تغير المناخ يهدد الملايين بالنزوح.. العرب في عين العاصفة
يهدد تغير المناخ، وما يصاحبه من جفاف شديد وموجات حر قياسية، بتشريد ملايين البشر، خاصة في الشرق الأوسط، أكثر مناطق العالم جفافا.
ومع توجه هؤلاء النازحين والمشردين إلى المدن، هربا من المناطق الزراعية التي أصابها الجفاف، فإن ذلك ينذر بخطر توسع المدن بشكل مضر بالبيئة، مع تزايد احتمالات اندلاع نزاعات على الموارد.
وأظهرت دراسة حديثة أن موجات الحر الشديد في الفترة ما بين عامَي 1992 و2013 كلّفت الاقتصاد العالمي نحو 16 تريليون دولار.
وأكدت الدراسة التي نشرتها مجلة "ساينس أدفانسز"، الجمعة، أن تكلفة موجات الحر الشديدة الناجمة عن تغيّر المناخ تتحملها حتى الآن وبشكل غير متناسب الدول والمناطق الأقل مسؤولية عن ظاهرة الاحترار المناخي، واصفة هذا الأمر بـ"المأساة الجنونية".
الهجرة إلى المدن
ويقول نقيب الفلاحين المصريين حسين أبو صدام لوكالة فرانس برس "يهاجر الشباب من المناطق الريفية الى الخارج أو الى المدن الكبيرة للعمل". ويرى أن عوامل مناخية تقف وراء هذه الهجرة.
ومع أن مصر تعاني أساسا من "عدد سكانها الكبير ومن كونها أحد أكثر البلاد جفافا في العالم"، إلا أن الظواهر الجديدة المرتبطة بالتغير المناخي مثل "ظهور طفيليات جديدة" تجعل من الزراعة أقل ربحية من ذي قبل"، على ما يؤكد أبو صدام.
وتفيد مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، أن "90% من اللاجئين في العالم يأتون من مناطق معرضة بقوة لتأثيرات التغير المناخي".
وتشرح نائبة مديرة المنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب لوكالة فرانس برس "إذا لم يستطع السكان توفير غذائهم وزراعة الأرض فلا سبيل آخر أمامهم إلا النزوح".
تدهور الوضع
وتشير الى أن الكوارث الطبيعية المتكررة في عام 2021 "دفعت ثلاثة ملايين شخص تقريبا إلى مغادرة ديارهم في أفريقيا والشرق الأوسط". وتتابع قائلة "نتوقع أن يشهد الوضع تدهورا".
ويتوقع خبراء في المناخ احتمال أن تفقد مصر، بحلول العام 2060، نصف إنتاجية القطاع الزراعي. ويرى الباحث في مركز الدراسات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية الفرنسي في القاهرة فلوريان بونفوا لوكالة فرانس برس "هناك أيضا الانجذاب لنمط الحياة في المدينة والخدمات المتاحة فيها".
وما لم يتم العمل على الحد من التغيرات المناخية، يرى البنك الدولي أنه سيكون هناك بحلول العام 2050 نحو 216 مليون مهاجر لأسباب مناخية إذ ستضطر عائلات بكاملها إلى النزوح داخل بلدانها وسيشمل النزوح 19.3 مليون في دول شمال أفريقيا الخمس.
ارتفاع مستوى مياه البحر
وهذه المنطقة معرضة للأخطار أكثر من غيرها لأن شواطئها كثيفة السكان ومهددة بفعل ارتفاع مستوى مياه البحر، حيث يعيش 7% من سكانها على ارتفاع أقل من خمسة أمتار من سطح البحر، وفق المؤسسة الأوروبية للمتوسط.
وبشكل تلقائي، يتجه المواطنون إلى المدن الكبرى مثل القاهرة والجزائر وتونس وطرابلس ومحور الرباط-الدار البيضاء وطنجة. غير أن البنك الدولي يحذر من أن "بؤر الهجرة المناخية" تلك معرضة هي نفسها لارتفاع مستوى مياه البحر.
في الإسكندرية على سبيل المثال، على ساحل المتوسط المصري، سيضطر مليونا شخص إلى الانتقال لمكان آخر أي نحو ثلث سكان المدينة، وستفقد المدينة 214 ألف وظيفة إذا ارتفع مستوى البحر 50 سنتيمترا.
الصراع على الموارد
ويحذر الخبير الاقتصادي عاصم أبو حطب من أن تجمعات كهذه "تزيد الضغوط على الموارد" وهو ما "قد يؤدي إلى نزاعات عنيفة"، على حد تعبيره، في منطقة يعتمد 22% من سكانها على الزراعة.
في السودان، أوقعت النزاعات بين القبائل حول الماء والكلأ والأراضي مئات القتلى منذ مطلع العام الحالي في ولايات عدة. وبحسب اليونيسيف، تقع 11 دولة من أكثر 17 بلدا افتقارا للمياه في العالم، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
في العراق على سبيل المثال، إذا لم يتخذ أي إجراء بحلول العام 2050، و"في حال ارتفاع الحرارة بمقدار درجة مئوية وانخفاض الأمطار بنسبة 10%، سيفقد هذا البلد البالغ عدد سكانه 42 مليون نسمة، 20% من مياهه العذبة" وفق البنك الدولي.
أما الأردن، أحد أكثر بلدان العالم جفافا، فقد اضطر إلى مضاعفة وارداته من المياه من اسرائيل هذا العام فيما يعاني قطاع غزة الخاضع لحصار إسرائيلي، من نقص مزمن في المياه منذ سنوات.
احترام الالتزامات
وتقول بوب إن المجتمع الدولي تعهد في مؤتمري كوبنهاجن وباريس للمناخ "مساعدة الدول النامية على مواجهة تداعيات التغير المناخي" من خلال المساهمة في إمداد هذه الدول "بطريقة مختلفة للزراعة وإدارة أفضل للمياه". في مطلع سبتمبر/ أيلول حثت 24 دول إفريقية على احترام هذه الالتزامات بأسرع وقت ممكن.
وهي ستجدد هذه الدعوة خلال مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب 27) الذي ينطلق في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني في مصر. وتؤكد بوب أنه ينبغي "إيجاد مصادر بديلة للتوظيف وللدخل" للجم الهجرة المناخية.
ويعرف التغير المناخي على أنه ظاهرة يحدث فيها تغيرات حادة وممتدة في الطقس، والتي تكون غير اعتيادية. تؤثر هذه التغيرات على ارتفاع درجات الحرارة ونسب هطول الأمطار، والتي تتسبب بدورها في ارتفاع مستوى سطح البحر وذوبان الجليد، وحدوث عواصف شديدة وفترات جفاف.
يعتبر الوقود الأحفوري من أكثر العوامل التي تساهم في تغير المناخ العالمي، حيث يمثل 90 % تقريبًا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وأكثر من 75 % من انبعاثات الغازات الدفيئة حول العالم، والتي تغطي الأرض وتتسبب في حدوث الاحتباس الحراري.