«سلطة بورتسودان» تتخبّط.. تناقض وارتباك يثير قلق السودانيين

"تناقض وتخبّط.. تردد وتذبذب.. تراجع وضعف.. توتر وارتباك"، هذا حال سلطة بورتسودان خلال الأيام القليلة الماضية.
ويظهر ذلك جليًا، خصوصًا في إدارة ملف السياسة الخارجية، إذ يتخذون قرارًا ويحشدون منصاتهم الإعلامية وحلفاءهم الإخوان لتبريره، ثم يصدرون قرارًا يناقضه، وبين هذا وذاك يتخذون خطوات غريبة تزيد من تورّط بلادهم، وتفاقم أزمات شعبهم أكثر فأكثر.
تلك الحالة التي تعاني منها سلطة بورتسودان (حكومة الجيش السوداني التي تتخذ من مدينة بورتسودان مقرًا لها) بدأت تثير قلق الشارع السوداني حول مدى قدرة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وزمرته على إدارة البلاد في الفترة الحالية، ومدى إمكانية الاعتماد عليهم في اتخاذ قرارات مستقبلية تؤثر بطبيعة الحال على مسار الحرب العبثية، وسط تجاهل دعوات المجتمع الدولي المتكررة لإنهاء تلك الحرب والبحث عن حل سلمي لحقن دماء أهل السودان.
العلاقات مع الإمارات
أحد الملفات التي يتجلى فيها هذا التخبط هو ملف العلاقات مع الإمارات، التي أرادت سلطة بورتسودان بين عشية وضحاها تحويلها من دولة شقيقة وصديقة إلى "دولة عدوان"، على حد زعمها.
فلم تمضِ ساعات على قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي برفض الدعوى المقدَّمة من سلطة بورتسودان ضد الإمارات، بشأن مزاعم لا أساس لها من الصحة، حتى فوجئ العالم بقرار من تلك السلطة تجاوزت فيه كل الأعراف والتقاليد والقيم.
وأعلن ما يسمى "مجلس الأمن والدفاع" -التابع لسلطة بورتسودان- في 6 مايو/أيار الجاري، دولة الإمارات العربية المتحدة "دولة عدوان"، وأعلن "قطع العلاقات الدبلوماسية معها"، و"سحب السفارة السودانية والقنصلية العامة"، بحسب نص البيان.
فلم تكتفِ تلك السلطة بما فعلته في الشعب من قتل وتجويع وتشريد وتدمير لمقدراته وثرواته، بل بدأت تحاول قطع علاقات الأخوة والصداقة مع الدول الصديقة والشقيقة، وعلى رأسها دولة الإمارات، التي لم تتوانَ على مدار 5 عقود عن تقديم شتى أنواع الدعم الإنساني والدبلوماسي والاقتصادي والتنموي للسودان وأهله.
وعلى مدار عامين من عمر الأزمة، شكّلت المبادرات والمساعدات الإماراتية، التي بلغت 600.4 مليون دولار، طوق نجاة لملايين المتضررين، حيث تجاوز عدد المستفيدين المباشرين من تلك المساعدات مليوني شخص، وسط جهود متواصلة لضمان وصول المساعدات إلى 30 مليون سوداني يواجهون خطر المجاعة، بينهم أطفال ونساء.
وبهذه المساعدات خلال الأزمة، يرتفع إجمالي ما قدمته الإمارات إلى السودان خلال السنوات العشر الماضية إلى أكثر من 3.5 مليار دولار.
لكن البرهان وزمرته وحلفاءه الإخوان تجاهلوا كل تلك الحقائق، وبدأوا يروّجون لقرار الاستعداء والقطيعة، محاولين عبثًا تبريره لجماهير الشعب السوداني، التي عبّرت عن رفضها واستيائها من القرار.
تراجع سريع
وبعد أقل من 48 ساعة من اتخاذ القرار، بدأت سلسلة من التراجعات والتناقضات في التعامل معه، سواء على الصعيد الدبلوماسي أو الاقتصادي.
فعلى الصعيد الاقتصادي، نفى محمد بشير أبونمو، وزير المعادن السوداني، صحة الأنباء التي تداولتها بعض المنصات الإعلامية بشأن إصدار توجيهات بوقف صادرات الذهب والمعادن إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقال في تصريح عبر حسابه في موقع "فيسبوك": "أؤكد أن هذا الخبر عارٍ تمامًا من الصحة ومدسوس، وبصرف النظر عن موقفي الشخصي أو الرسمي، فإنني لست الجهة المختصة بإصدار مثل هذا القرار".
وفي اليوم نفسه، تراجعت وزارة الخارجية السودانية عن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات و"سحب السفارة السودانية والقنصلية العامة"، وقالت في بيان نشرته على حسابها الرسمي في موقع "إكس" إن "القنصلية العامة للسودان بدبي ستظل مفتوحة لتقديم خدماتها القنصلية للمواطنين السودانيين الموجودين بدولة الإمارات، حتى إشعار آخر".
إجراءات متتالية تراجعت فيها سلطة بورتسودان عن قرارها الغريب بشأن قطع العلاقات مع الإمارات، في وقت ما زالت فيه تحشد منصاتها ضد الإمارات وتتباكى في المحافل الدولية بشأن ادعاءات ومزاعم حول دعم الإمارات لقوات الدعم السريع.
هذا التناقض والتضارب والارتباك، زاد من قلق السودانيين حيال تلك السلطة، وعبثها بمصائرهم ومستقبلهم، وزرع الشكوك حول مدى مصداقيتها ونواياها تجاه الإمارات، والقرارات المتخذة ضدها، وأسبابها الحقيقية.
الهرولة إلى كوريا الشمالية
السلطة نفسها، التي حاولت مرارًا وتكرارًا تشويه سمعة دولة الإمارات، تتباكى أمام المنابر الدولية بالمظلومية، وهي من توقد الحرب وتشعلها على حساب الشعب المغلوب على أمره.
تخبطٌ برز أيضًا في هرولة حكومة بورتسودان إلى كوريا الشمالية، للبحث عن سلاح يعوض الإخفاقات الميدانية.
خطوة يراها مراقبون تصعيدًا سياسيًا يائسًا قد يُدخل السودان في نفق أكثر ظلمة، حيث يتقاطع الفشل العسكري مع تراكم أدلة الانتهاكات، ما يُفاقم العزلة الدولية، ويزيد من معاناة شعب أنهكته الحرب وخذلته الخيارات.
وقبل يومين، أفادت تقارير إعلامية سودانية بأن ياسين إبراهيم ياسين، وزير الدفاع في حكومة بورتسودان التي يقودها الجيش، قد غادر إلى كوريا الشمالية في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها لمسؤول سوداني.
وكشفت مصادر مطلعة لـ"العين الإخبارية" عن أن الزيارة تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، لا سيما في مجالات التصنيع الحربي وتطوير منظومات الدفاع الجوي والصواريخ.
زيارةٌ يضبط مراقبون توقيتها على عقارب الانهيار المتسارع للتحالف العسكري مع إيران، ويقولون إن سلطة بورتسودان وجدت نفسها في مأزق جيوسياسي خطير، دفعها للارتماء في أحضان نظام كوريا الشمالية المنبوذ دوليًا.
ووصف محللون سياسيون تحدثت إليهم "العين الإخبارية" هذه الخطوة بأنها "بمثابة فشل استراتيجي، يعكس عجزًا في إدارة الأزمات، ويعزز من مؤشرات التورط في مسارات متطرفة، من شأنها تعميق الأزمة الإنسانية في السودان وفتح الباب أمام مزيد من العقوبات الدولية".
كما أنها تعكس فشلًا ذريعًا لحكومة بورتسودان في إدارة الأزمة، في مؤشر على انزلاق السلطة نحو مزيد من السياسات المتطرفة، في مسعى يائس للبحث عن دعم عسكري، حتى وإن كان من نظام منبوذ دوليًا ومتورط في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ودعم الإرهاب، وفق مراقبين.
aXA6IDE4LjIyMi4xNDMuMTQ4IA== جزيرة ام اند امز