريكية، فيأتي على رأسها تقاريرها التي زعمت امتلاك نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لأسلحة دمار شامل، واستخدمتها الولايات المتحدة كذريعة لغزو العراق واحتلاله عام 2003.
وعقب الغزو، أخفقت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش في العثور على أي أسلحة للدمار الشامل بالعراق أو على أي أدلة على وجود الصلات المزعومة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة.
واتضح بعد ذلك أن تلك التقارير كانت مليئة بأخطاء فادحة، وتسببت في وقوع قتلى بمئات الآلاف وخسائر تريليونية من الدولارات تكبدها العراق والولايات المتحدة.
وأقر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، بأن إدارة بوش (الابن) ارتكبت أخطاء استراتيجية جسيمة خلال الحرب على العراق.
وأوضح -في مقابلة أجرتها معه شبكة "إن بي سي" الأمريكية- أن قرار حرب العراق قام على أساس تقييم موحد قدمته أجهزة الاستخبارات الأمريكية، مشيرا إلى أنه إذا كان لدى الإدارة الأمريكية حينئذ علم بأن المعلومات الاستخبارية التي كانت لديها خاطئة، لم يكن لها أن تقرر خوض تلك الحرب.
ولا يزال العراق والمنطقة والعالم يدفع ثمن تلك الحرب حتى اليوم.
قصف مصنع أدوية بالسودان
أيضا لا ينسى السودانيون قيام الولايات المتحدة بقصف مصنع الشفاء للأدوية الذي يعد أكبر مصنع للأدوية في البلاد عام 1998، بناء على تقارير استخباراتية خاطئة زعمت أنه مخصص لإنتاج السلاح الكيماوي.
وجاء قصف المصنع بعد استهداف مسلحي تنظيم "القاعدة" سفارتي الولايات المتحدة في كل من كينيا وتنزانيا في عام 1998، حيث أعطى بيل كلينتون، الرئيس الأمريكي آنذاك، أوامر بضرب المصنع بزعم أنه ينتج أسلحة كيميائية ويملكه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
ولاحقا تم تكذيب تلك المزاعم، وعجزت الإدارة الأمريكية عن تقديم براهين تدل على صلة تنظيم القاعدة بالمصنع الذي كان يلبي 90% من احتياجات السودان في الأدوية، وتسبب تدميره في وفاة عشرات الآلاف من المرضى، وبينهم مصابون بالملاريا والسل، نتيجة لغياب الأدوية اللازمة، بحسب تقارير إعلامية.
ترامب والعملاء الروس
من أبرز القضايا التي تم تسريب كمية من المعلومات غير الصحيحة عنها، قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، والعلاقة المزعومة بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وعملاء روس، حيث قامت صحف معادية للرئيس الأمريكي السابق بنشر معلومات مسربة من الاستخبارات الأمريكية عن تواطؤ سري بين حملة ترامب والحكومة الروسية.
كما تم تسريب معلومات من الاستخبارات أن جاريد كوشنر صهر ترامب وكبير مستشاريه شكّل قناة اتصال سرية مع الروس في المرحلة الانتقالية لتبادل المعلومات، وتم الكشف عنها بعد ذلك أنها مجرد تحليلات لا تستند إلى أي حقائق.
وتم فتح تحقيق موسع قام به المحقق الخاص روبرت مولر، كلف ما يقارب 50 مليون دولار، وساق عددا كبيرا للتحقيقات وكشف في النهاية براءة ترامب من كل هذه الاتهامات التي انطلقت من الاستخبارات لدوافع سياسية محضة.
وكانت الاستخبارات الأمريكية قد خلصت إلى أن روسيا أطلقت حملة واسعة هدفها مساعدة ترامب على الفوز بالرئاسة.
وأكد تقرير مولر عن تدخل روسيا المحتمل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016، أنه لم يشارك أي أمريكي في التدخل الروسي.
كارثة 11 سبتمبر
أيضا، لا ينسى الأمريكيون فشل الاستخبارات الأمريكية في منع هجمات 11 سبتمبر 2001، رغم أن جهات استخباراتية أمريكية تلقت عدة تحذيرات بوقوع هجمات إرهابية قبل تاريخ وقوعها.
ففي 10 سبتمبر 2001، أكدت إحاطة أمنية، أرسلتها CIA كتقرير موجز إلى الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش، ملخصها بعدم وجود أي خطر كبير يحدق بالولايات المتحدة.
وفي اليوم التالي، هزت هجمات 11 سبتمبر أقوى دولة في العالم وتسببت في مقتل 3000 على الأقل، وانهار معها مبنى مركز التجارة الدولي ببرجيه، وأسقط الخاطفون على قسم من البنتاغون طائرة ركاب.
وتقول إلينور هيل رئيسة لجنة التحقيق في فشل الاستخبارات الأمريكية في منع هجمات 11 سبتمبر، إن جهات استخباراتية أمريكية تلقت عدة تحذيرات بوقوع هجمات إرهابية قبل تاريخ وقوعها.
وقالت رئيسة لجنة التحقيق المنبثقة عن الكونجرس، إن بعض المسؤولين لم يفحصوا التهديد المحتمل باختطاف طائرات والاصطدام بها في مبان.
وخلصت إلى أن الاستخبارات الأمريكية ارتكبت "أخطاء" قبل 11 سبتمبر، وفشلت في وضع إمكانات كافية لتعقب أعضاء تنظيم القاعدة التابع لأسامة بن لادن.
aXA6IDMuMTI5LjIxMS4xMTYg
جزيرة ام اند امز