مترو الكابيتول السري.. رحلة داخل قطار «لا يتوقف»
رغم الشلل الذي أصاب مؤسسات الحكومة الفيدرالية الأمريكية بفعل الإغلاق المستمر في واشنطن، فإن هناك نظامًا واحدًا لم يتوقف عن الحركة ومترو الكونغرس السري الذي يربط بين مباني السلطة التشريعية تحت الأرض.
وبحسب موقع صحيفة بيزنس إنسايدر، تمتد أسفل مبنى الكابيتول الأمريكي، شبكة معقدة من الأنفاق التي تصل إلى قاعات مجلسي الشيوخ والنواب بعدد من المباني الإدارية المجاورة، حيث يقضي المشرّعون معظم أوقاتهم.
وفي قلب هذه الشبكة يعمل مترو الكابيتول، وهو نظام نقل داخلي صغير يتألف من ثلاث خطوط تنقل الأعضاء في رحلات قصيرة لا تتجاوز الدقيقتين، من مكاتبهم إلى قاعات التصويت في قلب الكونغرس.
من العربات الخشبية إلى القطار الكهربائي
تعود قصة هذا المترو إلى عام 1909، حين بدأ أعضاء مجلس الشيوخ استخدام عربات تعمل على سكة حديدية صغيرة تربط مبنى الكابيتول بمبنى مكتب راسل، أول مبنى مكاتب تشريعية في العاصمة.
تم تكليف شركة ستادبيكر الشهيرة بتصميم تلك العربات البدائية. وبعد ثلاث سنوات فقط، وتحديدًا في عام 1912، تم استبدالها بقطار كهربائي أحادي مزوّد بمقاعد من الخوص، يمكنه نقل عدد أكبر من الركاب بسرعة وكفاءة أعلى.

وكان يتم استدعاء القطار بقرع جرس خاص ثلاث مرات، لتتحرك العربات فورًا نحو المبنى المطلوب، حيث حُجزت المقاعد الأمامية حصريًا لأعضاء مجلس الشيوخ.
شاهد على التاريخ الأمريكي
عمل المترو بهدوء عبر أكثر من قرن من الزمان، ورافق لحظات مهمة في تاريخ الولايات المتحدة. فقد ظهرت صور للسيناتور هاتّي كاراواي، أول امرأة تُنتخب لعضوية مجلس الشيوخ، وهي تستقل المترو عام 1937.
ومع توسع مباني الكونغرس في منتصف القرن العشرين، جرى تمديد خطوط جديدة: خط إلى مبنى ديركسن عام 1958، وآخر إلى رايبورن عام 1965 لخدمة مجلس النواب، ثم خط ثالث إلى مبنى هارت عام 1982.

تحديث مستوحى من ديزني وورلد
بحلول أواخر الثمانينيات، تصاعدت الدعوات لتطوير النظام بسبب الأعطال المتكررة التي كانت تُعطل المشرعين عن حضور جلسات التصويت. وفي عام 1994، بُني نظام مترو حديث يعتمد على تقنية الرفع المغناطيسي، مستوحى من السكك الحديدية في منتجع والت ديزني وورلد بولاية فلوريدا.
هذا الخط الآلي يربط مبنيي ديركسن وهارت، وما زال يعمل حتى اليوم، قاطعًا الرحلة بين المكاتب ومبنى الكابيتول في نحو دقيقتين فقط. لكن المفارقة أن المشي في النفق المجاور لا يستغرق أكثر من 90 ثانية للأعضاء في المكاتب الأبعد، ما يجعل بعضهم يفضّل السير على استخدام القطار.

الخط القديم... الأصالة التي لا تتعطل
أما الخط التاريخي الذي يربط مبنى راسل بالكابيتول، فما زال يحتفظ بطابعه القديم، إذ تُدار عرباته يدويًا وتشبه إلى حد كبير النسخ الأصلية التي استخدمها أعضاء الكونغرس قبل قرن من الزمان.
وتتكون العربات من مقصورتين تتحركان ذهابًا وإيابًا عند الطلب، ويُقال إنها أكثر موثوقية من النظام الآلي الحديث الذي يتعرض أحيانًا لتأخيرات متكررة.
ورغم أن المسافة التي يغطيها المترو صغيرة نسبيًا - لا تتجاوز 300 متر في بعض الخطوط - فإن العربات تنطلق بسرعة تصل إلى 18 ميلًا في الساعة (نحو 29 كم/س)، وتبدو محطاته الحديثة كأنها جزء من مطار أو مترو أوروبي متطور.
ليس متاحًا للعامة… لكن يمكن زيارته
هذا المترو ليس مفتوحًا لعامة الناس، بل يقتصر استخدامه على أعضاء الكونغرس والصحفيين المعتمدين وموظفي الكابيتول. غير أن بعض النواب يسمحون لزوّارهم من الناخبين بجولة خاصة داخل الأنفاق أثناء زيارتهم للعاصمة.
ويُعد خط رايبورن الوحيد الذي يحتوي على عربة مخصصة للأعضاء فقط، بينما تظل بقية العربات متاحة لأي موظف أو ضيف يحمل تصريحًا رسميًا.
من الرؤساء إلى المراسلين
كثير من الرؤساء الأمريكيين استخدموا هذا المترو حين كانوا أعضاء في الكونغرس، ما يعني أن المقعد الخشبي الذي يجلس عليه نائب اليوم ربما جلس عليه رئيس سابق أو مستقبلي للولايات المتحدة.

وتُستخدم الرحلة القصيرة أحيانًا لعقد اجتماعات سريعة أو لإجراء مكالمات هاتفية أو لمراجعة ملفات تشريعية في طريق الجلسة. وعلى الجانب الآخر من الكابيتول، ينتظر الصحفيون السياسيون عند مخرج المترو لطرح الأسئلة على المشرعين أثناء توجههم نحو القاعة، في مشهد يومي يعكس سباقًا محمومًا مع الزمن السياسي في واشنطن.
أعطال متكررة وطلبات تحديث
ورغم خصوصية النظام، فإنه ليس بمنأى عن المشكلات التقنية. ففي يوليو/ تموز 2025، كشفت صحيفة واشنطن إكزامينر أن النظام "يواصل احتجاز أعضاء مجلس الشيوخ" بسبب الأعطال المتكررة، مما دفع بعض المشرعين للمطالبة بتخصيص ميزانية إضافية لتحديثه وصيانته.

مترو بلا حيوانات أليفة
وعلى عكس مترو واشنطن العام، لا توجد سياسة تسمح باصطحاب الحيوانات داخل مترو الكونغرس. إلا أن السيناتور الجمهوري جيم جاستس من ولاية فرجينيا الغربية يُعرف باصطحاب كلبه من نوع بولدوغ إنجليزي يدعى بيبي دوغ إلى مكتبه في مبنى هارت، حيث احتفل مؤخرًا بعيد ميلاده السادس - حتى وسط الإغلاق الحكومي المستمر.

ورغم بساطته وصِغَر مساحته، يظل مترو الكابيتول رمزًا مصغرًا لطبيعة العمل السياسي في واشنطن: نظام قديم يتجدد باستمرار، يسير تحت الأرض في صمت، لكنه يبقى في قلب الحركة اليومية التي تصنع القرارات الكبرى في الولايات المتحدة.