بعد تعويم الجنيه ورفع سعر الوقود.. هل بدأت مصر قرارات "اقتصاد حرب"؟
بعد حزمة القرارات الاقتصادية الصعبة التي اتخذتها الحكومة المصرية مؤخرا، بات السؤال الذي يبحث عن إجابة هو هل بدأت مصر قرارات "اقتصاد الحرب"؟
المزيد من القرارات الجريئة، ومفهوم "اقتصاد حرب" تعبيرات تتردد منذ فترة في مصر، وأصبحت أكثر إلحاحا بعد قرار البنك المركزي المصري بتعويم سعر الجنيه، ورفع أسعار الوقود، وذلك لإيجاد حلول ناجعة للأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، ومواجهة صريحة وشفافة للتحديات الراهنة، والتي تتزايد يوما بعد يوم، وتدق مختلف مفردات وقطاعات الاقتصاد المصري، وفوضى الأسواق، وفترة شهدت شحاً للدولار وجنون سعره، ومحاولات لجمه بتعويمه، بعدما وصل سعره في السوق السوداء إلى ضعف سعره الرسمي المعلن من البنك المركزي قبل التعويم.
هذه الأزمة الإقتصادية الطاحنة بمختلف أنواعها أدت إلى بروز دعوة الحكومة إلى تبني مفهوم "اقتصاد حرب"، بما يعني اتخاذ الحكومة مجموعة من الإجراءات الطارئة لتعبئة الاقتصاد الوطني للإنتاج، خاصة أن البلاد تعيش ظروف بكل معايير الإقتصاد هي استثنائية، تتطلب قرارات وإجراءات للتعامل من تحديات الظروف الطارئة، ولمدة يتم تحديدها وفق توقعات حل الأزمة، حتى لو وصلت تلك الإجراءات لإعادة هيكلة المشروعات القومية بعيدة المدى، والمشروعات الاستثمارية والخدمية التي لم يتم البدء فيها.
قرار البنك المركزي بتعويم الجنيه، وتركه لحركة العرض والطلب، خطوة انتظرها مراقبون للسوق، رغم مرراتها، إلا أنها إحدى خطوات التوجه نحو اقتصاد الحرب، بخلاف قرار رفع أسعار الطاقة من مشتقات البترول، خصوصا البنزين والسولار بنسبة وصلت 47%، لكن تبقى الدعوة لمنظومة اقتصاد حرب مطلب مهم.
الدكتور جودة عبد الخالق الخبير الإقتصادي ووزير التموين والعدالة الاجتماعية الأسبق، قال إنه أول من دعا إلى ضرورة تبني مفهوم "اقتصاد حرب"، مع بدء تفاقم الأزمة الاقصادية في مصر مطلع العام الجاري، مع تطبيق برنامج جاد للتقشف لتقليل الطلب الكلى، وإجراءات لدفع عجلة الإنتاج لزيادة العرض الكلي.
وبين أن المطلوب بوضوح تطبيق عملي لإعادة النظر في الإنفاق الحكومى غير الضروري مثل سفر المسؤولين إلى الخارج والاحتفالات في الداخل، وما أعلنته الحكومة في هذا المجال بحاجة إلى شفافية أعلى.
وشدد جودة على أهمية مراجعة قائمة المشروعات الكبرى وتأجيل بعضها وإلغاء البعض الآخر منها مشروع العاصمة الجديدة، مع تنفيذ مشروع قومى لتأهيل شبكة الصرف المغطى للأراضي الزراعية في بحري والصعيد.
ومن الأمور المهمة -من وجهة نظر الوزير السابق- تشغيل المصانع المعطلة والتى قيل إنها بالآلاف، وتطبيق بنظام الضريبة التصاعدية على الدخل مع إعادة العمل بالضريبة على الأرباح الناتجة عن معاملات البورصة، ووضع سقف معلن للدين العام لا يمكن تجاوزه لحماية الأجيال القادمة.
وأشار إلى أن مفاهيم هذه المرحلة، محاربة الفساد بقوة وعلى أرض الواقع، وفق منظومة قوانين رادعة، وإعادة النظر في نظام دعم القمح والخبز والسلع التموينية لمكافحة وردع المتلاعبين بأقوات الشعب، مع قيود على الواردات، انطلاقا للحقوق القانوية الدولية لعضوية مصر في منظمة التجارة العالمية، مع تقنين تشريعات لتحقيق الكفاءة والعدالة.
وشدد على إعادة ترتيب الإنفاق وصولا لتقليل جرعة الإنفاق بما يتناسب مع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد واستقرار الأسعار، ومواجهة الحكومة جشع التجار وخلل التسعيرة لدرجة وجود المنتج نفسه بأكثر من سعر، مع إعلان يومي لقائمة أسعار استرشادية للسلع بحيث لا تكون تسعيرة جبرية ولكن مرجعية للمواطنين، وما هو تطبقه دول خليجية حاليا.
ومن جهتها، قالت الخبيرة المصرفية دكتورة بسنت فهمى وعضو مجلس النواب إن تطبيق مفهوم "اقتصاد الحرب"، أمر تقتضيه المرحلة، ولكن هذا لا يعني الحشد الاقتصادي لمعركة حربية، إنما من خلال قيام الحكومة بإجراءات استثنائية لمدة زمنية محددة لمعالجة الأزمات الاقتصادية الحادة التي نعيشها.
وأشارت إلى أن العمل المؤقت باقتصاد الحرب هو الطريق إلى تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي وصولا إلى عودة الاستثمارات الأجنبية حتى تتحقق التنمية المنشودة، ومن المهم أن تدرك الحكومة أن المرحلة الراهنة بمثابة حرب اقتصادية تتطلب قرارات استثنائية، بما فيها الحد من الإنفاق العام وحل مشكلة المتأخرات الضريبية، وأن يدفع الأغنياء ثمنا من تكلفة الإصلاح والخروج من الأزمة، من خلال تطبيق ضريبة البورصة، وما يماثلها.
من جهته، يقول محسن عادل وكيل الجمعية المصرية للتمويل والاستثمار، إن مصر تعيش في مرحلة تحتاج إلى اقتصاد حرب ولا يجب استيراد سلع كثيرا، حتى وإن كانت لدى المواطن مهمة، ولابد من تطيبق إجراءات قاسية لعلاج حزمة المشاكل والصعوبات والأزمات التي تحاصر البلاد.
إلى ذلك، قالت الدكتور سلوى العنتري الخبير الاقتصادي ومدير عام قطاع البحوث بالبنك الأهلي المصري: "لا شك أن مواجهة الأزمات الراهنة تتطلب مزيدا من القرارات الجرئية، وتطبيق اقتصاد حرب يقوم على تعبئة كل الموارد المحلية المتاحة، وتحديد أولويات الإنفاق ليتم استبعاد كل ما يزيد عن متطلبات الوفاء بالاحتياجات الأساسية للقاعدة العريضة من المواطنين، ومتطلبات استمرار وزيادة الإنتاج، ويعمل على الخروج من دائرة الاعتماد المطلق على الخارج والخضوع التام لتقلبات السوق الدولية.
وأكدت أن تعبئة الموارد المحلية يتطلب تطبيق الضرائب التصاعدية على الدخول، ورفع معدلات الادخار.
وأوضحت أنه لامجال للاستمرار في تخفيض الضرائب على دخول كبار رجال الأعمال والطبقات القادرة، في ظل الأزمات الراهنة، وفي وقت تعاني فيه الدولة من نقص في الإيرادات العامة.
وقالت: "ولمزيد من القرارات الجرئية، وتطبيق اقتصاد حرب، يستبعد كليا استيراد السلع والخدمات التى لا تشكل حاجة ضرورية لعامة الشعب، بما في ذلك السلع الغذائية والملابس الجاهزة والسيارات والأجهزة الإلكترونية والمفروشات والموبيليا، ولا نكتفي بمبادرات وقف استيراد للسلع، بل عبر قرارات حظر الاستيراد وتطبيق ضريبة جمركية مانعة بنسب مرتفعة".