"كوب 15".. اتفاق تاريخي للتنوع البيولوجي اهتم بالشكل على حساب المضمون (خاص)
التنوع البيولوجي، هو مزيج وفير من النباتات والحيوانات التي تشكل النظم البيئية لكوكب الأرض، وتدعم هذه النظم البيئية الحياة بعدة طرق.
وتقوم النباتات بتنقية الهواء وفلترة المياه، بينما النحل مسؤول عن ربع الإمدادات الغذائية عن طريق عمليات التلقيح التي يقوم بها، وحتى البكتيريا مهمة في المساعدة على تكسير النفايات.
ويتعامل معظم الناس مع العديد من الفوائد التي نحصل عليها من التنوع البيولوجي كأمر مسلم به، لكن الحقيقة أن هذه الفوائد للتنوع البيولوجي- والتي وضع لها أحد الاقتصاديين سعر 33 تريليون دولار- أصبحت في خطر، لذلك يحتاج العالم إلى الاتحاد لمواجهة هذه التحديات من أجل مستقبل البشرية.
وأقرت دول العالم، الإثنين 19 ديسمبر/ كانون الأول، في مؤتمر الأطراف "كوب 15" في مونتريال بكندا، اتفاقا تاريخيا للحد من تدهور التنوع الحيوي وموارده التي لا غنى عنها للبشرية، غير أن هناك تحفظات لدى بعض الخبراء بأن هذا الاتفاق اهتم بمساحات المناطق المحمية، دون إعطاء اهتمام كاف بقيمتها الأحيائية والبيئية.
وبينما يهدد الانقراض في المتوسط نحو 25% من أنواع المجموعات الحيوانية والنباتية، حيث يواجه نحو مليون نوع خطر الانقراض، يقول الدكتور معتز عبدالغني، أستاذ العلوم البيئية بجامعة المنوفية المصرية، إن الاتفاقية اهتمت بالشكل على حساب المضمون.
وسعت الاتفاقية إلى إقرار 23 هدفا عالميا، أبرزها ضمان وتمكين وحفظ وإدارة ما لا يقل عن 30% من المناطق البرية ومناطق المياه الداخلية والمناطق الساحلية والبحرية، لاسيما المناطق ذات الأهمية الخاصة للتنوع البيولوجي بشكل فعال بحلول 2030، ويُعرف ذلك بالهدف 30×30.
ويضيف عبدالغني لـ"العين الإخبارية" أن "الهدف في ظاهره براق وإيجابي، ولكن الشيطان كما يقولون يكمن في التفاصيل، وهو ما يظهر من اهتمام بعض الدول بزيادة حجم المناطق المحمية، على حساب بعض المناطق الأولى بالحماية".
وأبرز الأمثلة التي توضح الالتزام بالمعني الحرفي للنص على حساب المضمون الفعلي، قيام دولة أستراليا قبل 3 سنوات بتعيين مساحات واسعة من أراضيها الداخلية القاحلة النائية ضمن المناطق المحمية، بحيث أصبحت 50% من مساحة الأراضي الأسترالية محمية، وفي المقابل لا تزال تترك أكبر كنز للتنوع البيولوجي بها، وهو الحاجز المرجاني العظيم، في خطر شديد نتيجة التلوث والنقل البحري والتهديدات الأخرى.
ويشير عبدالغني إلى أنه "في حين أن الإجراءات التي اتخذتها أستراليا تضعها في مرتبة متقدمة جدا باتجاه تحقيق الهدف الدولي (30×30)، فإنها في المقابل لم تبد اهتماما بتلك المشكلة ذات الأولوية.
وعلى العكس من أستراليا، تعاملت دولة الإمارات العربية المتحدة مع هذا الهدف الدولي عن طريق الاهتمام بالمضمون، وليس الشكل، كما يرى الدكتور معتز عبدالغني.
ويوضح عبدالغني أن "برامج الحفاظ على النظم الإيكولوجية الساحلية والبحرية وإعادة تأهيلها التابعة لهيئة البيئة في أبوظبي، هي ترجمة حرفية للاهتمام بالمضمون، وتم الاعتراف دوليا بهذه البرامج في كوب 15، حيث اختارها برنامج الأمم المتحدة للبيئة من بين أفضل 10 مبادرات عالمية لاستعادة وإعادة تأهيل النظم البيئية البحرية الساحلية".
وعن الأولويات في الاختيار لتحقيق المغزى الحقيقي لهدف "30 ×30"، يقول الدكتور أيمن عاشور، أستاذ العلوم البيئية بجامعة عين شمس، إنه يجب اختيار المناطق المحمية الجديدة ليس لحجمها، وإنما لقيمتها البيئية.
والقيمة البيئية، كما يعرفها عاشور، تحكمها عدة معايير، منها عدد الأنواع التي تحتويها المنطقة المحمية، أو قد تكون المنطقة المحمية مهمة في الحفاظ على الروابط بين النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي وتعزيزها حتى تتمكن الحيوانات من القيام بهجراتها الموسمية.
ويضيف عاشور: "بعض هذه المناطق قد تكون ذات أهمية لا تتناسب مع حجمها، وبالتالي قد يؤدي الاهتمام بالشكل على حساب المضمون إلى تهميشها من قبل الحكومات، التي تهدف إلى تحقيق النسبة المئوية لهدف الحماية، بغض النظر عن حجم الفوائد التي يمكن أن تتحقق".
والمثال البارز على ما يذكره عاشور، هو أن دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تتسابق لإعلان مساحات شاسعة لحماية مناطق لا يستخدمها أحد، فيما تستبعد المناطق القابلة للاستفادة حقا من الحماية المكانية، مثل تلك القريبة من الشاطئ.
وعلى النقيض مما تقوم به هذه الدول، تبدو الإجراءات الإماراتية أكثر اهتماما بزيادة المناطق المحمية ذات الأهمية البيولوجية، كما يوضح عاشور.
ويقول: "نجحت الإمارات على سبيل المثال في زيادة عدد المحميات الطبيعية، من 19 محمية عام 2010 إلى 49 محمية برية وبحرية حاليا، بعد إضافة 5 مناطق جديدة عام 2020".
وتُوجت الجهود الإماراتية بحصولها لعدة سنوات على المرتبة الأولى عالميا في معيار المحميات الطبيعية البحرية في مؤشر الأداء البيئي EPI، وهو أحد أهم المؤشرات العالمية.
وأثمرت هذه الجهود عن تحقيق دولة الإمارات نجاحات بارزة في مجال المحافظة على الأنواع المهددة بالانقراض، وإكثارها وإطلاقها في بيئاتها الطبيعية في الإمارات والدول الأخرى.
ومن الملاحظات على اتفاقية التنوع البيولوجي أيضا، أنها لم تشر إلى دور السكان الأصليين في حماية التنوع البيولوجي، حيث تحتوي أراضيهم على نسبة مذهلة تبلغ 80% من التنوُّع البيولوجي في العالم.
وتقول مها المنشاوي، أستاذ العلوم البيئية بجامعة أسيوط جنوبي مصر: "بينما ينظر مسؤولو المناطق المحمية إلى السكان الأصليين كتهديد محتمل للتنوع البيولوجي، فإن التجربة العملية في أكثر من مكان بالعالم، تشير إلى أنهم الضمان لحماية التنوع البيولوجي.
aXA6IDMuMjEuMjQ3Ljc4IA== جزيرة ام اند امز