تتسم قضية تغير المناخ بعدم التكافؤ في جوانب كثيرة، وفيما يتعلق بالحياة البرية نجد حيوانات تكافح من أجل البقاء، وأخرى قادرة على التكيف.
"الرابحون والخاسرون في ظل التغير المناخي"، هكذا يصف جيوفاني سترونا، عالم البيئة والأستاذ بجامعة هلسنكي والباحث في المفوضية الأوروبية، ظاهرة التحديات المناخية.
وعام 2022، قاد سترونا دراسة نشرت في مجلة "Science Advances"، وذهبت إلى أنه في ظل سيناريو الانبعاثات الوسيطة سيخسر العالم نحو 20% من التنوع البيولوجي للفقاريات بحلول نهاية القرن.
ومع السيناريو الأخطر لمستقبل الاحترار العالمي ترتفع خسارة العالم المتوقعة في التنوع البيولوجي إلى نحو 30% بحسب الدراسة، ولكن ما هي الحيوانات الأقدر على مواجهة ارتفاع الحرارة والجفاف وفقدان الموائل؟
التنوع البيولوجي وتغير المناخ
عام 2022، أصدر الصندوق العالمي للطبيعة "WWF" ومقره سويسرا تقريرًا بعنوان "الكوكب الحي"، وصف انخفاضًا بنسبة 69% في الوفرة النسبية للأنواع الخاضعة للمراقبة منذ 1970.
وفي الوقت نفسه، يواجه مليون نوع الآن خطر الانقراض على كوكب الأرض؛ بسبب هذه التهديدات المزدوجة، ووفقًا للتقرير هناك أدلة متزايدة على أن الأرض تشهد انقراضًا جماعيًا سادسًا.
ويسهم تغير المناخ في مخاطر الانقراض بطرق معقدة ومترابطة، بعضها لا يزال مجهولا، وسيؤثر على السكان بشكل مباشر عبر إحداث تغيرات مناخية متطرفة مثل العواصف وارتفاع الحرارة والجفاف.
ومن المخاطر المحتملة لتغير المناخ تقليل فرص هطول الأمطار إلى ما بعد العتبات التي يحتاجها النوع للبقاء على قيد الحياة، فضلًا عن تقليص الموائل الرئيسية التي تعتمد عليها الحيوانات للعيش على الأرض.
ووفقًا لدراسة "سترونا"، من المحتمل أن يكون لتغير المناخ تأثيرات غير مباشرة على النظام البيئي، فقام مع فريقه ببناء نماذج تضم أكثر من 15 ألف شبكة غذائية لتمثيل روابط أنواع الفقاريات الأرضية.
محاكاة لمستقبل الاحترار
وأجرى فريق الدراسة محاكاة لمختلف سيناريوهات تغير المناخ واستخدام الأراضي في هذه النظم البيئية، وتبين أن حيوان الكوالا في خطر متزايد بسبب التغير البيئي وبسبب نظامهم الغذائي شديد المتخصص.
وأظهرت عمليات المحاكاة أنه عندما يتسبب تغير المناخ بشكل مباشر في فقدان نوع واحد، فقد يؤدي ذلك إلى خسارة متتالية للعديد من الأنواع التي تعتمد على هذا النوع في الغذاء أو التلقيح أو خدمات النظم البيئية.
وتوقعت الدراسة أن هذا التأثير الشبيه بظاهرة تساقط قطع الدومينو، والمعروف بيئيًا باسم "الانقراض المشترك"، سيؤدي إلى تراجع الجزء الأكبر من تنوع أنواع الفقاريات الأرضية في ظل تغير المناخ المتوقع.
وقال "سترونا" إن الدراسة -التي اقتصرت على مجتمعات الحيوانات وموائلها- لم تضع نموذجًا لتأثير تغير المناخ على مجتمعات الحشرات أو النباتات، ومن المحتمل أن تكون هذه النتائج متفائلة في جانب منها.
وأضاف أن التعقيد الهائل للعلاقات بين الحيوانات داخل النظم البيئية الطبيعية، وعدم اليقين بشأن كيفية حدوث تغير المناخ الشديد، يجعل من الصعب البحث في مثل هذه البيانات وتحديد الحيوانات التي ستعمل بشكل أفضل من غيرها مع ارتفاع درجة حرارة عالمنا.
ومع ذلك، التقطت دراسة "سترونا" اتجاهًا عامًا، مفاده أن "الأنواع الأكبر في مستويات السلسلة الغذائية العالية ستتأثر بشكل أكبر"، لذا فالحيوانات ذات المراكز المنخفضة في السلسلة الغذائية، مثل الحشرات أو القوارض، قد تكون أفضل حالًا في عالم يزداد احترارًا.
حيوانات قابلة للتكيف
وتميل الأنواع الأكبر حجمًا إلى التكاثر بشكل أبطأ، وهذا دليل آخر ربطه الباحثون بقابلية تأثير المناخ على هذه الأنواع. وعاينت دراسة أخرى حديثة، نشرت في مجلة "Global Change Biology"، 461 نوعًا من الحيوانات عبر 6 قارات وحللت آثار تغير المناخ عليها.
ووجدت الدراسة أن الأنواع التي تتكاثر بسرعة تظهر قدرة عالية في استغلال الموائل الجديدة، وتمتاز هذه الأنواع بـ"تحويل الطاقة إلى ذرية"، كما يقول المؤلف الرئيسي للدراسة غونزالو روبلز، عالم الحفظ الحيوي في كلية لندن الجامعية لموقع "Live Science".
ومن المرجح أن القدرة على التكاثر الأسرع سيفيد الأنواع في مناخ متغير؛ لأنها أكثر قدرة على التكيف مع الموائل المتغيرة، وأوضح "روبلز" أن دورات التكاثر السريع تمنح هذه الأنواع فرصة للبقاء على قيد الحياة في ظل هذه القمم في الاضطرابات البيئية مثل الطقس القاسي أو فقدان الموائل.
وفي الوقت نفسه، أظهرت الحيوانات التي تتكاثر بشكل أبطأ اتجاهًا معاكسًا في الدراسة، إذ انخفضت أعدادها عندما تغيرت درجة الحرارة والموئل، لذا فإن الحجم يعد عاملًا قد يؤثر بالسلب ضد الأنواع وبقائها على الأرض، وبالتالي فإن مستقبل الفيلة لن يكون كمستقبل القوارض.
على سبيل المثال، ستكافح حيوانات كبيرة الحجم أكثر في ظل تغير المناخ؛ لأنها تحتاج عادةً إلى مساحات أكبر من الموائل غير المنقطعة، فضلاً عن المزيد من الطعام، ويقول "روبلز": "الفيل من المرجح أن يكون حساسًا للجفاف الشديد وإزالة الغابات من الأنواع الأخرى الأصغر التي تحتاج إلى موارد أقل".
وأضاف: "بشكل عام، ستكون الأنواع الأصغر حجمًا أكثر قدرة على البقاء على قيد الحياة أمام تغير المناخ وتغير استخدام الأراضي"، كما أن الأنواع التي تعتمد على أنظمة غذائية أكثر تخصصًا مثل الباندا والكوالا قد تكون أكثر عرضة للخطر في ظل التغير البيئي وتغير المناخ.
وفي المقابل، فإن النظم الغذائية الواسعة للمغذيات العامة، مثل الغربان والراكون، تمنحهم مجموعة واسعة من الأطعمة للتراجع عنها في حالة اختفاء مصدر غذائي واحد. كما أن القدرة على الهجرة والتكيف مع الموائل المختلفة يمكن أن يؤمن الحيوانات أيضًا ضد مستقبل غير مستقر بيئيًا.
على سبيل المثال، الكائنات التي لا يمكنها البقاء إلا عند خطوط العرض المتجمدة أو في الشعاب المرجانية -التي ستتضاءل في ظل الاحترار المستمر- ستواجه مخاطر أكبر. وكشفت الأبحاث عن أدلة على أن حيوانات كالببغاوات والخفافيش تغير شكلها على مر الأجيال للتكيف أكثر مع المناخات الأكثر دفئًا.
وتشير هذه الأدلة إلى أن الحيوانات الأكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير الموائل والمناخ من المرجح أن تزدهر في عالم أكثر دفئًا؛ ومن أمثلة هذه الأنواع سريعة التكاثر والتكيف ما يعيش حولنا في المدن وداخل المنازل كالصراصير والفئران والجرذان والغربان والحمام وبعض الطيور الجارحة والقرود.
سيناريوهات متطرفة
ومع افتراض الوصول إلى مستويات كارثية من الحرارة، التي تمتد إلى ما وراء الحدود الحرارية لتلك الأنواع، فستكون النجاة من نصيب حيوان "بطيء المشية"، الذي يمكنه الدخول في حالة سبات توقف تقريبًا تمامًا عملية التمثيل الغذائي، فتكون قادرة على تحمل برودة -196 درجة مئوية، وحرارة 150 درجة مئوية.
وأظهرت دراسة "سترونا" أن "بطيء المشية" يمكن أن يصمد أمام حدود قصوى لا تصدق، ولكن عندما أخذ الباحثون في الحسبان تفاعلات الأنواع الأخرى التي تشكل النظم البيئية التي يعتمدون عليها، تراجعت أعداد "بطيء المشية" في ظل الاحترار الشديد المتوقع الذي من شأنه أن يقضي على هذه الحيوانات الأخرى.
وقال "سترونا" لموقع "Live Science": "بطيء المشية شديد المقاومة من تلقاء نفسه، لكنه يحتاج إلى الأنواع الأخرى للبقاء على قيد الحياة"، مضيفًا أن هذا هو الخلل في فكرة "الأنواع الباقية"؛ لأنها تفتقد الحاجة إلى وجود أنظمة بيئية كاملة وشبكتها من تفاعلات الأنواع المعقدة للحفاظ على الحياة على الأرض.
وختامًا، بدلا من أن نضع آمالنا على بعض الأنواع المرنة للبقاء على قيد الحياة في ظل تغير المناخ، نحتاج إلى حماية النظم البيئية بأكملها، ويقول الخبراء إن هذا يعني إبطاء الاحترار عن طريق الحد من استهلاك الوقود الأحفوري، والحد من تدمير الموائل والأراضي وتقليل التأثيرات البشرية الأخرى على الحياة البرية.