كارثة بيئية "تختمر".. هل تختفي الأنهار الجليدية من الكوكب؟
تسارع وتيرة ذوبان الأنهار الجليدية في الهيمالايا بسبب التغير المناخي
ذابت الأنهار الجليدية في منطقة جبال الهيمالايا بين عامي 2010 و2019 بوتيرة أسرع مما كانت عليه في العقد السابق، بسبب التغير المناخي.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الجليد والثلج من سلسلة جبال هندوكوش وجبال الهيمالايا ذابا بنسبة 65% أسرع بين عامي 2010-2019 مقارنة بالعقود السابقة.
ونقلت المقالة عن الباحث في المعهد الدولي لإدارة المياه "سانتوش" توقعاته إنه بحلول عام 2050 سيكون الماء الذائب الناتج كثيرًا جدًا في بعض الأماكن وسيكون هناك القليل جدًا في بعض الأماكن، ويتوقع أن تعتمد المجتمعات المحلية على المياه الذائبة أكثر من اعتمادها على مياه الأمطار، حيث سيصبح هطول الأمطار غير متوقع بسبب تغير المناخ. لكن هذه المياه الذائبة ستستنفد في مدة أقصاها 30 عامًا.
عواقب تغير المناخ على الأنهار الجليدية
حذر التقرير الصادر الثلاثاء 20 يونيو/حزيران 2023 من المركز الدولي للتنمية المتكاملة للجبال (ICIMOD) ومقره كاتماندو، من أن الفيضانات والانهيارات الجليدية ستزداد على الأرجح في السنوات المقبلة، كما لفت التقرير إلى أن الأنهار الجليدية في سلسلة جبال "هندو كوش" والهيمالايا تشكّل مصدراً مهماً للمياه لنحو 240 مليون شخص في المناطق الجبلية، كما أنها تُغذي 10 من أهم أحواض الأنهار التي تتدفق عبر 16 دولة في آسيا، بما في ذلك نهر الغانغ، والسند، والنهر الأصفر، وميكونغ، وإيراوادي. وتوفر كذلك الغذاء والطاقة والدخل لمليارات البشر بشكل مباشر أو غير مباشر.
في هذا الصدد، أشارت "ميريام جاكسون"، باحثة الغلاف الجليدي في المركز الدولي للتنمية المتكاملة للجبال وأحد مؤلفي التقرير: إلى إن "ارتفاع درجات الحرارة يؤدي كما هو متوقع إلى ذوبان الجليد. لكن ما هو غير متوقع ومقلق للغاية هو السرعة"؛ حيث 'منذ عقدين فقط إلى العقد الماضي، كانت هناك تغييرات كبيرة جدًا. وتعتقد أن هذه مفاجأة لكثير من الأفراد.
ومن جانبها، أفادت "أمينة مهرجان"، أخصائية الهجرة وأحد مؤلفي التقرير: "أن الأشخاص الذين يعيشون في هذه الجبال والذين لم يسهموا بأي شيء في ظاهرة الاحتباس الحراري معرضون لخطر كبير بسبب تغير المناخ"، كما إن "جهود التكيف الحالية غير كافية على الإطلاق، وبدون دعم أكبر لن تتمكن هذه المجتمعات من التكيف".
- "بكين" تغلي.. الصين ترفع مستوى التحذير من "الحر" لأعلى مستوى
- صيف قاسٍ بغرفة الطوارئ المناخية.. هذه الدول تراهن على COP28
منطقة هندو كوش هيمالايا
درست الدكتورة "جاكسون" وزملاؤها مساحة تبلغ حوالي 1.6 مليون ميل مربع يسمونها "هندو كوش هيمالايا"، والتي تمتد من أفغانستان وبنغلاديش وبوتان والصين والهند وميانمار ونيبال وباكستان. تم تمويل أبحاثهم جزئيًا من قبل الحكومات الفيدرالية في العديد من البلدان في المنطقة، والتي تسعى جاهدة لفهم كيفية تأثير تغير المناخ على مواردها الطبيعية وكيف يمكن لمواطنيها التكيف.
يُحدِّث تقرير الهيمالايا العمل الذي نشرته المجموعة نفسها في عام 2019، والذي وجد أنه حتى في الحالة الأكثر تفاؤلاً بأن متوسط الاحترار العالمي يقتصر على 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، فإن منطقة هندو كوش في الهيمالايا ستفقد ما لا يقل عن ثلث أنهارها الجليدية.
يظل هذا التقدير كما هو؛ لكن بيانات الأقمار الصناعية المحسّنة منذ ذلك الحين سمحت بإجراء قياسات أكثر دقة لمقدار تقلص الأنهار الجليدية في المنطقة بالفعل، وإسقاطات أفضل لمدى سرعة تقلصها إلى ما بعد 1.5 درجة من الاحترار.
ومن جانبه، أفاد "ماركو تيديسكو"، أستاذ الجيولوجيا البحرية بجامعة كولومبيا: أنه من الناحية الفنية، أنه أمر مذهل'. كما أشاد بتركيز التقرير الجديد على الآثار الاجتماعية والبيئية للأنهار الجليدية سريعة الذوبان. وقال إنها علامة مرحب بها على أن الاهتمام العام بالاحتباس الحراري يتحول بعيدًا عن التركيز العلمي الضيق إلى فهم أوسع لكيفية تأثير هذه التغييرات على الأفراد في جميع أنحاء العالم.
الآثار الاجتماعية والبيئية لذوبان الأنهار الجليدية
تشعر مجتمعات الهيمالايا بالفعل بآثار تغير المناخ بشكل حاد في بعض الأحيان على ذوبان الأنهار الجليدية؛ حيث إنه في وقت سابق من هذا العام بدأت بلدة جوشيماث الجبلية الهندية في الغرق واضطر السكان إلى إعادة توطينهم في غضون أيام.
مع ذوبان الأنهار الجليدية الجبلية سوف تزداد المياه الذائبة -لفترة قصيرة- وأشار التقرير إلى أنه من الصعب جدًا إعادته إلى شكله المتجمد' -خاصة الأنهار الجليدية الكبيرة في جبال الهيمالايا- كما إن النظام سيصل في النهاية إلى نقطة تحول تُسمى 'ذروة المياه'، وسيتغير مواقع المياه الذائبة في المنطقة. ومن جانبه ذكر "سانتوش نيبال"، الباحث في المعهد الدولي لإدارة المياه: أنه سيكون هناك تفاوت كبير في توزيع المياه؛ حيث سيكون هناك الكثير في بعض الأماكن والقليل جدًا في الأماكن الأخرى، كما ستبدأ المياه الذائبة في التوفر في وقت مبكر من العام.
يتوقع الدكتور نيبال أنه نظرًا لأن تغير المناخ يجعل أنماط هطول الأمطار غير منتظمة في جميع أنحاء العالم، فإن الأفراد في منطقة هندو كوش في الهيمالايا سيعتمدون أكثر على المياه الذائبة بدلاً من مياه الأمطار، على الرغم من أنه لا يمكن الاعتماد على هذه المياه الذائبة لأكثر من 20 أو 30 عامًا.
مخاطر ذوبان الأنهار الجليدية
مع ذوبان الأنهار الجليدية هناك مخاطر أخرى على الأفراد، حيث ستزداد الأخطار الطبيعية، لا سيما تآكل المنحدرات الجبلية وسفوح التلال، مما يمهد الطريق لكوارث متتالية مثل الفيضانات والانهيارات الأرضية عندما تحدث صدمات مفاجئة للنظام، مثل الزلازل.
أضاف الدكتور نيبال أن أنظمة الاستعداد والاستجابة للطوارئ في المنطقة "ليست مصممة للتعامل مع هذا النوع من الكوارث".
وبالمثل، فإن النظم البيئية في منطقة هندو كوش في الهيمالايا غير مستعدة للتغيرات الجارية بالفعل، وفي هذا الصدد تُشير عدد من الدراسات العلمية إلى أن بعض الأنواع الفريدة من الحشرات في المنطقة -خاصة الفراشات- قد انقرضت بالفعل. كما أن الضفادع والبرمائيات الأخرى معرضة لخطر كبير.
توصيات بالتدخل الدولي السريع
خلص فريق الدكتورة "سونيتا تشودري"، باحثة النظم البيئية في المركز الدولي للتنمية المتكاملة للجبال، إلى أنه بحلول عام 2100 يمكن 'القضاء' على ربع النباتات والحيوانات وأشكال الحياة الأخرى الموجودة في المنطقة، مضيفًا أن الجزء الهندي من جبال الهيمالايا سيتضرر بشكل خاص. كما أضاف الباحثون إنه في حين أن الوقت قد فات لإنقاذ بعض الأنواع، لا يزال هناك وقت لمساعدة العديد من الحيوانات وكذلك ملايين البشر الذين تغيرت حياتهم بشكل جذري بسبب فقدان الأنهار الجليدية. يتضمن تقريرهم مجموعة من التوصيات، بما في ذلك:
- الحماية الرسمية للنقاط الساخنة للتنوع البيولوجي
- تشجيع التعاون بين الخبراء في قطاعات منفصلة من الاقتصاد مثل الزراعة والمياه
- البحث الإضافي في الموضوعات ذات الصلة مثل التربة الصقيعية.