الإصابات في غالبية الدول العربية تكاد تكون محدودة وهي في معظمها مستوردة، أي وصلت من خلال أشخاص كانوا في بؤر هذا الفيروس
من حسن الحظ أن أيا من الدول العربية لم تتحوّل بعد إلى بؤرة لفيروس كورونا المستجد والذي كانت انطلاقته من الصين، ولكن من المؤسف أن أوروبا تحوّلت إلى بؤرة لهذا الفيروس المميت، وفق ما أعلنت منظمة الصحة العالمية قبل أيام.
وبينما يتراجع عدد المصابين بهذا الفيروس في الصين، يبدو انتشاره سريعاً وواسعاً في الدول الأوروبية وهناك ثلاثة بلدان تكاد تواجه أسوأ أزمة في تاريخها منذ عقود وهي بالتتالي إيطاليا ومن ثم إسبانيا وفرنسا رغم ارتفاع مستوى الطبابة وتقدّم مجال الرعاية الصحية فيها.
في المقابل تكاد الإصابات في غالبية الدول العربية تكون محدودة وهي في معظمها مستوردة، أي وصلت من خلال أشخاص كانوا في بؤر هذا الفيروس سواءً في الصين أو أوروبا وإيران وهذا الفارق الكبير بين العالم العربي وأوروبا من حيث الإصابات وعدد الوفيات يقودنا للتساؤل عن السبب وكيف حصل هذا التفاوت الكبير بينهما؟
وسارت دول أخرى على خطى السعودية والإمارات وهي الكويت والبحرين ومعظم الإصابات في هذين البلدين ليست محلّية أيضاً بل قادمة من الخارج ولم يعلن فيهما إلى الآن عن أي حالة وفاة نتيجة هذا الفيروس.
لنبدأ من العالم العربي وفي مقدمته المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، فكلا البلدين لجآ إلى اتخاذ إجراءاتٍ وقائية واحترازية كبيرة وسريعة بدأت بإغلاق الحرم المكي وعزل القادمين من دولٍ انتشر فيها الفيروس وفصلهم عن عائلاتهم وأقاربهم وانتهت بحظر الطيران الدولي وإغلاق المعابر البريّة، إلى جانب إغلاق المؤسسات التعليمية من مدارس ومعاهد وجامعات، إضافة إلى دور السينما والمقاهي والمطاعم. وكذلك تم منع التجمّعات والعمل عن بُعد وعزل العملات الورقية القادمة من خارج البلاد.
وساهمت هذه الإجراءات السريعة والتي تم اتخاذها على دفعةٍ واحدة بضبط بيئة الفيروس، بحيث بات انتشاره محلياً أمراً محدوداً لا سيما وأن معظم الحالات التي تم اكتشافها وعزلها في كلّ من السعودية والإمارات كانت من الخارج، فضلاً عن وجود إصاباتٍ ضئيلة لأشخاص اختلطوا بالمصابين القادمين من بؤر الفيروس.
وسارت دول أخرى على خطى السعودية والإمارات وهي الكويت والبحرين ومعظم الإصابات في هذين البلدين ليست محلّية أيضاً بل قادمة من الخارج ولم يعلن فيهما إلى الآن عن أي حالة وفاة نتيجة هذا الفيروس.
وبالتالي ساهمت تلك الإجراءات الصارمة والمفيدة بإنقاذ السكان من كارثة صحية، لكن ما الذي حصل في الغرب؟ في أوروبا؟
كانت بداية الفيروس في إيطاليا وكان سريع الانتشار لأن الإجراءات الاحترازية والوقائية التي اتخذتها الحكومة كانت بطيئة وضعيفة، ولم تستطع إلى الآن التحكم بحدودها مع دول الجوار كفرنسا وسويسرا وإسبانيا، الأمر الذي أدى إلى انتقال الفيروس وانتشاره في تلك الدول بشكلٍ كبير وبأعدادٍ هائلة.
واللافت أن فشل الحكومة الإيطالية في استيعاب الأزمة تكرر في إسبانيا أيضاً ورغم أن مدريد أعلنت حالة الطوارئ يوم أمس، فإنها لا تكفي وجزئية، حيث سمحت لكلّ من يعمل بالذهاب لعمله بشكل طبيعي وكذلك استمرت بعض رحلات الطيران إليها حتى وقتٍ متأخر ليلة أمس.
ومن المؤسف أن فرنسا تسير على خطى كلّ من إيطاليا وإسبانيا، فعدد الإصابات يرتفع فيها بشكلٍ سريع والإجراءات الوقائية إلى الآن خجولة وجاءت متأخرة إلى حدّ كبير وعلى سبيل المثال ستغلق باريس أبواب مدارسها ومعاهدها وجامعاتها اعتباراً من يوم غدّ الإثنين وكان الدوام مستمراً في هذه الدوائر حتى يوم الجمعة الماضي.
ومع أن التجمعات هي أكثر البيئات خصوبةً لانتشار كورونا، لكن باريس لم تلغ الانتخابات المحليّة التي تشهدها البلاد اليوم، الأمر الذي يمنح فرصة إضافية لتفشي هذا الفيروس على غرار ما حصل في إيران.
لذلك على الحكومات الأوروبية أن تشدد من إجراءاتها الاحترازية بسرعة وأن تحظو حظو تلك الدول العربية المذكورة أعلاه، فهذه الدول أنقذت أهلها وضيوفها، في حين أن الأوروبيين يسيرون على خطى قطر ويهددون حياة مواطنيهم والمقيمين في بلدانهم وهنا يكمن الفرق بين التعامل مع كورونا في الشرق وكورونا في الغرب والذي يتطلب منه التحرّك نحو إجراءاتٍ صارمة على الفور لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة