"دبلوماسية المؤتمرات".. هل تجلب الحل السياسي لليبيا؟
من باريس إلى سويسرا مرورا بباليرمو وبرلين والقاهرة والمغرب، يتنقل أطراف الصراع الليبي ويعقدون نقاشات واجتماعات
من باريس إلى سويسرا مرورا بباليرمو وبرلين والقاهرة والمغرب، يتنقل أطراف الصراع الليبي ويعقدون نقاشات واجتماعات، تتزايد معها التساؤلات حول جدوى "دبلوماسية المؤتمرات"، ومدى قدرتها على جلب الحل السياسي المنتظر منذ سنوات طويلة.
أولى المبادرات كانت "إعلان باريس" عام 2018، وعلى خطاها احتضنت مدينة باليرمو الإيطالية في عام 2018 مؤتمرا مماثلا، تخللتها اجتماعات عديدة بالقاهرة، فيما عقد مؤتمر أوسع في برلين مطلع العام الجاري.
فيما حرك وقف إطلاق النار أغسطس/آب الماضي المياه الراكدة، ووضع البلاد على بداية طريق صعب للحل السياسي.
ومنذ إعلان وقف إطلاق النار في ليبيا في 21 أغسطس/آب الماضي، عقدت الأطراف والقوى الدولية المتداخلة في الصراع سلسلة من المؤتمرات والاجتماعات، مع وجود ترتيبات لعقد عدد آخر من الاجتماعات مستقبلا، وخاصة منتدى الحوار السياسي المقرر في تونس مطلع فبراير/شباط المقبل.
ومع ازدياد ضغط الاحتجاجات في الشوارع الليبية على الفرقاء في الشرق والغرب، طور الصراع ديناميكية جديدة، وهي "دبلوماسية المؤتمرات"، حيث يتصارع السياسيون والدبلوماسيون من مختلف البلدان، وفي مقدمتهم الليبيون، حول مصير البلاد في سلسلة من المؤتمرات الدولية هذا الخريف.
وفي وقت سابق هذا الشهر، عُقد مؤتمر افتراضي "عبر الفيديو" حول ليبيا تحت اسم "برلين 2"، بمشاركة أطراف دولية، ونظر إليه بإيجابية، وفق الإذاعة الألمانية "دويتشه فيلا".
ووفق الإذاعة، فإن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، خرج متفائلا من المؤتمر، وقال إن "الكثير مما لم يكن يمكن تصوره في السابق، يبدو ممكنا الآن".
لكنه كان حريصا على التأكيد على ضرورة التزام الأطراف الدولية بحظر تصدير السلاح لليبيا المفروض أمميا منذ 2011.
كما أرسلت اجتماعات جرت بين أطراف الصراع في مدينة الغردقة (شرق القاهرة) في سبتمبر/أيلول الماضي، والمغرب في وقت سابق، إشارات إيجابية أيضا حول إمكانية حدوث انفراجة.
آفاق إيجابية
وفي هذا الإطار، قال الخبير فولفغانغ بوزتاي، رئيس الهيئة الاستشارية للمجلس الوطني للعلاقات الأمريكية الليبية (خاص): "في الفترة الأخيرة، كانت آفاق الحل السياسي إيجابية نسبيا مقارنة بالسنوات الماضية".
وأوضح في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية: "في الأسابيع الماضية، كانت هناك عدة جولات من المحادثات والمؤتمرات حول مواضيع مختلفة، خاصة تلك التي جرت في المغرب وسويسرا ومصر، وأسفرت عن نتائج مشجعة".
وفي المغرب على سبيل المثال، توصلت الأطراف الليبية إلى اتفاق بشأن تقسيم المناصب العليا في مؤسسات الدولة الرئيسية، ومن بينها مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار، وهي أهم الكيانات الاقتصادية في البلاد، وفق الخبير ذاته.
وخلال الفترة المقبلة، من المقرر عقد مؤتمر الحوار السياسي الليبي في تونس، وسط تفاؤل أممي، حيث قالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز إن "ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي ستحتضنه تونس، يعد فرصة حقيقية لتحقيق تقدم في العملية السياسية الليبية".
وما يدعم فرص التوصل إلى الحل السياسي على مائدة المؤتمرات والاجتماعات الدولية، تراجع الصراع العسكري على الأرض.
تراجع التوترات على الأرض
وقال توماس كلايس، المحلل السياسي ورئيس قسم الشؤون الليبية في مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، إن هناك انخفاضا ملحوظا في التوترات على الأرض، "لم يعد الصراع ساخنًا".
وأضاف في تصريحات لدويتشه فيلا: "هناك طرف جديد في المعادلة، وهو الشعب الليبي الذي يضغط بقوة من خلال احتجاجات دورية ضد الفساد وتردي مستويات المعيشة، ما يضع ضغوطا كبيرة على أطراف الصراع، ويدفعهم لعدم التصعيد، ومواصلة جهود الحل السياسي".
بدوره، وصف فولفغانغ بوزتاي، سلسلة الاجتماعات والمؤتمرات التي جرت في أكثر من دولة خلال الفترة الماضية، وينتظر أن تستكمل خلال الأسابيع المقبلة، بأنها نوع من "دبلوماسية المؤتمرات" التي ترمي للتوصل لحل للأزمة الليبية شديدة التعقيد، لكنه حذر من عرقلة أطراف دولية بعينها، وخاصة تركيا، لهذه الدينامية الجديدة التي طورها الليبيون.
تركيا.. عرقلة مسار واعد
لكن مسار التفاوض الفريد والواعد الذي طوره الليبيون، يتعرض لمشاكل هيكلية متعلقة بالنفوذ التركي في البلاد.
وتملك أنقرة مصلحة واضحة في نصرة طرف على حساب آخر في ليبيا، بعد أن انتزعت اتفاق غير قانوني لترسيم الحدود البحرية بين البلدين من فايز السراج، رئيس الحكومة غير الدستورية في طرابلس.
وتريد تركيا استمرار الوضع الراهن، وفرض الاتفاق البحري على الليبيين لاستغلال احتياطيات الغاز الضخمة في البحر المتوسط، رغم الرفض الأوروبي والعالمي لهذا الاتفاق الذي ينتهك حقوق اليونان وغيرها من دول حوض المتوسط.
وبالإضافة إلى ذلك، تمثل هشاشة الوضع الأمني في ليبيا حجرة عثرة آخر أمام استمرار مسار المفاوضات الحالي، وصمود وقف إطلاق النار، وفق الإذاعة الألمانية.
الخبير الألماني بوزتاي قال في هذا الإطار "لا تزال الحالة الأمنية حساسة للغاية، ولا يتوقع أحد التزام حقيقي بوقف اطلاق النار إلا من خلال رقابة دولية قوية تتحقق بتواجد قوات دولية بتفويض من الأمم المتحدة".
ومضى قائلا: "يمكن أن يلعب الاتحاد الأوروبي دورا في مراقبة وضمان وقف إطلاق النار رغم أن هذه المهمة محفوفة بالمخاطر بسبب وجود جماعات إرهابية في ليبيا".
واستطرد قائلا: "على أية حال، هناك مجموعة من الجانبين تريد نسف العملية السياسية، كما أن إرادة تركيا لتحقيق الاستقرار السياسي المستدام دون السيطرة بشكل كامل على البلاد، أمر مشكوك فيه".
وأمس، بدأت في مدينة جنيف السويسرية اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة المعروفة بصيغة "٥+٥" تحت رعاية الأمم المتحدة، ويتصدر جدول أعمالها تثبيت وقف إطلاق النار.
سيناريوهات السلام
لا يرجح مراقبون دوليون حدوث اتفاق نهائي حول الحل السياسي في ليبيا بسبب الخلافات الجوهرية في عدة ملفات مثل توزيع المناصب السيادية، وكذلك النفوذ التركي الذي يعرقل الحل، وفق صحيفة دي فيلت الألمانية.
وكان غونتر ماير، رئيس مركز البحث في قضايا العالم العربي في جامعة ماينز الألمانية، قال لـ"العين الإخبارية"، إن "هناك سيناريوهين للأزمة الليبية خلال الفترة المقبلة".
ووفق ماير، يتمثل السيناريو الأول في اتفاق الأطراف المتحاربة في غرب وشرق ليبيا على وقف دائم لإطلاق النار ومنطقة منزوعة السلاح تشمل سرت وتؤمنها قوات من الاتحاد الأوروبي، وحكومة انتقالية مع إجراء انتخابات حرة.
وقال الخبير الألماني: "هذا هو السيناريو الذي يحلم به الاتحاد الأوروبي، ولكن ليس لهذا السيناريو فرصة في التحول إلى واقع".
السيناريو الثاني، وفق الخبير الألماني، يتمثل في استغلال الأطراف المحاربة، خاصة الميليشيات المدعومة من تركيا في الغرب، أي هدنة مستقبلية في تقوية قواتها عددا وتسليحا، إلى حد يصبح معه استئناف القتال مجددا مسألة وقت، وهذا هو السيناريو الأكثر واقعية.
وتابع: "رغم جولات المباحثات والمؤتمرات التي عقدت مؤخرا، لا يمكن توقع أي اختراق في الأزمة، خاصة وأن هناك مئات الأطراف ذات المصالح المتعارضة في الداخل الليبي".
ورغم الجهود الدولية الحثيثة لحل الأزمة الليبية، تواصل تركيا انتهاك حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا منذ عام 2011، حيث تقدم أنقرة دعما كبيرا لحكومة الوفاق غير الدستورية في طرابلس بالعتاد والمرتزقة لمواجهة الجيش الوطني الليبي.
كما تتعمد أنقرة بهذه التصرفات، إجهاض المساعي الدولية الرامية لحل الأزمة الليبية، من ذلك مخرجات مؤتمر العاصمة الألمانية برلين، القاضية بتعزيز مراقبة حظر تصدير السلاح، ونزع سلاح المليشيات.
ونقلت تركيا أكثر من 20 ألف مرتزق سوري إلى ليبيا، إضافة إلى نحو 10 آلاف متطرف من جنسيات أخرى، وفق بيانات المرصد السوري لحقوق الإنسان.
aXA6IDMuMTQuMTM0LjE4IA== جزيرة ام اند امز