نجحت دولة الإمارات قيادة وشعبا وهيئات رسمية وخاصة ومنظمات مجتمع مدني بعد عامين من التخطيط والتحضير، في إضافة إنجاز عالمي جديد إلى سجل تاريخها السياسي والحضاري والإنساني، وهي تودع آخر مشارك في ختام أعمال الدورة الـ28 من «COP28» للعام 2023.
وتستعد دولة الإمارات الآن لنقل الأمانة التي تسلمتها من الجانب المصري عام 2022 إلى أذربيجان التي أبدت رغبتها في تنظيم الدورة المقبلة لعام 2024.
لم يكن سهلاً على المئات من وسائل الإعلام وخبراء المناخ رصد الحدث العالمي والتنقل بين قاعات وغرف اجتماعات المنطقة الزرقاء، التي استضافت الوفود الحكومية والرسمية، والمنطقة الخضراء التي استقبلت آلاف الحضور من القطاعات الخاصة ومنظمات المجتمع المدني، لنقل كل شاردة وواردة ورصد النقاشات والتوصيات والقرارات المتفق عليها أمام طاولات متعددة الأطراف وجداول أعمال متنوعة ولمدة أسبوعين تقريباً.
نحن لا نتحدث هنا عن تنظيم أكبر مؤتمر دولي للبحث عن حلول للتحديات المناخية فحسب، لكننا نتحدث عن استضافة عشرات الآلاف من كبار المسؤولين الرسميين والعاملين في مجال القطاع الخاص ومئات المنظمات الحكومية والمستقلة، والعشرات من حلقات النقاش الرسمي، وترتيب مئات الفعاليات العلمية والاجتماعية والقانونية في هذا المجال، والخروج بجملة من القرارات والتوصيات والخطط المتفق عليها والتي تنتظر التطبيق من خلال استراتيجية تحرك قصيرة ومتوسطة المدى.
صادقت دولة الإمارات على اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون في عام 1989، وانضمت إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 1995، ووقعت على اتفاق باريس للمناخ عام 2015، وأطلقت بالتعاون مع 39 دولة أخرى «مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ» وهي مبادرة عالمية تقودها دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية.
واستضافت دولة الإمارات -كذلك- في عام 2021، الحوار الإقليمي للتغير المناخي، واستثمرت في السنوات الأخيرة ما يقارب 17 مليار دولار أمريكي في مشاريع الطاقة النظيفة في 70 دولة مع التركيز بصورة خاصة على الدول النامية. وكانت لاعباً أساسياً في قمة المناخ الدولية على مستوى القادة في سبتمبر/أيلول 2023.
وتحتضن دولة الإمارات ثلاثاً من أكبر محطات الطاقة الشمسية وأكثرها كفاءة من حيث التكلفة في العالم. وكانت أول دولة في المنطقة تعلن عن هدفها الخاص بتحقيق الحياد المناخي في مدة أقصاها عام 2050، والسباقة إقليمياً في وضع ظاهرة التغير المناخي ضمن تهديدات الأمن القومي للدول.
من الطبيعي جداً بعد كل هذه الجهود والإنجازات والتجارب، أن تنجح في أعمال مؤتمر المناخ الدولي على طريق دعم برامج وأرقام زيادة حجم الاستثمارات والشركاء والابتكارات في مجال النظم الغذائية والزراعة الذكية مناخياً.
عشرات رؤساء الدول وقياداتها وخبراء قضايا المناخ والبيئة يلتقون في أكبر حشد عالمي لعام 2023 في دبي، لبحث التحديات التي يواجهها كوكب الأرض، وطرح آليات تسريع العمل على تنفيذ أهداف اتفاق باريس واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
البداية كانت ربما في إعلان دولة الإمارات عن رغبتها في الترشح لتنظيم مثل هذه الفعالية العالمية والترحيب الدولي بالطلب الإماراتي كخطوة تؤكد قدرات أبوظبي على إنجاز المهمة بنجاح، بسبب تجاربها وخبراتها والمؤهلات والطاقات التي تملكها في حقول العمل على استدامة المناخ.
ثم جاء قرار اختيار شخصية رفيعة مثل الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، رئيس مؤتمر الأطراف COP28)، لتولي رئاسة المؤتمر والإشراف على التحضير له نتيجة خبرة طويلة في مجال العمل الصديق للبيئة وحقل الموارد المتجددة في دولة الإمارات إلى جانب مهامه الحكومية، وهو يدرك تماماً حجم المهمة الموكلة إليه وأهميتها في إطار موقع ودور دولة الإمارات، وما يمكن أن تقدمه في دعم خطط ومشاريع الاستجابة العالمية لأزمة المناخ ومتطلباتها.
ما الذي تحقق في دبي في أعقاب 12 يوماً من الاجتماعات والنقاشات حول مستقبل أزمات الكون ومشاكله البيئية والمناخية؟
- إعلان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، عن إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، لسد فجوة التمويل المناخي ومساعدة البلدان النامية المعرَّضة بصفة خاصة لآثار التغير المناخي في تغطية تكاليف التكيُّف مع ارتدادات الأضرار.
- تبني قرار تنفيذ إنشاء «صندوق الخسائر والأضرار» المناخية للتعويض على الدول الأكثر تضرراً من التغير المناخي.
- توحيد جهود وخطط المثلث الأقوى والأهم في هذا المضمار، والذي يجمع المؤسسات والأجهزة الرسمية مع القطاع الخاص ومنظمات وهيئات المجتمع المدني، أمام خطط عملية لا بد من التوافق حولها واعتمادها لتلبية احتياجات مئات الملايين حيال أزمات اقتصادية وحياتية بعيداً عن المناكفات السياسية والأمنية.
- قرار تنفيذ إنشاء صندوق «الخسائر والأضرار» المناخية لتعويض الدول الأكثر تضررًا من تغيّر المناخ، باتجاه تخفيف التوترات المتعلقة بالتمويل بين دول الشمال والجنوب.
- تفعيل خطط وبرامج أولويات رئيسية لا بد منها كمسلمات لمكافحة تغير المناخ وارتدادات ذلك على البيئة، وفي مقدمتها، تقاسم الأعباء المالية في وضع نظم المواجهة وتحمل أعباء الخسائر والأضرار، وتبني أنظمة حديثة في الاستفادة من المواد الزراعية والمحاصيل والأراضي وحماية الغابات.
- إطلاق مشاريع تسريع انتقال الطاقة وخفض الانبعاثات وزيادة استثمارات الاعتماد على التقنيات منخفضة الكربون مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والتحول نحو الطاقة النظيفة.
- بحث المخاطر الناتجة عن الاضطرابات الجیوسیاسیة والتي تهدد الاستقرار والتوازنات الإقليمية والدولية القائمة. وطرح برامج وخطط عاجلة لا بد منها باتجاه تسريع عمليات الاستفادة من الطاقة المتجددة والمخاوف الكبيرة المتعلقة بضمان أمن الطاقة.
عند تقويم نتائج أعمال ما جرى لمدة 12 يوماً في دبي، نرى أن المؤتمر كان فرصة لا تعوض لدعم مشاريع وخطط التحول السريع نحو الاقتصاد الأخضر، والمزيد من التحرك العملي وترجمته عمليا وميدانيا في العمل المناخي والبيئي.
وصف العديد من الخبراء مؤتمر دبي بأنه الأهم بين الفعاليات الدولية في التعامل مع مشاكل المناخ والبيئة؛ لأنه تحول إلى فرصة لتقييم الإنجازات العالمية التي تحققت منذ مؤتمر باريس قبل 8 سنوات وحتى الآن، وإقرار خريطة الطريق المستقبلية بشقها الوطني والدولي.
هناك إجماع إقليمي ودولي أيضاً على نجاح دولة الإمارات في إنجاز مؤتمر عالمي بهذا الثقل سواء على المستوى التنظيمي واللوجستي، أو لناحية النتائج والمخرجات التي حققت الكثير لدول العالم الثالث وعلى المستوى المحلي والدولي، خصوصاً أنه يعقد وسط أجواء استثنائية إقليمية ودولية تستدعي الحراك السريع لوقف النزيف على أكثر من جبهة وفي أكثر من مكان. وهذا ما تحقق بفضل جهود دولة الإمارات أيضاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة