جنون الدولار يضرب السوق المصرية وهو ليس بالأمر المفاجئ عطفاً على توقف عجلة الإنتاج في مصر، وهي المشكلة الرئيسة التي يواجهها الاقتصاد المصري
جنون الدولار يضرب السوق المصرية وهو ليس بالأمر المفاجئ عطفاً على توقف عجلة الإنتاج في مصر، وهي المشكلة الرئيسة التي يواجهها الاقتصاد المصري. فمصر تحتاج لثورة اقتصادية ومعرفية وإدارية واستراتيجيات مبتكرة لإدارة الموارد القومية بصورة خارجة عن الأنماط المألوفة. والجنيه المصري من الطبيعي أن يتراجع، فالبنك المصري المركزي مهما ساوى بين أسعاره وأسعار السوق السوداء لن يستطيع فتح المصانع المصرية المغلقة وإقناع المستثمر الأجنبي بالمغامرة في دولة تعاني من تذبذب العملة، وهو يعلم أن تدعيم العملة المصرية يحتاج لتثبيت الدولار مقابل الجنيه وذلك لن يحدث، وإنْ حدث سيحدث لفترة قصيرة على الرغم من المساعدات الدولية لتمتلئ جيوب المضاربين في حمى مضاربة بدأت بتحويل الجنيه لدولار وتحويله للخارج وبالتالي ضرب البنوك المصرية وسوق الأوراق المالية المصرية في الصميم.
والانخفاض المستمر في الجنيه لن يكون جاذباً للمستثمرين لدخول مصر، فعلى الرغم من وجود ميزة لهم عند دخولهم البلاد وقيامهم بتحويل الدولار إلى جنيه، إلا أنهم سوف يخسرون كل ما كسبوه بل أكثر عندما يقومون بتحويل أرباحهم إلى الخارج أو عند اتخاذ قرار بالخروج من السوق المصرية. والتساؤل هنا: هل أدى سماح البنك المركزي بانخفاض الجنيه أمام الدولار إلى زيادة نسبة الفقر في مصر ورفع الأسعار، وتخفيض قيمة المدخرات في البنوك والتراجع الحاد في الاحتياطي النقدي الأجنبي؟
فما هي أبرز الأسباب التي أدت إلى تردي حالة الجينه المصري، وهي عديدة، ونذكر منها الظروف التي فرضتها الأوضاع الاقتصادية العالمية وانخفاض أسعار النفط والحروب الإقليمية، والحالة الأمنية في الداخل المصري، وارتفاع مستوى الاستيراد غير المدروس في ظل انخفاض الوارد، ولربما كذلك قرار البنك المصري بوضع حد أدنى يساوي 250 ألف دولار للإيداع الشهري للمستثمر، مما جعل المستثمرين يهرعون للسوق السوداء، فعندما يزيد الطلب عن العرض، فإن سعر العملة يأخذ في الزيادة، وهذا ما حدث في حالة الدولار أمام الجنيه المصري، وخاصة بعد تكديس تجار السوق السوداء للدولار لصرفه في الأزمة وتحقيق أرباح خيالية.
وقلة حضور الدولار في السوق في مقابل ازدياد الطلب عليه أدت إلى زيادة سعر الدولار لقلة المعروض من العملة وبالتالي الاحتياطي بصورة كبيرة في البنك المركزي، ولم يجد البنك وسيلة أخرى غير أن يترك الدولار يزيد أمام الجنيه. وسبب آخر لنقص احتياطي النقد الأجنبي هو تراجع تحويلات المصريين بالخارج بسبب السياسة النقدية والمالية التي تنتهجها الدولة وعدم توافر بنوك مصرية في الأماكن التي يتواجدون فيها بالخارج، ذلك بالإضافة إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة من بعض الدول التي كانت في السابق تستثمر في مصر وجميعها لأسباب سياسية ناهيك عن بعض المشروعات الحكومية الجديدة الضخمة، والتي يعتقد بأنها تمثل عبئاً على الاقتصاد المصري بدلاً من كونها حلًا للأزمات، وذلك بسبب الركود العالمي وانخفاض حركة التجارة العالمية، مما تسبب في انخفاض إيرادات تلك المشاريع، التي تم إنفاق المليارات في تنفيذها بجانب تراجع الصادرات المصرية، وتراجع قطاع السياحة، وهو يمثل أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر.
وشهدت الأشهر الماضية تحركاً حكومياً مصرياً نشطاً للشروع في خطة إنقاذ ضخمة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي لتطوير نظام سعر صرف مرن، وتحسين القدرة التنافسية التجارية والصناعية المصرية، ودعم الصادرات والسياحة وجذب الاستثمارات الأجنبية بهدف تعزيز النمو وخلق فرص العمل. ومن ذلك المنطلق قرر البنك المركزي المصري تعويم العملة لوقف الاضطرابات في سوق العملات الأجنبية في الساحة المصرية المحلية والسماح للطلب والعرض في السوق أن يسير وفق ديناميكية فعالة بعد أن أصبح الدولار الأميركي يساوي ما يقارب 16 جنيهاً مصرياً.
وكانت أنباء موافقة صندوق النقد الدولي إقراض مصر ما قيمته 12 مليار دولار على 3 سنوات مهمة لوقف انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي، ومن المهم أيضاً قرار البنك المركزي المصري ترك تحديد أسعار الصرف لقوى العرض والطلب في السوق،. وفي الأسابيع القادمة، ومع زيادة المعروض من الدولار بالبنوك، ستنخفض أسعار الصرف مقابل الجنيه في سوق المال. ومن المتوقع أن تهبط قيمة الدولار بالبنوك إلى 14 جنيهاً خلال الفترة المقبلة، ولا سيما بعد عزم الحكومة اتخاذ إجراءات وسياسات لتدوير الدولار في السوق، عن طريق إنعاش السياحة وتشجيع الاستثمارات الأجنبية بالتعاون مع المؤسسات الدولية المعنية ومساعدات الدول الصديقة.
* نقلاً عن صحيفة الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة