الكونغو و«لعبة السلطة».. تشكيلة الحكومة بين السياسة والأمن

لحظة تداخلت فيها الحسابات السياسية مع الضغوط الأمنية، دفعت معارضين إلى تشكيلة الحكومة في الكونغو الديمقراطية.
إذ أعلن الرئيس الكونغولي، فيليكس تشيسكيدي، تعديلا حكوميا واسعا شمل تعيين شخصيتين معارضتين بارزتين في الحكومة، في محاولة واضحة لإعادة رسم المشهد الداخلي، وسط أزمة دامية تعصف بشرق البلاد.
وتتكوّن الحكومة الجديدة من 53 عضوا، مقارنة بـ54 في الحكومة السابقة، مع بقاء جوديث سومنوا تولكا في منصبها كرئيسة للوزراء.
وعُيّن المعارض ورئيس الوزراء الأسبق (2008–2012) أدولف موزيتو نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للميزانية، فيما أُسندت حقيبة التكامل الإقليمي إلى فلوريبير أنزولوني، زعيم حزب معارض صغير.
واحتفظ 75% من أعضاء الحكومة السابقة بمناصبهم مع بعض التغييرات. فعلى سبيل المثال، بقي باتريك مويايا وزيرا للإعلام والناطق باسم الحكومة، كما بقيت تيريز كايكوامبا وزيرة للشؤون الخارجية.
أما إيف بازايبا، فانتقلت من وزارة البيئة، التي تولتها ماري نيانغ بدلا منها، إلى وزارة الشؤون الاجتماعية. وغادر أيمي بوجي وزارة الميزانية إلى وزارة الصناعة، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
ومن بين الوجوه الجديدة، عُيّن النائب عن الأغلبية إلييزر نتامبوي وزيرا منتدبا للدفاع، وغيوم نغيفا وزيرا للعدل خلفا لكونستان موتامبا الذي يخضع لتحقيق في قضية اختلاس أموال عامة.
كذلك، عُيّنت غراس إيمي كوتينو، وهي مسؤولة عن كنيسة إنجيلية، وزيرة للشباب.
أزمة أمنية خانقة
وجاء هذا التعديل الحكومي بعد مشاورات سياسية جرت في مطلع العام، في سياق أزمة أمنية حادة في شرق البلاد.
وتعاني المنطقة الشرقية من الكونغو، الغنية بالموارد الطبيعية، لا سيما المعادن، من نزاعات مسلحة منذ أكثر من 30 عامًا.
وتصاعدت حدة العنف مؤخرا مع هجوم مفاجئ شنته "حركة 23 مارس" (M23) مدعومة بقوات رواندية، استولت خلاله على مدينة غوما، عاصمة إقليم شمال كيفو في يناير/كانون الثاني الماضي، ثم على بوكافو، عاصمة جنوب كيفو في فبراير/شباط.
وأسفرت هذه الهجمات، بحسب كينشاسا والأمم المتحدة، عن مقتل آلاف الأشخاص وتفاقم أزمة إنسانية طاحنة، أدت إلى تهجير مئات الآلاف من السكان.
وتولى تشيسكيدي السلطة في يناير/كانون الثاني 2019، وأعيد انتخابه من الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي بنسبة تجاوزت 73% من الأصوات. كما حصل تحالفه "الاتحاد المقدس" على نحو 90% من مقاعد البرلمان.
ورغم أن هذا الإعلان كان مرتقبا منذ أسابيع فإنه أثار انقساما واسعا في الأوساط السياسية وعلى منصات التواصل الاجتماعي. فالمخاوف والاتهامات بالمحاصصة والمقايضة السياسية بدأت تلوح منذ اللحظة الأولى.
وبينما وصف البعض هذا التعديل بأنه "فرصة لإعادة التوازن"، عده آخرون مجرد "تجميل سطحي" لن يحدث فارقا حقيقيا.
تحذير من تكرار سيناريو 2013
وعلق إثييل باتوميكي، الباحث في معهد "إيبيتيلي" للدراسات في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، على الخطوة قائلا: "البلاد تمر بأزمة عميقة تتطلب توافقا واسعا. وهذا التعديل لا كخطوة محدودة، مع تهميش فاعلين رئيسيين في الأزمة".
وقارن باتوميكي الوضع بمشاورات 2013 التي انتهت بتشكيل حكومة وحدة وطنية لم تُحدث أي تغيّر، وقال: "إعادة تشكيل الحكومة دون إصلاح فعلي يُعيد إنتاج نفس المأزق. مثل هذه الحكومات لا تعالج جذور النزاع".
وأكد أن اختيار أعضاء الحكومة يجب أن يركز على الكفاءة، لا على التوازنات الحزبية، مضيفا: "حان الوقت لاختيار تكنوقراط ذوي خبرة حقيقية، فالبلاد بحاجة إلى نتائج ملموسة، لا مكافآت سياسية".
"شرعية داخلية"
من جانبه، قال ألفونس مايندو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كيسانغاني ومدير مركز البحوث السياسية والاجتماعية في أفريقيا، والباحث في معهد غوراي في داكار، لـ"العين الإخبارية"، إن الخطوة التي أعلنها الرئيس فيليكس تشيسكيدي، التي زج فيها بشخصيات معارضة مثل أدولف موزيتو وفلوريبير أنزولوني في الحكومة، قد "تساعد في إضفاء شرعية سياسية داخلية في ظل ضغط الأزمة الأمنية في شرق البلاد".
وحذر مايندو من أن هذه التحركات تظل غامضة إن لم تلتزم بالإصلاح الحقيقي، موضحا أن "دمج المعارضة ليس كافيا ما لم يقترن بإصلاحات مؤسساتية حقيقية وتعزيز فعلي لدور الأجهزة الأمنية وتشريع شفّاف للمساءلة".
بدوره، قال جيساك ووندو، الباحث السياسي الكونغولي في شؤون السياسة والأمن في منصة أفريكان ديسك للتحليل الاستراتيجي لـ"العين الإخبارية"، إن التحول في بنية الحكومة، رغم أنه يحمل إشارات لتوسيع القاعدة السياسية، إلا أن إعادة تعيين الحلفاء داخل المؤسسات الأمنية وتكريس مقربين للرئيس داخل مفاصل الدولة، يبقى خطرًا.
وأوضح أنه "في ظل الصراع المتعمق في الشرق، يبدو أن التعديل الحكومي موجه لتعزيز سيطرة النظام دون تغيير حقيقي في المنهجية الأمنية أو نماذج الحكم".
وأشار ووندو إلى أن الأزمة الأمنية في شرق البلاد لا تنحصر في نقص القيادة، بل تمتد نحو غياب نظام شمولي لمكافحة الانقسامات والفساد داخل الدولة.
ولفت ووندو إلى أن البعد السياسي لتلك الخطوة، هو رغبة الرئيس الكونغولي في دمج شخصيات المعارضة في مناصب تنفيذية كبيرة، لتوسيع القاعدة السياسية وإظهار الانفتاح في خطاب السلطة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTAg جزيرة ام اند امز