بوكوفا: المؤتمر يؤكد مكانة أبوظبي كمنصة عالمية لحوار الحضارات
300 أكاديمي وخبير وباحث يختتمون مؤتمر "الحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر" في أبوظبي بدعوة العالم لمواجهة ثقافة التطرف والكراهية
تواصلت، السبت، أعمال المؤتمر الدولي "الحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر" الذي تستضيفه أبوظبي، ويهدف إلى حماية التراث الثقافي في مناطق النزاع المسلح تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونيسكو".
وفي تصريحات خاصة لـ "بوابة العين الإخبارية"، عبّرت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لمنظمة "يونسكو" عن تقديرها لاستضافة العاصمة أبوظبي لفعاليات المؤتمر الدولي "الحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر"، ما يؤكد على مكانتها الرفيعة كمنصة عالمية لحوار الحضارات، وما يؤكد أيضاً على أهمية الحدث في مناقشة مؤتمريه لما تتعرض له الثقافة الإنسانية من عنف وإرهاب فكري بوجه عام، والمواقع الثقافية والأثرية والتاريخية بوجه خاص، على النحو الذي حدث ويحدث في سوريا والعراق وأفغانستان وغيرها من البلدان.
جاءت تلك التصريحات، على هامش اليوم الختامي للمؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي في مناطق الصراع والذي حظي بافتتاح رسمي غير مسبوق لجانب حضور كوكبة من زعماء وقادة من العالم، في إطار مبادرة الشراكة الدولية التي دعا إليها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس فرانسوا أولاند رئيس الجمهورية الفرنسية.
وأضافت المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" في تصريحاتها: لقد أصبح موضوع التراث الثقافي المهدد بالخطر الآن قضية عالمية وأولوية بالنسبة لنا في اليونسكو، والمؤسسات المعنية في الإمارات، بل قضية ملزمة للعالم للدفاع عنها وحمايتها باعتبارها ثروة إنسانية لا تعوض، وكنزاً ثقافياً نادراً للأجيال القادمة، ما يتطلب معه وضع إستراتيجية نافذة تسهم في وضع حد للمخاطر التي يتعرض لها التراث الثقافي في أنحاء متفرقة من مناطق الصراعات، وكذلك أهمية وضع المقترحات والتوصيات لضمان تدخل دولي فاعل لحماية كنوز الحضارات الإنسانية.
جلسات اليوم الختامي
في السياق، استهلت جلسات اليوم الختامي بكلمة ألقتها أودري أزولاي، وزيرة الثقافة والاتصالات الفرنسية، ألقت من خلالها الضوء على أهمية التعاون بين البلدين الشقيقين الإمارات وفرنسا، وأن تنظيم مثل هذه التظاهرة الثقافية بمبادرة منهما، يؤكد على عمق الروابط التاريخية التي لم تنقطع يوما بينهما.
ونوهت أزولاي في كلمتها بأهمية أن يطرح موضوع التراث الثقافي المهدد بالخطر، هنا في أبوظبي وما عرف عنها من سمعة عالمية طيبة في مجال الحفاظ على الهوية الوطنية والتسامح واستيعاب ثقافة الآخر بشفافية عالية، مؤكدة أن العالم اليوم أصبح في مرمى حجر من ظاهرة الإرهاب التي تتنامى يوماً بعد يوم بسبب استقواء ثقافة التطرف والعنف والارهاب الفكري.
تلا ذلك جلسة نقاش حول تأسيس صندوق عالمي بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وترأس الجلسة سيف سعيد غباش، المدير العام لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، وأدار الحوار جوشوا ديفيد، رئيس الصندوق العالمي للآثار، وتحدث فيها كل من مريات ويسترمان، نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة أندرو دبليو ميلون، والدكتور ماركوس هيلجيرت، مدير متحف بيرغامون في برلين، وغولن أتاوي نيوتن، المستشار العام للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا. تكمن أهمية هذه الجلسة في متحدثيها الذين يملكون خبرات واسعة في العمل في بيئات متعددة الجنسيات والتخصصات، والتعامل مع الهياكل الادارية المعقدة ومجالس الإدارة ذات الجهات المعنية المتعددة والاهتمامات المختلفة ما سهل مهمتهم في طرح المعلومات والإحصائيات الدقيقة حول مدى الحاجة لتشكيل صندوق عالمي يتولى مهمة الإشراف والإنفاق على الدراسات والبحوث ودعم جهود الدول في مناطق الصراع لمواجهة الجماعات المتطرفة، وما يشاكلها من فئات تستخدم الإعلام وشبكات التواصل لبث وتعزيز مفاهيم سلبية حول المحتوى الحضاري في المواقع الثقافية والمتاحف والمناهجةالتعليمية وغيرها، ورصد المتحدثون نماذج عديدة يمكن للصندوق المرتقب المساهمة في حمايتها وصيانتها وإعادة تأهيلها بعد انتهاء النزاعات والصراع مثل كمبوديا وأفغانستان ومالي والبوسنة والهرسك وغيرها.
كما شهد اليوم الختامي من المؤتمر جلسة نقاشية بعنوان: إنشاء شبكة دولية للملاذات الآمنة، ترأستها لورانس أنجل، رئيس المكتبة الوطنية في فرنسا، وشغلت منصب مدير الشؤون الثقافية لمدينة باريس وأدار الجلسة فرانس ديماراي، عضو اللجنة الدولية للدرع الازرق، وتحدث فيها: رينو بوشيل، رئيس قسم حماية الممتلكات الثقافية في المكتب الفيدرالي للحماية المدنية في سويسرا، وجان ايف مارين، مدير متاحف الفن والتاريخ في جنيف، وصاحب الغبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو، بطريرك بابل للكلدان الكاثوليك.
وركز المشاركون في نقاشاتهم على مجالات حماية التراث الثقافي في مناطق النزاعات المسلحة والصراعات العرقية، وانعكاس ذلك سلباً مسائل الهويات الثقافية، ومدى أهمية البحث ووضع الخطط والإستراتيجيات ذات الصلة بالبلدان التي تعرضت كنوزها التراثية للتلف أو الفقدان جراء النزاعات المسلحة الآمر الذي يستدعي جدياً جذب استثمارات القطاع الخاص لتأسيس شبكة دولية للملاذات الآمنة، تهتم بنقل الكنوز الحضارية، حيث الحماية والمحافظة على هذه المقتنيات، وبخاصة تلك الموجودة في المتاحف، ما يعتبر في المنظور العام من ضمن الوسائل الفاعلة في تحديد الوسائل ووضع الممارسات المستدامة لحماية الموارد الثقافية.
هذا وقد تقاطعت نقاشات هذه الجلسة التي وصفت من قبل بعض المهتمين بـ "الاستثنائية" مع اصطلاح "الهويات الهاربة" الذي أرسى مفهومه الدكتور خالد أمين، مدير مركز الدراسات والبحوث للفرجة في طنجة المغربية، بمعنى الهروب الثقافي نحو انزواء الهوية الإقليمية، فيما يسعى العالم المتحضر لتعزيز مفهوم الثقافة القومية الإنسانية الشمولية وهي التي تنعكس إيجابياً على سلوك الجنس البشري في التعامل مع كل الثقافات وكنوزها بروح شفافة قوامها احترام الآخر في إبداعاته ومحتوى حضارته.