تدخل العلاقات بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، والكونغرس الجديد، والذي سيتولى مهامه رسميا في بدايات 2023
مرحلة جديدة في إطار الصراع المتوقع أن يتم بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، خاصة وأن الرئيس الأمريكي سيواجه أزمة في تنفيذ السياسات الراهنة أو ما تم الإعلان عنه خلال الأشهر الأخيرة.
هذا الأمر سيتطلب بالفعل مراجعات لبعض التوجهات خاصة في عملية الإنفاق العام، أو في اتباع سياسة الإصلاح الشامل لجملة التحديات الاقتصادية، ومواجهة أزمة التضخم بحلول حقيقية، وليس مؤقتة إضافة للتعامل مع المعدلات البطيئة في بنية الاقتصاد الوطني. وقد فشلت السياسات التي جاءت من أعلى في التعامل مع هذه الإشكاليات، وأكدتها ما جرى في الفترة الأخيرة من فشل في مواجهة تبعات التأزم الاقتصادي العام، والتي تتجاوز السياسات إلى الإجراءات العاجلة التي يتعين على إدارة الرئيس الأمريكي بايدن التعامل معها.
ومن الطبيعي أن يقوم الرئيس الأمريكي باتخاذ خطوات تقلل من الإنفاق الحكومي، وتقليص عجز الميزانية الفيدرالية، ومنح البنك الفيدرالي القرار المباشر على مستوى الرئيس للتوقف عن رفع أسعار الفائدة، وإبرام اتفاقيات جديدة مع دول حليفة مثل أستراليا وبريطانيا واليابان والهند لتأمين سلاسل التوريد، والعمل على استقرار أسعار الطاقة، وتصدير الغاز الأمريكي، وجملة من الحسابات الكبرى التي يجب على الرئيس الأمريكي أن يعمل عليها خلال ال24 شهرا المقبلة إن أراد فعلا أن يستمر مرشحا، ثم رئيسا بصرف النظر عن تقدم سنه، وصعود مرشحين منافسين كبار سيدخلون السباق التمهيدي للانتخابات الرئاسية.
ويكشف الواقع داخل الكونغرس أن العديد من القضايا الراهنة والمنتظر مناقشتها يجب أن تحسم، ولا يمكن تأجيلها أو إيجاد حلولا مؤقتة لها في ظل ما يجري، وإلا فإن شبح الإغلاق الجزئي، أو الكلي سيكون وارداً، وهو ما يتخوف من تبعاته ملايين الأمريكيين في تجربة قلما أن تحدث. فالقضية تتجاوز الخلاف، أو التباين في الرؤى لتمرير حزمة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، والتي تصل إلى 37 مليار دولار وتمرير الملايين من الدولارات لمواجهة الكوارث التي تجري، وخاصة بعد أعاصير فلوريدا وبورتوريكو، وغيرها، والتعامل مع ملف المهاجرين بجدية، وإعفاء القروض خاصة لشريحة الطلاب في الجامعات، وجهود مكافحة كورونا والتي تحتاج على الأقل إلى 10 مليارات دولار إضافة لتقنين ملف المثليين وغيرها من الملفات.
إجراءات خاصة لحل المعضلة
سيحتاج أي خلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى مراجعات، وإجراءات خاصة وأن هناك أولويات تطرح نفسها تتجاوز الإشكاليات التي أثيرت قبل وبعد إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وهو ما يدركه الحزب الديمقراطي جيدا. ويراهن الحزب على التعامل العاجل معه في ظل ما تبقى من عمر ولاية بايدن خاصة في ملف الإنفاق الحكومي، وتمويل الحكومة الفيدرالية، وعلى اعتبار أن هناك حضور كبيراً لبعض الشخصيات الوازنة في الحزب الجمهوري ترفض تماما ما هو مطروح من سياسات تروج لها قيادات الديمقراطيين والمتعلقة بالبرنامج الحكومي، وآليات التعامل مع احتمالات الغلق الحكومي الرسمي. وهذا الأمر قد يؤدي لمزيد من التوتر الداخلي، واستمرار حالة التجاذب السياسي، والاقتصادي خاصة وأن مسألة مثل رفع السقف الدين الأمريكي تحتاج إلى موقف محدد ومباشر، وليس فيه أية مناورات من أي توجه في ظل الموقف الراهن، والذي يشير إلى ضرورة الوصول إلى 31 تريليون دولار بالنسبة للدين العام، وهو ما قد يحسم في الكونغرس الجديد، وسيكون له تبعات مكلفة، ومهمة لأسواق المال والأعمال ليس في الداخل الأمريكي، وإنما في العالم.
يحتاج الأمر إلى تكتيك حزبي ورئاسي معا في ظل مخاوف أمريكية بالغة في احتمالات خفض الثقة في قدرة الولايات المتحدة على سداد الديون، وهو أيضا ما سينطبق على مستقبل برامج الحماية الاجتماعية، والإعاشة لملايين الأمريكيين مقابل ما سيطرح من حلول بدأ الإشارة إليها في الأوساط الأمريكية مؤخرا، وتركز على احتمالات السماح باقتراض المزيد من الأموال.
يأتي هذا خاصة وأن الحكومة الفيدرالية ليس لديها خيارات كثيرة للعمل، كما هو متصور في ظل التركيز على قضايا الداخل، وعدم التعامل مع المخصصات المالية الكبيرة على حساب الخارج، وهو ما يمكن أن يعاد طرحه داخل الكونغرس بشأن دعم أوكرانيا، أو تقديم المساعدات الدولية للدول الحليفة وفقا لمبادئ الإستراتيجية الأمريكية التي أعلنها بايدن مؤخرا. وبالتالي فإن الرئيس الأمريكي سيجد نفسه محاطا بالكثير من القيود ليس فقط من الحزب الجمهوري فقط، بل ومن داخل حزبه خاصة.
ساحة المواجهات الكبرى
إن بايدن يدرك جيدا تبعات ما يجري ويعمل على طرح بدائل بجهوده، ومن خلال مجموعته الاقتصادية لكنه سيعمل أيضا على طرح مقاربات جديدة تؤكد على أن سياسته الاقتصادية ليست فاشلة، وأنها فتحت الكثير من الفرص بالنسبة للعمالة، وإيجاد وظائف حقيقية دائمة. ومن المتوقع أن يقدم الرئيس الأمريكي على تغيير بعض الوجوه الاقتصادية البارزة، والاستعانة بعدد من القيادات الاقتصادية من خارج البيت الأبيض، وقد يطول الأمر براين ديزي، وهو مدير الفريق الاقتصادي، والذي سبق أن أبدى الكثير من التحفظات على مناهج العمل، وطالب بتصويب مسار المشهد الاقتصادي مؤخرا.
ما سيجري في الكونغرس في الفترة المقبلة سيرتبط فعليا بعدة أمور أهمها قدرة بايدن على طرح سياسات حقيقية وشاملة، وإحداث تغيير حقيقي في مجمل السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، مع الرهان على أن الحزب الجمهوري سيدفع بقوة إلى مشهد جديد لن يتوقف على المناكفة التقليدية مع الحزب الديمقراطي. وسيتدخل الحزب الجمهوري في تغيير سياسات البطالة والتوظيف والأسعار، ومعدلات النمو وغيرها بهدف الضغط على بايدن، وتقييد حركته في حال استمراره في الترشح وخوض الانتخابات المقبلة رئيسا للولايات المتحدة لولاية جديدة.
والمشكلة الحقيقية ستكمن في الصراع المحتمل في الكونغرس على التركيز على قضايا الداخل مع الضغط المباشر على بايدن لتقليل حركته الخارجية، أو الدخول في سياسات جديدة مما سيعرقل تحركاته في ملف العلاقات الخارجية مع الحلفاء وخاصة دول الناتو، والتعامل مع تطورات الشأن الأوكراني إضافة إلى إستراتيجية التعامل في ملف الصين، وفي ظل تحديات خطرة تواجه الرئيس الأمريكي وحزبه ، وهو ما سينعكس على إدارة المشهد الانتخابي استعدادا لانتخابات الرئاسة المقبلة 2024، وهو ما سيجعل الكونغرس الجديد ساحة لمواجهات كبرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة