أساطير مناخية.. القارة القطبية الجنوبية تكتسب جليداً أكثر مما تفقده
شائعة مناخية.. اتساع حجم القطب الجليدي الجنوبي
أثارت دراسة أجرتها وكالة ناسا عام 2015 جدلاً كبيراً من خلال الادعاء بأن القارة القطبية الجنوبية كانت تكتسب جليدًا أكثر مما تخسره.
لكن على النقيض من ذلك، أظهرت دراسات متعددة أن القارة القطبية الجنوبية تفقد جليدًا أكثر مما تكتسبه، على الرغم من أن دراسة 2015 لا تزال هي المفضلة لدى المشككين في تغير المناخ حتى يومنا هذا.
التشكيك في التغير المناخي بالقارة القطبية الجنوبية
في عام 2015، نشر فريق من العلماء بقيادة "جاي زوالي"، عالم الجليد في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا، دراسة في مجلة علم الجليد تحت عنوان 'المكاسب الجماعية للغطاء الجليدي في القطب الجنوبي تتجاوز الخسائر'. وقد تم تبنيها على الفور وبحرارة من قبل المشككين والمنكرين لتغير المناخ؛ حيث إن نمو الجليد في القطب الجنوبي هو مجرد أول دليل على أن الاحتباس الحراري ليس حقيقيًّا.
زعمت الدراسة، نعم، أن القارة القطبية الجنوبية تفقد بعض الجليد، لكنها تكتسب في نفس الوقت جليدًا أكثر مما تخسره، ولم يدرك العلماء ذلك لأنهم كانوا يقيسون الثلج والجليد بشكل غير صحيح عبر القارة الضخمة.
رأى زوالي وفريقه بأن القارة القطبية الجنوبية شهدت زيادة كبيرة في تساقط الثلوج منذ حوالي عشرة آلاف عام في شرق القارة القطبية الجنوبية وداخل غرب أنتاركتيكا. عندما تساقطت الثلوج، ضغطت وتكثف جليد القارة مع مرور كل عام، مما تسبب في اكتساب القارة القطبية الجنوبية للجليد أكثر مما فقدته من عام 2003 إلى عام 2008.
يتفق العلماء بشكل عام على أن شرق القارة القطبية الجنوبية تكتسب كتلة على شكل جليد أو ثلج. السؤال هو كم وبأي شكل؟ في هذه النقاط انحرف فريق زوالي عن الإجماع العلمي: لقد جادلوا بأن مكاسب الجليد كانت أعلى بكثير مما كان يعتقد سابقًا، وأن المكاسب جاءت في شكل جليد.
لماذا هذا التناقض؟
لقياس التغييرات، استخدم زوالي وزملاؤه أقمار ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية التي أطلقت أشعة الليزر على مناطق محددة على جليد القارة القطبية الجنوبية فتنعكس هذه الحزم مرة أخرى إلى الأقمار الصناعية في أوقات مختلفة قليلاً، مما يشير إلى ارتفاع النقاط المختلفة على الغطاء الجليدي. تتطلب هذه العملية معايرة الأقمار الصناعية بإطلاق أشعة الليزر على 'سطح مرجعي' مسطح؛ اختار فريق زوالي المياه الراكدة للمحيط الجنوبي.
لكن بعض العلماء أكدوا بأن طريقة القياس هذه ليست موثوقة تمامًا. أولاً، هذه المياه ليست ثابتة دائمًا، ويمكن أن تكون مغطاة بالجليد. علاوة على ذلك، حتى إذا قبل العلماء نتائج الدراسة المتعلقة بتغيرات الارتفاع في الغطاء الجليدي، فلا يزال من غير الواضح ما الذي يسبب الارتفاع: جليد أم ثلج؟ زعم فريق زوالي أنه جليد، وهو افتراض يعني بالضرورة أن تقديراتهم لمجموع مكاسب الجليد في القارة ستكون أعلى بكثير، لأن الجليد أكثر كثافة من الثلج. مرة أخرى، تم الطعن في هذه النتيجة من خلال الأبحاث اللاحقة التي أجريت مع الأقمار الصناعية GRACE والتي وجدت أن مكاسب الجليد في شرق القارة القطبية الجنوبية خلال فترة الدراسة كانت أقل بثلاث مرات من الكمية التي اقترحها فريق زوالي. وتبين أن الدراسة لم تجادل بوجود تغير مناخي؛ حيث غفلت عن القضية الرئيسة: أنتاركتيكا تذوب بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وردًا على دراسة زوالي، وجدت دراسة أجريت عام 2017 أن شرق القارة القطبية الجنوبية يكتسب ثلجًا أقل بثلاث مرات مما اقترحه فريق زوالي، كما وجدت دراسة أجرتها وكالة ناسا عام 2018 أن فقدان الجليد في القارة قد تسارع منذ عام 2008، مع وقوع حوالي 90٪ من الخسائر في غرب أنتاركتيكا. وأن ذوبان الجليد أضاف ما يقرب من 3 تريليونات جالون من الماء إلى المحيطات على مدار 25 عامًا.
- كارثة بيئية "تختمر".. هل تختفي الأنهار الجليدية من الكوكب؟
- العصر الجليدي الدافئ.. ماذا حدث للمناخ قبل 700 ألف سنة؟
آثار تغير المناخ على القطب الجليدي
يؤدي تغيير تصميم الأثاث في منزلك إلى تغيير طريقة تحركك من خلاله. على نفس المنوال، فإن تغيير تكوين محيطاتنا -درجة حرارتها ومستويات ملوحتها- يغير كيفية تحرك المياه حول العالم. منذ أوائل التسعينيات، فقدت القارة القطبية الجنوبية ما يقرب من ثلاث تريليونات طن من الجليد، وهذا بدوره يعمل على تدفق المياه العذبة شديدة البرودة إلى المحيطات مما يؤثر على كيفية تحرك التيارات عبر المحيطات، التي تغذي بدورها الغلاف الجوي، مما يؤثر على درجات حرارة الهواء والرطوبة وهطول الأمطار والرياح. فالأرض عبارة عن نظام مغلق حيث تدور المواد بين الغلاف الصخري (الأرض) والغلاف الجوي والغلاف المائي والمحيط الحيوي: تؤثر التغييرات في جزء من النظام على جزء آخر. وبالتالي، فإن التغييرات في أي جزء من نظام الأرض المتجمد - الغلاف الجليدي - لها عواقب عالمية.
كتل الصفائح الجليدية في غرينلاند وأنتاركتيكا.. توازن خاسر
شهدت كل من الصفيحة الجليدية في غرينلاند والصفائح الجليدية في أنتاركتيكا فقدانًا كبيرًا للجليد في القرن الحادي والعشرين. وفقًا لمقال نُشر عام 2020 في مجلة Nature ، فإن الغطاء الجليدي في جرينلاند هو 'أكبر مساهم منفرد في ارتفاع مستوى سطح البحر'. حتى ثمانينيات القرن الماضي، كان الغطاء الجليدي في غرينلاند في الغالب في حالة توازن. ومع ذلك، بحلول منتصف التسعينيات، بدأت جرينلاند تفقد كميات كبيرة من الجليد.
في عام 2019، أفاد باحثون في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences أن صفيحة غرينلاند الجليدية تفقد الجليد أربع مرات أسرع مما كانت عليه في عام 2003، مع تركيز جزء كبير من ذوبان الجليد في جنوب غرب غرينلاند. من عام 1985 إلى عام 2020، فقد الغطاء الجليدي 4.2 تريليون طن من الجليد الذائب.
لا يزال فقدان الجليد من الصفائح الجليدية في القطب الجنوبي وغرينلاند يمثل مجالًا متطورًا للبحث. تشير دراسة نشرت عام 2021 في مجلة Nature إلى أنه إذا استمر العالم في مسار انبعاثاته الحالي، بما يتجاوز درجتين مئويتين (3.6 درجة فهرنهايت)، فقد تتعرض القارة القطبية الجنوبية لهزة في ذوبان الجليد وخسارة في حوالي عام 2060، مما يضاعف مساهمتها في ارتفاع مستوى سطح البحر بحلول عام 2100 قد يستمر تعديل هذه الأرقام مع ظهور أبحاث جديدة حول عمليات الذوبان.
ومع ذلك، تؤكد كل هذه الدراسات نقطة مهمة: الاقتراب من ذوبان الغطاء الجليدي ليس مصدرًا للأمان، بسبب التغيرات المستتبعة في مجال الجاذبية الأرضية الناتجة عن فقدان كتلة الغطاء الجليدي؛ حيث سينخفض مستوى سطح البحر بالقرب من مناطق الذوبان ويرتفع في مكان آخر. وأبرز مثال على ذلك، ميامي وطوكيو وشنغهاي ولوس أنجلوس وغيرها من المدن الساحلية التي تعاني من ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب ذوبان الغطاء الجليدي بعيدًا.