في الوقت الذي دعت فيه الولايات المتحدة إلى قمة "افتراضية"، عن بُعد، خاصة بالديمقراطية، دعت المملكة العربية السعودية إلى عقد اجتماع استثنائي للمجلس الوزاري لدول منظمة التعاون الإسلامي لمناقشة الوضع الإنساني في أفغانستان.
هنا قد يقول قائل: وما علاقة هذه بتلك، والدعوة الأمريكية دولية، بينما الدعوة السعودية على المستوى الوزاري للدول الإسلامية؟
الإجابة بسيطة، وهي أن الدعوة الأمريكية تنظيرية، أقرب للترف بهذه الظروف، بينما الدعوة السعودية إنسانية واقعية.
قمة الديمقراطية "الافتراضية" انتقائية، وفرز سياسي تنفيذاً لوعود انتخابية أمريكية، بينما الاجتماع الوزاري الإسلامي واقعي هدفه حقن الدماء، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه لبلد كان لعشرين عاماً تحت الاحتلال الأمريكي بزعم تحقيق الديمقراطية.
اليوم، وبعد الانسحاب الأمريكي المربك والمهين، تعقد واشنطن قمة خاصة بالديمقراطية، ودون دعوة أفغانستان التي قال الأمريكيون إبان احتلالهم لها إنهم يرسخون فيها الديمقراطية.
وبعد الانسحاب قال الرئيس "بايدن" إن بلاده لم تذهب لأفغانستان من أجل بناء دولة، ورأينا الأفغان يتساقطون من الطائرات الأمريكية في صور لن تُمحى من الذاكرة.
وعليه، فنحن أمام دعوتين، إحداهما للتنظير، أي قمة الديمقراطية، والأخرى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. دعوة الديمقراطية التي تمثل البعد الآيديولوجي، والدعوة السعودية التي تمثل العقلانية والواقعية.
يقول البيان السعودي إنه "نظراً لما يواجهه الشعب الأفغاني من أزمة إنسانية خطيرة، تتفاقم مع حلول فصل الشتاء، وحاجة الملايين من الأفغان، بمن فيهم كبار السن والنساء والأطفال، إلى مساعدات إنسانية عاجلة تشمل الغذاء والدواء والمأوى"، مضيفاً: "وبما أن الانهيار الاقتصادي المحتمل للدولة وتدهور الأوضاع المعيشية لن يكون مأساة إنسانية فحسب، بل سيؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار في أفغانستان، وسيقود لعواقب وخيمة على السلام والاستقرار الإقليمي والدولي".
والمهم في البيان السعودي قوله إن المملكة تأمل "أن يكون انعقاد هذا الاجتماع فرصة لتأكيد أهمية استقرار وأمن أفغانستان، وسيادتها ووحدة أراضيها والتصدي للتدخلات الأجنبية فيها، ونبذ ومحاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره"، مشدداً على "ضمان عدم استخدام الأراضي الأفغانية كمأوى أو ملاذ للجماعات الإرهابية والمتطرفة، وحث الحكومة المؤقتة على احتواء مختلف الأطياف الأفغانية، ومراعاة المواثيق والأعراف الدولية، واحترام حقوق الإنسان وحق المرأة في التعليم والعمل ضمن التعاليم والمبادئ التي كفلتها الشريعة الإسلامية".
لذا فإن السؤال هنا هو: أيهما أجدى، مؤتمر للديمقراطية بعد الانسحاب المهين من أفغانستان، وبعدما رأينا من "الفوضى الخلاقة" الأمريكية، أم مؤتمر لإنقاذ البشر وتجنب موجة جديدة من الإرهاب والفقر؟
وهل الديمقراطية نموذج واحد، وبمعايير أمريكية فقط؟ حسناً، أين الديمقراطية الناجحة التي رعتها واشنطن في منطقتنا، وبالاحتلال المباشر، أو التحريض كما حدث فيما عُرف زوراً بالربيع العربي؟
أيُّ ديمقراطية تلك التي تتحدث عنها واشنطن وهي التي تسعى لإخراج إيران من عزلة مستحقة، ورغم تدمير إيران لكل دولة عربية حاولت وتحاول ترسيخ الاستقرار، وممارسة الديمقراطية، كالعراق ولبنان، وغيرهما؟
خلاصة القول، كان من المقبول أن تُحاضر واشنطن العالم عن الديمقراطية، لكن ليس الآن، وبعد الانسحاب المهين من أفغانستان، وما حدث ويحدث بحق نسائها وأطفالها.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة