جدل في الجزائر لخفض قيمة الصداق في بلدة صغيرة
إمام مسجد الزيتونة يقول إن القرار يقضي بتحديد مصاريف الزواج كاملة في مبلغ قدره 500 يورو، دون تقديم أي شيء من لباس وذهب وأشياء أخرى".
تنفس الجزائري، يونس زقاري البالغ من العمر 42 سنة، الصعداء بعد أن أقر أعيان ومشايخ، بلدة الزيتونة في ولاية سكيكدة 560 كم شرقي البلاد، اتفاقا يقضي بتعديل عرف الزواج وتحديد مصاريفه كاملة في مبلغ مالي إجمالي قدره 500 يورو.
ويوضح الأربعيني "يونس" وهو عامل يدوي في مقابلة مع DW عربية: "مضت أكثر من 4 سنوات على خطبتي من طالبة جامعية، ولم أتمكن من جمع المال اللازم لتجهيز العرس بسبب موجة الغلاء وضعف الأجر الذي أتلقاه مقابل ساعات اليوم التي أقضيها في عمل مُجهد ومستنزف".
يؤكد الشاب الأربعيني أن كلفة الزواج هنا تتجاوز 5 آلاف يورو، وهذا المبلغ يستحيل جمعه بالنسبة لعملة الأجور الزهيدة وأبناء الطبقة الفقيرة، وفق تعبيره.
يتابع المتحدث أنه ابتهج بقرار أعيان المدينة وقد يكون أسعد من في البلدة الشرقية المحافظة، ويعلن أنه سينتهي أخيرا من كابوس الزواج ويقطع حياة العزوبية.
يثني يونس على مبادرة مشايخ المنطقة ويدعو أقرانه إلى الإقبال على الزواج واختيار شريكات العمر.
ويعترف المتحدث أن بعض أصدقائه ألغوا ارتباطاتهم بخطيباتهم بسبب عجزهم في تدبير شؤون الزواج، مع إلحاح الفتيات على طلبات تتجاوز أحيانا قدرات الشخص، ومن ذلك توفير شقق فردية واشتراط حلي من الذهب الخالص وتجهيزات أخرى.
ويشرح، الشيخ زهير جامعي، إمام مسجد الزيتونة فحوى وثيقة تعديل عرف الزواج ويقول إن: "القرار يقضي بتحديد مصاريف الزواج كاملة في مبلغ مالي إجمالي قدره 500 يورو، دون تقديم أي شيء آخر من لباس ومال وذهب وأشياء أخرى".
وأوضح أن الوثيقة المرجعية الجديدة تحدد مصاريف الزواج 500 يورو، تكون مقسمة إلى ما يلي، 45 يورو بالنسبة إلى المهر، و230 يورو لجهاز العروس، و185 يورو خاصة بالعشاء ووليمة العروس، في يوم الزفاف.
وبحسب الشيخ زهير فإنه "لا يتم العقد الشرعي بالمسجد لمن خالف العرف المتفق عليه، ويتحمل تبعات العواقب المترتبة على أثر الخروج عن جماعة الأمة وعلمائها".
وشدد الإمام على أن الخطوة اجتهاد أئمة ومشايخ الضاحية، والهدف منها مواجهة عادات سيئة تميز الزواج المعاصر في مدن جزائرية عديدة، يعاني شبابها من ارتفاع المهور حتى كادت المرأة تتحول إلى سلعة وتتباهى بثمنها من جهة لأخرى.
جدل على فيسبوك
فجّرت مبادرات تسقيف المهر (الصداق) جدلاً على منصات التواصل الاجتماعي، منذ إعلان بلدات في محافظة سكيكدة وباتنة (الشاوية) وغيرها من المدن الجزائرية، لوائح تقضي بتعديلٍ في أعراف الزواج.
وعُدّ ذلك لدى بعض النشطاء انقلابًا في أعراف مجتمعية ظلت مهيمنة على الواقع وأنتجت ظواهر سلبية، ما اقتضى منهم إطلاق حملات دعم لهذه المبادرات، بنية خفض تكاليف الاقتران المتزايدة كل عام.
يوضح الموظف الحكومي، محمد ياسين، أنه لا يمكنه سوى الترحيب بوضع حد لغلاء المهور وعزوف الشباب عن الزواج، ويعتقد أنه منهم لأنه مكث 3 أعوام ينتظر جمع المال الكافي للعرس وتجهيز شقة بسيطة في ضواحي ولاية باتنة شرقي الجزائر.
يقول ياسين إن علاقة عاطفية استثنائية جمعته بــ"حليمة" وهي طبيبة متخرجة حديثًا من جامعة محلية، لم تشفع له في بلوغ مرحلة الزواج لغلاء متطلباته وتكاليفه. ويبرز أن أسرة حليمة اشترطت عليه مهرًا يقارب 1200 يورو مع طاقم من الذهب الخالص.
ويتابع: "إن كل شيء تغيّر مباشرة عند إعلان لائحة الأعراس بتسقيف المهر عند 6 ملايين وهو ما سهل إتمام مراسيم الزواج".
ويبدي "علي" سعادة بمبادرة وضع سقف المهور، باعتبارها تشجع الشباب على الارتباط وتفادي الفتنة، مردفا: "هي سلاح الشباب الجزائري من جشع بعض الأولياء الذين أصبحوا يبيعون بناتهم مقابل مبالغ مالية..".
هدى ذات الـ30 سنة، رحبت أيضا بالفكرة، وأكدت أن "المهر هو عبارة عن مبلغ رمزي، والأساس هو الود والتفاهم الذي ينشأ بين الزوجين..". كما شجعت مبادرة بلدية الزيتونة بضاحية سكيكدة قائلة: "أنا مع الفكرة لأنها تساعد كلا الطرفين على إكمال نصف الدين".
وتندد الشابة حنان حلو بهذه الخطوة إذ تعتبر أن "الفتاة التي يكون مهرها قليلاً، كأنها بيعت بثمن بخس.. وهذا ما يفتح باب الاستغلال أمام الزوج".
وواصلت: "لابد أن يكون من أعلى المهور مقارنة بنظيراتي، لأنه يعكس مكانتي وقيمتي عند من تقدم لخطبتي..".
من جهتها، ذهبت عائشة، أربعينية وأم لثلاث أطفال، إلى الجزم بأن وضع سقف لصداق المرأة يجعلها محل سخرية من نظيرتها وحتى من أهل زوجها.
ويوافقها الرأي، جمال حوري وهو تاجر، بقوله: "لا أؤيّد مشروع التسقيف، فشباب اليوم يطمحون دائما إلى الحصول على ما يبغونه بأقل تكاليف.. وشخصيا لن أنفذ هذه القرارات الدكتاتورية، وسأكون أول من يكفر بها، لأنها إهانة وإذلال للمرأة".
توضح الناشطة الجزائرية، فاطمة الزهراء بوصبع، أن الوضع الاجتماعي في البلاد يستوجب توحيد جهود الأطراف الفاعلة في المجتمع، لمواجهة مشكلات تتطور وتتزايد مع متطلبات مراحل النمو.
وتعتبر بوصبع، وهي رئيسة "المنظمة الوطنية لترقية ثقافة السلم"، أن تسقيف المهور يحظى بدعم المنظمة في حالة مراعاته للتخلص من عبء الزواج ومساعدة الشباب على بناء مؤسسات اجتماعية تعود بالنفع عن المجتمع.
وتدعو بوصبع إلى احترام حقوق الطرفين في تسقيف المهر، بما يحفظ كرامة المرأة ويُعزّها ويحمي مصالحها ومكانتها كوحدة أساسية في بناء أسرة.
وترى أن أساس المبادرة يجب أن ينطلق من تفاهمات مجتمعية تحمل فلسفة "العقد الاجتماعي"، وذاك هو الأساس بالنسبة لمنظمتها التي تعمل على ترسيخ ثقافة السلم المجتمعي.
يؤكد أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة الجزائر، أحمد قوراية أن سبب ارتفاع المهور بالجزائر يرجع إلى الغلاء المعيشي، وكذا تباهي بعض العائلات بالبذخ والتبذير، وهو ما سينتهي إلى عزوف الشباب وانحرافهم وانسلاخهم من قيم ديننا الإسلامي وتقاليدنا الثمينة. ولكنه حذر من تقليد الغرب في سلوكهم وثقافتهم في الزواج وتكاليفه.
وأكد أن "مغالاة أسعار المهور بالجزائر انعكست على ظاهرة "العنوسة"، والتفكك الأسري في المجتمع وبالمقابل تزداد الجريمة بأنواعها، خاصة الاغتصاب والعنف من كلا الجنسين، فبعض الرجال ينتقمون من النساء والعكس صحيح لعدم التوصل إلى الاستقرار النفسي".
وعن حملات تسقيف الصداق عبر محافظات البلاد، لم يخف محدثنا تخوفه من فشلها، داعيا إلى تبنيها من طرف العلماء ووزارة الشؤون الدينية والأوقاف من خلال توعية الناس وتحسيسهم.
اعتبر الإمام الدكتور، فارس مسدور، حملات تسقيف المهور مخالفة للشريعة الإسلامية، مستدلاً بالحادثة التي وقعت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذ جاءته امرأة بعد أن قرر تسقيف الصداق وقالت: "يا عمر كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ عند إذن تنبه عمر رضي الله عنه إلى خطئه، وقال قولته المشهورة (امرأة أفقه من عمر)".
وتابع: "لا يمكن مطلقا الدعوة إلى تسقيف المهور وإنما يجب على الناس إدراك أن أقل عقود الزواج مهورا أكثرهن بركة ولا بد علينا أن نحتكم لعاداتنا وتخفيف تكاليف الزواج".
كما يرى الأمين العام لتنسيقية الأئمة وموظفي الشؤون الدينية بالجزائر، جلول حجيمي، أن مسألة تسقيف المهور التي انتهجها عدد من أعيان المحافظات اجتهادية هدفها الأول تقليص نسبة العنوسة والترغيب في الزواج، سيما وأن عددا كبيرا من الشباب رفضوا الزواج بسبب المغالاة والوضع الاجتماعي.
وأكد الشيخ حجيمي: "نداءات التسقيف المنتشرة في مجتمعنا جاءت ردا على المغالاة في المهور، فبات من الضروري جعلها في استطاعة ومقدور الراغبين في إكمال نصف دينهم، عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أقلهن مهرا أكثرهن بركة".
وأبزر نقيب أئمة الجزائر أن "المهر في الشرع حق من حقوق المرأة منحه المولى عز وجل لها، وهو غير محدد أو مسقّف بل يكون وفقا لإمكانيات الزوج والمفاهمة بينهما".
ودعا العرائس للتخفيف وتسهيل المهور على الشباب الراغبين في استكمال نصف دينهم بالزواج، مشيرا إلى أن هذه الدعوة ليست مرتبطة بشكل مباشر مع الأوضاع الاقتصادية للبلاد أو ما يعرف بــ "التقشف".
وثمن حجيمي مبادرة العروش والأعيان بمحافظات جزائرية بتحديد المهر والتخلي عن بعض العادات، مضيفا: "هذه المبادرات من شأنها تحصين المجتمع وأصوله وأسرته".
aXA6IDE4LjExOC4xNTQuMjM3IA== جزيرة ام اند امز