بايدن وزيارة إسرائيل.. أهداف في شباك الربح والخسارة
قد تكون زيارة الرئيس الأمريكي إلى إسرائيل حققت بعض أهدافها، لكن المؤكد هو أن بقية الأهداف تظل معلقة في ظل السياق الملتهب بالمنطقة.
فبعد زيارة استمرت 7 ساعات في إسرائيل، عاد الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى واشنطن ليترك المنطقة في حال أسوأ مما كان عليه عندما وصل.
وقال بايدن للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية إنه "راضٍ عن إنجاز المهمة وخاصة فيما يتعلق بمسألة رفع الحظر عن المساعدات الإنسانية إلى غزة".
واعترف بايدن للصحفيين بأن مهمته الطارئة كانت محفوفة بالمخاطر، لكنه أصر على أنه حقق نجاحًا ومع ذلك، وقد يكون من المنصف إثارة التساؤل حول ما الذي حققته رحلة بايدن بالضبط؟
وبحسب تقرير لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، فإن الزيارة أظهرت أيضًا حدود النفوذ الأمريكي في المنطقة التي توشك أن تنزلق إلى المزيد مع العنف وسط مخاوف من اتساع نطاق الصراع بعدما أدت كارثة المستشفى المعمداني إلى مقتل مئات الأشخاص إلى تفاقم الأزمة.
نجاح وحيد
وفي تقريرها الذي طالعته "العين الإخبارية"، قالت "سي إن إن" إن بايدن حقق هدفًا رئيسيًا واحدًا لمهمته وهو التعبير عن احترامه العميق لإسرائيل وشعوره بالصدمة والحزن بشكل مؤثر، حيث استدعى تشبيهات المحرقة متعهدا بالوقوف إلى الأبد مع الشعب اليهودي.
لكن بايدن ناشد أيضاً المسؤولين الإسرائيليين بألا يسمحوا للغضب بأن يطمس وضوح أهدافهم في محاولة تدمير حماس.
وفرق بايدن بشكل صارم بين الشعب الفلسطيني وقيادات حماس الذين اتهمهم باستخدام المدنيين كدروع بشرية، وأعرب عن أسفه للأرواح "البريئة" التي أزهقت في غزة جراء القصف الإسرائيلي.
أزمة المستشفى
قضى انفجار المستشفى المعمداني في غزة على أي فرصة للأهداف الأوسع للرحلة بعدما أثارت الاحتجاجات في العديد من الدول العربية.
فهذه الكارثة هي بالضبط نوع الحادث الذي كان بايدن يأمل في منعه من خلال سفره إلى المنطقة، لكن يبدو أن رحلته عالية المخاطر جاءت متأخرة للغاية.
وانحاز بايدن إلى االرواية الإسرائيلية بأن «الانفجار نتج عن إطلاق صاروخ من حركة الجهاد الإسلامي بشكل خاطئ باتجاه إسرائيل».
وأدت هذه المأساة إلى إلغاء مرحلة حاسمة من زيارة بايدن إلى عمان، حيث كان من المقرر أن يلتقي بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وقمة عمان كانت ضرورية لجهود بايدن لتحقيق التوازن بين دعمه المطلق لإسرائيل وبين محاولته إشراك القادة العرب الذين يحتاجهم للمساعدة في احتواء الصراع.
لكن إلغاء القمة لا ينبئ بالكثير عن نفوذ واشنطن في هذه اللحظة، كما قد يؤثر الغضب الكبير في الدول العربية واحتمالات انتشار الاضطرابات وعدم الاستقرار على القرارات السياسية التي يتخذها قادة المنطقة وحتى المتحالفين مع واشنطن.
وربما يكون بايدن قد فاقم الشكوك الإقليمية حول الدور الأمريكي عندما قال إن انفجار المستشفى يبدو أنه ناجم عن "الفريق الآخر" حيث بدت العبارة وكأنها "استهزاء" مقارنة بالرعب الذي لا يوصف جراء كارثة المستشفى.
كما أعادت للذاكرة اللحظات المحرجة الكثيرة لبايدن والتي يستغلها الجمهوريون لانتقاد عُمْر بايدن الذى يبلغ الثمانين عاما وكيف سيؤثر ذلك على أداء مهامه إذا فاز بولاية ثانية.
والأخطر أن يؤدي ذلك إلى تآكل قدرة بايدن على العمل كطرف ثالث بين إسرائيل وحلفاء واشنطن العرب وهو ما يعنى عدم قدرته على تخفيف التوترات في المنطقة.
أزمة المساعدات
من جهة أخرى تبدو سمعة بايدن على المحك بسبب دخول المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة.
وناشد بايدن الحكومة الإسرائيلية السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع من مصر بشرط أن تذهب إلى المدنيين وليس مقاتلي حماس.
وقال بايدن إنه اتفق مع الرئيس المصري على دخول ٢٠ شاحنة تحمل مساعدات إنسانية عبر معبر رفح يوم الجمعة.
ورغم أن دخول الشاحنات سيمثل انفراجة إلا أن حجم المساعدات التي يحتاجها سكان القطاع هائل كما أن هناك تساؤلات حول قدرة الشاحنات على العبور فعلا.
تخفيف التوتر
مهما حاول مسؤولو البيت الأبيض التقليل من سقف التوقعات للزيارة فقد كانت هناك ضرورة ملحة لمهمة بايدن الأساسية وهي تخفيف التوتر في المنطقة وهي أيضا ما يمكن اعتباره الهدف الذى لم يتحقق من الزيارة.
ومع ذلك فإن خطاب بايدن البليغ وكلماته الرنانة لدعم الشعب الإسرائيلي قد يجعل لمطالباته لمساعدة المدنيين الفلسطينيين صدى لدى المواطنين الإسرائيليين تقديرا لدعم الرئيس الأمريكي لهم.
سياسيا، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أضعفته الأزمة أصبح مديناً لبايدن بسبب هذه الزيارة، لذا قد يكون أكثر عرضة للضغوط الأمريكية.
وقال إيفو دالدر، سفير الولايات المتحدة السابق لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إن زيارة بايدن كانت جديرة بالاهتمام في إظهار أن إسرائيل ليست وحدها.
لكن دالدر أشار أيضًا إلى تلميحات بايدن إلى أن القرارات التي اتخذتها واشنطن نتيجة لحالة الغضب والحون في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 قادت أمريكا إلى بعض الطرق المشكوك فيها.
وأعرب دالدر عن اعتقاده أن بايدن استغل الزيارة لإشراك نتنياهو وحكومته في محادثات جادة حول الاستراتيجية التي تتبعها إسرائيل.
وأضاف "أعتقد أن الرئيس الأمريكي كان لديه بعض الشكوك حول الجهود التي تبذلها إسرائيل حاليا وأنها لا تسير في الاتجاه الصحيح".
في المقابل، أرسل بايدن تحذيرًا إلى أعداء إسرائيل مثل إيران وحزب الله بأن الولايات المتحدة مستعدة لفعل كل ما هو ضروري للدفاع عن حليفتها.
وأخيرا، فإن الفشل في تحقيق أي إنجازات فورية خلال زيارة بايدن التي كشفت عن الوضع الجيوسياسي الخطير للنفوذ الأمريكي، أظهر بشكل مقلق أنه قد يكون من غير الممكن إيقاف الأحداث عن الخروج عن السيطرة.