كيف تستجيب المجتمعات المختلفة للكوارث البيئية؟
تختلف استجابة المجتمعات المختلفة للكوارث البيئية؛ فما السبب؟
تحدث زلازل وبراكين وفيضانات في بقاع شتى على سطح الأرض، لكن تستعيد بعض المناطق عافيتها، وتعود الحياة عليها كما كانت، بينما لا تسلم مناطق أخرى، ويعيش سكانها في معاناة؛ الأمر الذي دفع مجموعة بحثية بقيادة "دانيال هوير" للبحث في سر إبداء النظم البيئية استجابات مختلفة عند تعرضها لكارثة طبيعية؛ واستند بحثهم على قاعدة بيانات الأزمات (CrisisDB)، وهي جزء من بنك بيانات التاريخ العالمي (Seshat) التي تحتوي على أكثر من 150 أزمة سابقة لفترات زمنية مختلفة. وخرجوا بعدة أسباب مقنعة، نشروها في دورية «ذا رويال سوسايتي» (The Royal Society) في 18 سبتمبر/أيلول 2023.
استجابة قوية
وجد الباحثون أنّ هناك بعض المجتمعات استسلمت للدمار الناتج عن الكوارث، بينما أظهرت مجتمعات أخرى صمودًا وحققت تطورات غير مسبوقة، وأرجحوا أنّ هناك عوامل أخرى تقرر ما إذا كانت المجتمعات قادرة على استرداد بيئتها أم لا، واستشهدوا بالتاريخ في ذلك، ودرسوا العديد من الحالات، ولاحظوا:
تماسك اجتماعي
في أوقات الضغوطات، تتفوق المجتمعات المتماسكة على المجتمعات غير المتماسكة، ومن أبزر الأمثلة على ذلك، ما حصل في مونتي؛ فهناك في جنوب المكسيك، كانت مستوطنة مونتي، المنطقة التي تعرضت للجفاف الشديد في أثناء القرن التاسع الميلادي؛ ما تسبب في نزوح أهل المستوطنة إلى المناطق الأخرى، لكن هذا لم يسبب لهم انهيارًا مجتمعيًا؛ إذ استوطن مجتمع مونتي ألبان العديد من المناطق المجاورة لبلدهم، وحافظوا على العديد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية.
تفاوتات اجتماعية قليلة
من بين النتائج التي خلص إليها الباحثون أنّ التفاوتات الاجتماعية، تقلل فرصة المجتمعات على الصمود في مواجهة الكوارث؛ فالتعامل مع التهديدات، يحتاج إلى تفاهم بين أفراد المجتمع، على سبيل المثال، المجتمعات التي تلغبت على كوفيد، هي التي كانت تظهر تعاون أكبر، وتقل فيها التفاوتات الاجتماعية. ونفذوا تدابير الابتعاد بفعّالية.
قوة تحمل
قد تلعب القوى السياسية والاجتماعية معًا دورًا في تحديد مدى صمود البشر في مواجهة الكوارث البيئية، لكن قد تفقد القوى السياسية السيطرة، وتقل قوة تحملها للضغوطات الاجتماعية؛ فتسقط؛ ومن أبرز الأمثلة في التاريخ، لدينا أسرة تشينغ، التي حكمت الصين لقرون، صمدت في مواجهة التغيرات المناخية التي مرت على المملكة وقتها، والتي تمثلت في: الجفاف والفيضانات وأسراب الجراد، لكن بحلول القرن التاسع عشر، زادت الضغوطات الاجتماعية، ولم تستطع الأسرة فرض سيطرتها السياسية، وانهارت تمامًا في عام 1912 بعد تمرد تايبينغ، كان ذلك التمرد بمثابة الحرب الأهلية الأكثر دموية في التاريخ.
مثال آخر على قوة التحمل، الإمبراطورية العثمانية، التي واجهت ظروفًا بيئية شاقة خلال القرن السادس عشر، والتي تتمثل في الجفاف المتكرر والعصر الجليدي الصغير، ما أدى إلى حدوث اضطرابات وثورات، لكن حافظت الإمبراطورية على مكانتها، وهياكلها الاجتماعية والسياسية، بل ونجحت في توسيع نطاق حكمها لمئات السنين. وسقطت في بداية القرن العشرين، بعد تفاقم الضغوطات الاجتماعية، وفقدانها السيطرة السياسية، لكنها أبدت تحملًا أكبر من أسرة تشينغ.
مجتمعات هشة!
عند النظر في الكوارث الطبيعية الحاصلة اليوم، واستجابة المجتمعات لها، نجد أنّ أغلبها لم يستطع الصمود أمام الكوارث البيئية؛ فعلى سبيل المثال، لدينا باكستان، التي تتعرض لفيضانات وأمطار غزيرة من حين إلى آخر؛ فتعاني من خسائر فادحة في الأرواح والمنشآت.
يعيش أغلب البشر اليوم في مجتمعات هشة، تعاني من الصدمات البيئية والتفاوتات الاجتماعية واللا مساواة والاضطرابات الاقتصادية والسياسية. لذلك، من الطبيعي جدًا أن تكون الاستجابة ضعيفة، ويصعب النهوض من جديد. وهذا ما خلص إليه مؤلفو الدراسة؛ إذ وجدوا أنّ القوى البيئية مهمة، لكن مسارها يتوقف على عوامل أخرى كثيرة.