المسلمون وقضايا المناخ.. دعوة لـ"إعادة النظر في مصارف الزكاة"

في شهر رمضان يحرص المسلمون حول العالم على الإكثار من فعل الخير، وفيه يتعين على كل مسلم أداء زكاة الفطر.

وزكاة الفطر فريضة على كل مسلم، وحددت الشريعة الإسلامية مصارفها على "الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والعبيد والغارمون والمجاهدون وابن السبيل".

• "الرابحون والخاسرون من تغير المناخ".. ما الحيوانات الأقدر على النجاة؟

وتدار أموال الزكاة في كثير من المجتمعات الإسلامية بشكل غير رسمي، وهو ما يجعل من الصعوبة تحديد إجمالي هذه الأموال في فترة معينة، وهناك تقديرات بأن مجموعها العالمي يتراوح بين 200 وتريليون دولار.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، قدرت دراسة أجرتها جامعة إنديانا عام 2022 أن متوسط إنفاق الأسرة الأمريكية المسلمة على الزكاة يبلغ 2070 دولارا بإجمالي 1.8 مليار دولار تذهب لصالح الجمعيات الخيرية.

وبناء على هذه التقديرات، يمكن القول إن صناديق الزكاة تمثل مجموعة هائلة من الأموال، بينما بلغ إجمالي تمويل المناخ في البلدان النامية من خلال بنوك التنمية، مثل البنك الدولي، نحو 50 مليار دولار عام 2021.

قضايا المناخ وأموال الزكاة

وجرت العادة على توجيه أموال الزكاة في مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجا، ومع تنامي الوعي العالمي بقضايا المناخ والبيئة تبرز الحاجة إلى تخصيص جزء من هذه الأموال لصالح البيئة.

وتوقعت صحيفة "جاكرتا بوست" الإندونيسية توجيه نسبة من أموال الزكاة هذا العام إلى أعمال الإغاثة في تركيا وسوريا بعد الزلازل المدمرة التي هزت البلدين في فبراير/شباط الماضي وخلفت آلاف القتلى والمصابين.

ورأت الصحيفة أن هذا الاتجاه لا يعالج المشكلة من جذورها، ومن ثم وجهت الدعوة إلى المسلمين المعنيين بقضايا المناخ والبيئة لتوجيه تبرعاتهم إلى تمويل المشروعات الخضراء ودعم الدول النامية لمواجهة تغير المناخ.

واعتبرت الصحيفة أن تغير المناخ يفاقم عدم المساواة والفقر، خاصة أن الدول الأكثر تضررا من جراء الظاهرة هي الدول الفقيرة في جنوب آسيا وجنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا والدول الجزرية الصغيرة.

والعام الماضي، لقي 43 ألف شخص حتفهم في الصومال بسبب الجفاف الشديد، وهو أحد أشكال التغير المناخي، وفي باكستان ونيجيريا أودت الفيضانات المدمرة بحياة الآلاف وخلفت أضرارًا اقتصادية بالمليارات.

ودعت الصحيفة مسلمي العالم إلى التفكير في الخيارات التي تخفف من حدة الفقر، وتحسّن الأمن الغذائي والمائي، وتعالج فقر الطاقة مع معالجة تغير المناخ في الوقت نفسه في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

مصارف جديدة للزكاة

وتقول الصحيفة: "يمكن أن تكون الزكاة فرصة لتمويل الحلول التي تركز على تحسين الأمن الغذائي والمائي ومعالجة فقر الطاقة مع بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، ففي إندونيسيا على سبيل المثال موّل صندوق الزكاة مشروعا للطاقة الكهرومائية بقيمة 350 ألف دولار أمريكي لتوفير الكهرباء لـ4 آلاف أسرة".

وتضيف: "توجيه أموال الزكاة والصدقات إلى هذا النوع من المشروعات الإنمائية ليس بالأمر السهل، بل يتطلب تعزيز رغبة المسلمين في العمل، وتطوير المشروعات المؤهلة للزكاة، وزيادة التنسيق بين الجهات الحكومية والأهلية، ويجب أن ينظر المسلمون إلى أن أنفسهم كجزء من حل قضية تغير المناخ".

وفي عام 2015، أصدر القادة المسلمون دعوة للتخلص التدريجي من انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، فيما جادل آخرون بأن معالجة تغير المناخ "واجب ديني"، وفي المقابل كان يُنظر إلى قضايا المناخ والبيئة في بعض الأحيان على أنه مشكلة غربية ورأسمالية واستعمارية مما يقلل من استعداد المسلمين للعمل.

المسلمون جزء من الحل

وأشارت الصحيفة إلى أن توزيع أموال الزكاة يخضع لأحكام صارمة، وقليل من المشروعات المناخية حول العالم مؤهل نسبيًا لجذب هذه الأموال، وعلى سبيل المثال لا يمكن للشركات التي تبيع الألواح الشمسية أو مواقد الطهي النظيفة تلقي أموال الزكاة أو طلب تبرعات المسلمين، ولكن يمكن لزبائنها فعل ذلك إذا كانوا فقراء.

ودعت الصحيفة العلماء المسلمين والزعماء الدينيين والفاعلين السياسيين إلى تمهيد الطريق تدريجيا للعمل في هذا المجال، مؤكدة أن "المنظمات الإنسانية الإسلامية الكبرى ملتزمة بالتصدي لتغير المناخ، وتطوير مشروعات مناخية مؤهلة للزكاة، كما يتعين على المنظمات الخيرية أن تتعاون مع الحكومات والجهات الإنمائية الدولية والمنظمات المناخية لتطوير مشروعات تتصدى للفقر وتساهم في تعزيز العمل المناخي".

وعددت الصحيفة المشروعات التي يمكنها جذب أموال الزكاة، ومنها تركيب مضخات المياه بالطاقة الشمسية، وسداد الديون أو تمويل تركيب الألواح الشمسية والطهي النظيف، ومساعدة المزارعين على شراء البذور المقاومة للجفاف، والانتقال إلى ممارسات زراعية محسّنة مثل الزراعة الحراجية والزراعة بدون حرث، وختمت قائلة: "الزكاة تمثل موردًا حيويًا يمكنه سد فجوة التمويل لتحسين حياة الناس أمام تغير المناخ".