وباء كورونا عدو البشرية وعدو الكتب أيضا فالنتائج الأولية تشير إلى تأجيل نحو 14 معرضا للكتاب عبر العالم
وباء كورونا عدو البشرية وعدو الكتب أيضاً، فالنتائج الأولية تشير إلى تأجيل نحو 14 معرضا للكتاب عبر العالم، كان من المفترض أن تُقام خلال شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان، وذلك درءاً لانتشار هذا الوباء الخطير، ما أدى إلى انخفاض مبيعات الكتب بنسبة تتراوح بين 25 و50 في المائة في المكتبات. هذا ما أعلنته مؤخراً جمعية الناشرين الإيطالية، ومعظم دور النشر في العالم، وسارعت الحكومة الإيطالية وحكومات العالم إلى توفير الدعم الأساسي للكتاب، مثل خصم الضرائب عن شراء الكتب، وإجراءات طوارئ لصالح شراء الكتب المدرسية، وتعزيز صندوق الأسر المحتاجة.
تداعيات كبيرة توالت في هذا القطاع، لا يمكن التنبؤ بنتائجها الوخيمة حتى الآن، إذ لم تكن متوقعة؛ انخفاض الاستهلاك، والطلبات، والنسخ المطبوعة، وغير ذلك.
وربما يدفع وباء كورونا هذا القراء إلى اكتشاف مكتبات بيوتهم وأحيائهم ومدارسهم وجامعاتهم ومدينتهم التي تعاني من كساد واضح في عالمنا العربي بالذات، وربما تدفع هذه الظروف إلى إعادة النظر في الكتاب، كعنصر أساسي في اكتساب المعرفة، وجذوة العلم
وفي مقابل النقص في مبيعات الكتب، هناك انتعاش أفلام ومسلسلات معينة واشتراكات في قنوات ديزني ونتفليكس وغيرهما من منتجات الوسائط الإعلامية التي تدور حول الأوبئة والسيناريوهات الكارثية في العالم. ومن المعلوم أن وسائل الاتصالات والصناعات الترفيهية تُسهم اليوم في تعقيد موجة الذُّعر، منها ما أصدرته شركة نتفليكس من سلسلة وثائقية تحت عنوان "الجائحة" في أثناء التفشِّي الحالي لفيروس كورونا، تُظهر عمل الأبطال على الخطوط الأمامية للصراع ضده.
وتماشياً مع هذه الموجة، انتشرت مؤخراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقتطفات من رواية "عيون الظلام"، الأكثر مبيعاً للكاتب الأمركي دين كونتز، والتي نشرت قبل نحو أربعين عاما، وفيها إشارة غريبة إلى فيروس قاتل يُعرف باسم "ووهان 400"، وهو اسم المدينة الصينية التي نشأ فيها الفيروس لأول مرة، وتروي قصة أم تسعى لمعرفة ما إذا كان ابنها قد مات أو لا يزال على قيد الحياة، وتسرد أحداث انتشار فيروس غريب يعزل الناس عن بعضهم كما هو حاصل في الوقت الحاضر.
وقد ينسى الناس أو يتناسون أن العصور كلها كانت مليئة بالأوبئة والكوارث، وليس فيروس كورونا بالجديد أبداً، لذلك نرى لجوء القراء إلى قراءة الكتب والروايات التي تناولت الأوبئة والأمراض للتفاعل معها وربط الماضي بالحاضر، وربما تكون إيطاليا المثال الأكثر وضوحا؛ بسبب مخاوفها الإنسانية التي وصلت إلى حالة الذعر والهستيريا.
ففي أيام قليلة، أعاد هذا الوباء إلى الواجهة عددا من الأعمال الروائية الإبداعية التي تحدثت عن الأوبئة والأمراض، ورفعت من مبيعاتها رغم مرور سنوات على صدورها، مثل رواية "الطاعون" 1947 للروائي الفرنسي ألبير كامو، التي تناولت الطاعون الذي اجتاح مدينة وهران الجزائرية، وأودى بحياة عدد كبير من سكانها، فقد ازداد الطلب عليها بنسبة ثلاثة أضعاف، وقفزت إلى المركز 71 على بوابة المبيعات عبر الإنترنت.
وكذلك ارتفعت مبيعات رواية "العمى" 1995 للروائي البرتغالي خوسيه ساراماجو، بنسبة 180 بالمئة وقفزت إلى المركز 5 على موقع "أمازون"، وهي تتناول قصة وباء جماعي غير معروف يُصيب مدينة مجهولة، يؤدي إلى انهيار النظام الاجتماعي، ومحاولة الحكومة احتواء العدوى والحفاظ على النظام.
أما ما يخص العالم العربي، فالقراءة ليست الهواية المفضّلة لدى الأغلبية، إذ يعاني الكتاب العربي أصلاً من الكساد قبل انتشار كورونا، إلا أن الناشرين العرب، وفي استجابة منهم إلى التصدي لهذا الوباء، دعوا إلى ضرورة تفعيل دور المنصات الإلكترونية لطرح الكتب من خلالها عبر الإنترنت سواء الرقمي أو الورقي، خصوصا إمكانية وصولها إلى أماكن سكنهم دون الخروج لاقتنائها. وهذا من شأنه، أن يُركز عادات جديدة كانت مُهملة في السابق، مثل الشراء عبر الإنترنت، وقراءة الكتب الرقمية "بي دي إف"، و"آي بوك"، وغيرهما، وإذا ما تأصلت هذه العادة، فإنها ستؤثر على عمل المكتبات في المستقبل، رغم قلتها. ولهذا سيكون تأثير ذلك سلبياً على صناعة النشر الذي يعاني أصلاً من مشكلات عديدة.
مما لا شك فيه أن ذائقة القارئ تتحكم في اختياراته، وما يمكن استنتاجه من هذه التجربة الإنسانية أن وباء كورونا سيؤثر على عادات القراء بل ويحدثُ انقلاباً جذرياً فيها بعد انفتاحه على منصّات رقمية واسعة المجال في عرض الكتاب أو تسويقه.
والقراء الآن، يجدون نوعاً من المتعة الغريبة في متابعة انتشار هذا الوباء، لكنها تؤدي إلى تقوقع الفرد في عزلة خانقة، يصبح فيها فريسةً سهلة للخوف والذعر والحيرة. وبالنظر إلى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: لماذا يستمتع الناس بالخوف عبر الكتب والأفلام ومحتويات الوسائط الاجتماعية؟ فإن الإجابة عن ذلك تكون أن المخيلة والعوالم الافتراضية وحدها قادرة على استيعاب مخاوف البشرية. وهذا ما يلقي الضوء على الكتاب في حالة كساده في الظروف الحالية، وربما قد يكون عهد ازدهاره أيضاً.
ربما يدفع وباء كورونا هذا القراء إلى اكتشاف مكتبات بيوتهم وأحيائهم ومدارسهم وجامعاتهم ومدينتهم التي تعاني من كساد واضح في عالمنا العربي بالذات، وربما تدفع هذه الظروف إلى إعادة النظر في الكتاب، كعنصر أساسي في اكتساب المعرفة، وجذوة العلم، ويعيد إلينا قول الشاعر في وصف الكتاب: خير جليس في الزمان، يمكن قضاء الوقت الممتع معه بكل فائدة، ورّب ضارة نافعة كما قال العرب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة