وفيات التغير المناخي.. دراسات حديثة تتنبأ بأرقام صادمة
تعد قضية تغير المناخ واحدة من أكثر حالات الطوارئ العالمية إلحاحًا، التي تستوجب الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري لتجنب الكارثة الصحية الوشيكة.
وتشير العديد من الدراسات الحديثة إلى أنه من المتوقع أن يتسبب تغير المناخ في عدد كبير من الوفيات الزائدة خلال السنوات المقبلة، ليصبح أكبر تهديد صحي يواجه البشرية.
خلال السنوات الماضية، أدت الأحداث المتطرفة غير المسبوقة مثل موجات الحر والعواصف والفيضانات إلى مقتل الآلاف وتعطيل حياة الملايين وخسائر متزايدة على كل الأصعدة.
على الصعيد العالمي، ترك تغير المناخ ما يقرب من خُمس مساحة اليابسة في العالم في حالة جفاف شديدة في عام 2020، في حين أنه بين عامي 1950 و1999 لم تتجاوز هذه القيمة قط 13%.
أيضا تهدد التغيرات في المناخ الأمن الغذائي وتؤدي إلى زيادة الأمراض المنقولة بالغذاء والماء والنواقل مثل الملاريا، كما تؤثر التقلبات المناخية سلبًا على الصحة العقلية.
وشهد التأثير الناتج عن تغير المناخ انخفاضًا في إنتاج الأرز وفول الصويا والقمح والذرة بنسبة تتراوح بين 2 و6%.
لتجنب الأضرار الصحية الناجمة عن تغير المناخ، يجب على جميع البلدان الالتزام باتخاذ إجراء حاسم والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية.
ومع اقتراب مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP26) المقرر في جلاسكو باسكتلندا خلال الفترة بين 31 أكتوبر و12 نوفمبر/تشرين الثاني، نسلط الضوء على علاقة التغير المناخي بالمشاكل الصحية التي تتسارع وتزداد سوءًا.
التغير المناخي يقتل ملايين البشر
ناقشت دراسة حديثة المخاطر الصحية المستقبلية لظاهرة تغير المناخ، وكشفت أنه سيؤدي إلى 83 مليون حالة وفاة زائدة بحلول عام 2100.
وفقا للدراسة التي نُشرت في مجلة Nature Communications، فإنه مقابل كل 4.434 طنًا متريًا من ثاني أكسيد الكربون نضيفه إلى ما بعد معدل الانبعاثات لعام 2020، سنقتل شخصًا واحدًا.
ونقلت مجلة "فوربس"، في تقرير نشرته بتاريخ 30 يوليو/تموز 2021، عن مؤلف الدراسة دانييل بريسلر قوله: "بناءً على القرارات التي يتخذها الأفراد أو الشركات أو الحكومات فإن هذا يخبرك بعدد الأرواح التي ستفقد أو تُنقذ".
قدّر بريسلر تأثير تغير المناخ على الوفيات بناءً على العديد من دراسات الصحة العامة الرئيسية، التي تستند نتائجها إلى التقديرات المركزية.
الدراسة الحديثة مسؤولة فقط عن الوفيات المرتبطة بدرجات الحرارة المباشرة مثل ضربة الشمس، لكنها تستبعد الوفيات المحتملة من العواصف والفيضانات وغيرها من الكوارث الطبيعية التي يصعب تحديدها كميا.
تفترض الدراسة أنه في مسار الانبعاثات الحالي وبحلول عام 2050 سيتجاوز متوسط درجات الحرارة 2.1 درجة مئوية، أي أعلى من تلك التي كانت سائدة في فترات ما قبل الصناعة، وهو الحد المتفق عليه إلى حد كبير والذي ستبدأ بعده أسوأ عواقب تغير المناخ.
بعد ذلك سرعان ما تزداد سوءًا، حيث تصل درجات الحرارة إلى 4.1 درجة مئوية أعلى بحلول عام 2100.
نظرًا لأن درجات الحرارة تبدأ في الوصول إلى مستويات خطيرة حقًا بحلول عام 2050 في ظل هذا السيناريو، فإن معظم الوفيات المبكرة ستحدث بعد ذلك.
علاقة التغير المناخي بالوفيات
تعد تأثيرات تغير المناخ على صحة الإنسان والوفيات جانبًا مهمًا من تكاليف تغير المناخ، لكنها ليست ممثلة بشكل جيد في التقديرات الحالية المعروف بـ(SCC).
وكشف موقع nature أنه في ظل غياب التكيف والحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، من المتوقع أن يرتفع معدل الوفيات العالمي في نهاية القرن لتتراوح النسبة بين 1.1% و4.2%.
وذكر أن هناك العديد من الدراسات التي قيمت تأثير تغير المناخ على الوفيات المرتبطة بالحرارة والتغيرات في تلوث الهواء.
ونقل ما خلص إليه تقرير نشرته دورية "لانسيت" العالمية، حيث أشارت إلى أن "تغير المناخ هو أكبر تهديد للصحة العالمية في القرن الحادي والعشرين" .
بينما قدرت دراسة حديثة أن الاحترار البشري المنشأ خلال الفترة 1991 - 2018 مسؤول عن 37٪ من الوفيات المرتبطة بالحرارة في فصل الشتاء.
ونقلت صحيفة "لوس أنجلس تايمز" عن المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض أن نحو 700 أمريكي يموتون من أسباب مرتبطة بالحرارة سنويًا، لكن العلماء أثبتوا أن عدد الوفيات الناجمة عن الحرارة أعلى من ذلك بكثير.
بينما وجدت دراسة نُشرت العام الماضي في مجلة "علم الأوبئة" البيئية أنه في 297 مقاطعة أمريكية تحدث 5600 حالة وفاة سنويًا على الأقل بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
دراسة حديثة أخرى تربط التغيرات في درجات الحرارة بالزيادات السنوية في الوفيات كشفت أن الطقس القاسي شكّل 9.4٪ من إجمالي الوفيات على مستوى العالم بين عامي 2000 و2019.
ووفقا لموقع Bloomberg، فإن الباحثين في الدراسة خلصوا إلى أن درجات الحرارة المرتفعة والباردة غير العادية التي أصبحت أكثر شيوعًا مع تسارع تغير المناخ مسؤولة عن 5 ملايين حالة وفاة على مستوى العالم كل عام.
وقالوا إنه في حين أن معظم الوفيات نتجت عن التعرض للبرد، فمن المرجح أن ينعكس الاتجاه مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
قدر الباحثون في جامعتي موناش الأسترالية وشاندونغ الصينية أن هناك 74 حالة وفاة زائدة بسبب درجات الحرارة الباردة أو الساخنة غير العادية لكل 100.000 شخص.
وحللت الورقة المنشورة في The Lancet Planetary Health معدل الوفيات في 43 دولة في جميع القارات، وخلصت إلى أن الوفيات المرتبطة بالبرد انخفضت بنسبة 0.5٪ من عام 2000 إلى عام 2019 بينما ارتفعت الوفيات المرتبطة بالحرارة بنسبة 0.2٪.
ووجد البحث أن أوروبا لديها أعلى معدلات الوفيات الزائدة لكل 100 ألف شخص بسبب التعرض للحرارة، بينما سجلت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء أعلى معدلات الوفيات لكل 100000 شخص بسبب التعرض للبرد.
تأثر تزايد الكوارث المناخية على الإنسان
كشف موقع صحيفة Washington post أن 1 من كل 3 أمريكيين تعرضوا لكارثة مناخية هذا الصيف.
وأوضح أن تغير المناخ يهدد بإرباك قدرة النظم الصحية على الاستجابة، فمثلا عندما اجتاح ارتفاع قياسي درجات الحرارة شمال غرب المحيط الهادئ هذا الصيف، ارتفع معدل دخول غرف الطوارئ إلى 69 مرة أعلى من نفس الفترة من عام 2019.
وفقا للموقع، أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض الحرارة، ما تسبب في انهيار عمال المزارع في الحقول وموت كبار السن في شققهم.
أيضا أدى إلى تكاثر الحشرات التي تحمل الأمراض الاستوائية وانتسارها باتجاه القطبين، وأيضا تزايد كمية حبوب اللقاح النباتية في الهواء ما يؤدي إلى تفاقم الربو وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى.
بينما زادت الفيضانات الشديدة والعواصف الكارثية من مخاطر الإصابة بالكوليرا وغيرها من الأمراض المنقولة بالمياه.
الدخان المنبعث من الحرائق في كاليفورنيا يتسلل إلى الرئتين ثم مجرى الدم لأشخاص في أماكن بعيدة مثل تكساس وأوهايو ونيويورك.
يشتد الجفاف وتفشل المحاصيل ويطارد الجوع الملايين من أكثر الناس ضعفاً في العالم، وكل ما سبق من نتائج تغير المناخ على حياة الإنسان وصحته.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن دراسات في المجلات الأكاديمية ما يلي:
تتسبب أنماط الطقس لظاهرة النيني، التي من المتوقع أن تشتد مع ارتفاع درجة حرارة الأرض، في جوع حوالي 6 ملايين طفل.
يتسبب تلوث الهواء في حدوث عشرات الآلاف من الوفيات المبكرة بين الأمريكيين كل عام، حتى عند المستويات المنخفضة التي تعتبرها وكالة حماية البيئة آمنة.
سيؤدي ارتفاع درجة حرارة غابات الأمازون، إلى جانب إزالة الغابات، إلى تعريض ما يقرب من 11 مليون شخص للحرارة القاتلة بحلول نهاية القرن.
وفقًا لبيانات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، فقد مات ما لا يقل عن 538 أمريكيًا في كوارث مناخية كبرى هذا العام.
كل ما سبق لا يفسر الوفيات الأقل مباشرة: الأشخاص الذين يمرضون من العفن الذي يتكون بعد غرق منازلهم أثناء الإعصار والمرضى الذين تتفاقم حالاتهم المزمنة بسبب درجات الحرارة القصوى.
الصحة العالمية تحذر من مغبة تغير المناخ
وحذرت منظمة الصحة العالمية مرارا وتكرار من أزمة التغير المناخي، وما يتبعها من مشاكل معقدة أولها حصد أرواح أعداد كبيرة من البشر.
وقالت المنظمة، في أحدث تقرير بهذا الشأن، إن تلوث الهواء الناتج عن حرق الوقود الأحفوري يتسبب في حدوث 13 حالة وفاة في الدقيقة في جميع أنحاء العالم، فضلا عن تسببه في تغير المناخ.
وطالبت بخفض تلوث الهواء إلى المستويات الإرشادية لمنظمة الصحة العالمية، إذ من شأنه أن يقلل العدد الإجمالي للوفيات العالمية من تلوث الهواء بنسبة 80٪، بينما يقلل بشكل كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تغذي تغير المناخ.
وذكرت أن "التحول إلى أنظمة غذائية نباتية يمكن أن يؤدي إلى تقليل الانبعاثات العالمية بشكل كبير وضمان أنظمة غذائية أكثر مرونة، وتجنب ما يصل إلى 5.1 مليون حالة وفاة مرتبطة بالنظام الغذائي سنويًا بحلول عام 2050".
ويخلص تقرير المنظمة إلى أن حماية صحة الناس تتطلب إجراءات تحولية في كل قطاع، بما في ذلك الطاقة والنقل والطبيعة وأنظمة الغذاء والتمويل، وتنص على أن فوائد الصحة العامة من تنفيذ إجراءات مناخية طموحة تفوق بكثير التكاليف.
سبق وقدرت المنظمة، في تقرير أصدرته في عام 2018، أن يؤدي تغير المناخ إلى وفاة 250 ألف إضافية كل عام في العقدين التاليين لعام 2030، معظمها بين فقراء العالم.
aXA6IDE4LjExOC4xNTQuMjM3IA== جزيرة ام اند امز