الصندوق العالمي لمعالجة تداعيات المناخ.. تحديات وحلول مبتكرة
شكّل تفعيل الصندوق العالمي المختص بالمناخ ومعالجة تداعياته، وبدء تمويله في مستهل «COP28» مفاجأة سارة للعالم، ودليلاً على جدية دولة الإمارات وكفاءة رئاسة المؤتمر، وتجسيداً لقوة نتائجه التي فاقت التوقعات.
إلا أن هناك تحديات جوهرية تواجه الصندوق، أبرزها ضمان استدامة التمويل، إذ يُقدر إجمالي احتياجات الدول النامية لمواجهة تداعيات تغير المناخ بتريليونات الدولارات، ما يؤكد الحاجة الماسّة إلى إدارة الصندوق بكفاءة وشفافية والتزام كافة الأطراف بدعمه وتسهيل مهامه، مع زيادة التمويل المقدم له من الدول الغنية والقطاع الخاص لتمكينه من الإسهام بفاعلية في تحقيق حماية كوكب الأرض من أخطار هذا التغير.
وكان مؤتمر الأطراف "COP28" الذي استضافته دولة الإمارات أواخر عام 2023 في مدينة إكسبو دبي، قد شهد إنجازاً تاريخياً تمثَّل في تحقيق توافق بين الدول كافة على تفعيل عمل وآليات تمويل الصندوق، بعد أن ظلت فكرة دعم الدول الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ مدار نقاش لنحو ثلاثة عقود منذ طرحها لأول مرة على جدول أعمال مؤتمرات الأطراف؛ إذ يمثل الصندوق خطوة حاسمة نحو تعزيز التضامن الدولي لمواجهة هذه الأزمة، حيث تعاني مختلف مناطق العالم بسبب العواصف والفيضانات وحرائق الغابات وارتفاع مستوى سطح البحر والظواهر الجوية الحادة وموجات الجفاف وغيرها من الآثار السلبية.
وفي هذا السياق جاءت استضافة أبوظبي، للاجتماع الأول لمجلس إدارة الصندوق العالمي المختص بالمناخ ومعالجة تداعياته، الذي عقد خلال الفترة ما بين 28 أبريل/نيسان الماضي و2 مايو/أيار الجاري، بهدف توفير التمويل للحلول المبتكرة التي تمخّض عنها "COP28" وما تضمنه "اتفاق الإمارات" التاريخي.
وقال عبدالله بالعلاء، مساعد وزير الخارجية لشؤون الطاقة والاستدامة وممثل دولة الإمارات في مجلس إدارة الصندوق، في كلمة خلال الفعاليات التمهيدية لانطلاق الاجتماع، إن الأطراف أسهمت في كتابة التاريخ في اليوم الأول لـ "COP28" من خلال الاتفاق على تفعيل وترتيبات تمويل الصندوق العالمي المختص بالمناخ ومعالجة تداعياته بعد 30 عاماً من الانتظار، ما يعكس تكاتف العالم لدعم البلدان النامية الأشد تضرراً من تداعيات تغير المناخ.
وأوضح أنّ مجلس إدارة الصندوق يقوم بدور مهم في تنفيذ هذا الالتزام بطريقة طموحة تعكس ما تحظى به دولة الإمارات من مكانة رائدة في هذا المجال، من خلال التزامها الراسخ ببناء مستقبل مستدام للجميع.
- سلطان الجابر يكشف من الإمارات عن حدث استثنائي قبيل COP29
- مسؤول في «الفاو»: دور محوري للإمارات في تحقيق أهداف التنمية المستدامة عالمياً
وتعدّ استضافة دولة الإمارات الاجتماع الأول لمجلس إدارة الصندوق، بعد المخرجات التاريخية لـ"COP28" التي تضمنت تفعيل الصندوق وترتيبات تمويله، ثمرة لجهود رئاسة المؤتمر وفريق التفاوض وتعاونهما البنّاء مع جميع الأطراف، ونتيجة للتكاتف العالمي لدعم الدول النامية الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ.
وسيواصل المفاوضون دعوة جميع الأطراف إلى الوفاء بالالتزامات القائمة، وتوسيع نطاق الالتزامات الجديدة والإضافية لتتجاوز ما تم الإعلان عنه خلال "COP28"، من خلال البناء على الزخم الذي تحقق، وضمان جاهزية الصندوق للعمل بحلول موعد "COP29".
وكانت رئاسة "COP28" قد خصصت فريقاً من الشباب الإماراتي المتمرس للتفاوض مع الأطراف المعنية حول هذا الموضوع الحيوي؛ حيث أكد المفاوضون الشباب أثناء متابعتهم فعاليات الاجتماع الأول التاريخي الذي يعتبر ثمرةً لجهودهم، أن مشاركتهم في مفاوضات موضوع "معالجة الخسائر والأضرار" بمثابة "رحلة لا تُنسى، شهدوا فيها عن قرب إنجازات تاريخية تتحقق"، كما أعربوا عن سعادتهم لرؤية نتيجة التوافق الذي تم التوصل إليه وإمكانية تحقيق تغيير جذري فعّال، وأكدوا ثقتهم بقدرة الصندوق ومجلس إدارته على القيام بدور حاسم في مساعدة الدول النامية على مواجهة الآثار السلبية المتزايدة لتغير المناخ.
وبرغم أن الدول الأكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي مثل الدول الجُزرية والنامية هي الأقل مسؤولية عن الانبعاثات الضارة التي تُسبب الاحتباس الحراري، لكنها تواجه تهديدات وجودية بسبب الآثار السلبية لتلك الانبعاثات على البيئة والمناخ.
وطوال أكثر من 30 عاماً واجهت الدول النامية معارضة قوية من الدول الغنية، التي خشيت الاضطرار إلى دفع تعويضات عن الانبعاثات الضارة، لكن القادة اتفقوا في "COP27" الذي عقد بشرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، على إنشاء صندوق لدعم الدول النامية، خاصة في الجنوب العالمي، للتعامل مع التأثيرات المدمرة لتغير المناخ، غير أن المراقبين كانوا يرون أن تحويل هذا الاتفاق إلى إجراءات عملية ملموسة قد يستغرق مدة طويلة، لكن الجهود الدؤوبة لرئاسة "COP28"، والمساهمة الإماراتية في تمويل الصندوق بمبلغ 100 مليون دولار، حفَّزت كلاً من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وأطرافاً أخرى لتقديم تعهدات سريعة ومساهمات يبلغ مجموعها حوالي 400 مليون دولار للصندوق، فيما تعهدت 19 دولة بتقديم التزامات يبلغ مجموعها 792 مليون دولار منها 662 مليوناً للتمويل.
وبرغم كل ما تمّ التعهد به، لا تزال هناك حاجة ماسّة إلى مزيد من الدعم لتلبية احتياجات الدول النامية، ولهذا لسبب تواصل رئاسة "COP28" دعوتها للدول والجهات القادرة إلى الإسهام في تمويل الصندوق.
يشار إلى أنّ "اتفاق الإمارات" التاريخي نصّ على أن يستضيف البنك الدولي الصندوق لفترة أولية مدتها أربع سنوات، حيث سيتولّى الصندوق توزيع الموارد بناءً على الأدلة المتاحة، مع تخصيص نسبة محدّدّة منها لدعم الدول الأقل نمواً والدول الجُزرية الصغيرة النامية.
وتتضمن مهام إدارة الصندوق توزيع موارده بعدالة، ووضع آليات فعالة لضمان تنفيذ المشروعات ومتابعة نتائجها، وهو ما يحتاج إلى تضافر الجهود الدولية لمواجهة تزايد حدة وتواتر الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغير المناخ، وتطوير آليات مرنة لتلبية الاحتياجات المتغيرة للدول، ومواكبة التطورات السريعة في هذا المجال.
وكانت رئاسة "COP28" قامت بدور محوري في دفع مفاوضات إنشاء الصندوق، من خلال جولة عالمية موسعة هدفت إلى الاستماع والتواصل وتقصِّي الحقائق شملت أكثر من 100 دولة؛ بغرض تحديد احتياجات الدول الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ واستيعاب وجهة نظرها؛ إذ عمل فريق رئاسة المؤتمر والمفاوضون الإماراتيون بلا كلل لضمان حصول تلك الدول على دعم عادل من خلال الصندوق، وهي جهود واجهت تحديات جسيمة أسهم في التغلب عليها حرص دولة الإمارات على تحقيق العدالة المناخية، وتكاتفها مع الدول الأكثر احتياجاً للدعم.
ومع الدعم الدولي الواسع الذي حظي به الصندوق وزيادة الوعي العالمي بأهمية العمل المناخي خلال السنوات المقبلة، فإن فرص زيادة المساهمات في تمويل الصندوق والحرص على نجاحه ستكون عالية، إذ يمثل ذلك اعترافاً بالمسؤولية الأخلاقية للدول المتقدمة في مساعدة الدول النامية على مواجهة تحديات تغير المناخ؛ حيث سيُساعد الصندوق الدول الأكثر تأثُّراً على تمويل جهودها لتحقيق المرونة المناخية والتعافي من الكوارث المرتبطة بالمناخ.
aXA6IDE4LjE5MS4yMTUuMzAg
جزيرة ام اند امز