مؤخرا تعالت الأصوات المحذرة من ارتفاع معدلات الجريمة الإلكترونية حول العالم بسبب الوباء، مع انعزال مليارات الأشخاص في منازلهم
بينما ينشغل العالم بمحاربة وباء كورونا يخطف ويعدم الدواعش ثمانية مدنيين من محافظة دير الزور في سوريا. قبل ذلك بساعات فقط يتعرض رتل عسكري أمريكي لهجوم داعشي جنوب الحسكة. وهذا بدوره جاء مباشرة بعد أيام قليلة من فرار عدد من الدواعش من سجن غويران شمال شرق سوريا.
الأرقام تقول إن الدواعش نفذوا أكثر من ثلاثمئة عملية في سوريا والعراق خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020. والمخاوف تزداد من أن يستغل الدواعش حالة الاضطراب التي يعيشها العالم تحت وطأة الوباء، كي يعيدوا إحياء تنظيمهم الإرهابي.
الخطر القادم من الدواعش ليس هو التجلي الوحيد للفوضى التي يثيرها كورونا حول العالم. هناك الكثير من المشكلات والأخطار التي جرها وسيجرها الوباء على البشرية. خاصة إن استمر لفترة طويلة وظلت تداعياته الاقتصادية والسياسية تلقي بظلالها على جميع الدول.
هناك تحديات أمنية واجتماعية ونفسية كثيرة بدأت تطفو على السطح. ولكن الجميع يتجاهلها بحجة أن الأولوية اليوم هي لمواجهة الفيروس. ربما يبقى هذا خياراً صحيحاً من الناحية العملية لفترة زمنية معينة، ولكن إن تفاقم الحال يصبح لزاماً على الدول القتال على جبهات عدة.
مؤخراً تعالت الأصوات المحذرة من ارتفاع معدلات الجريمة الإلكترونية حول العالم بسبب الوباء. مع انعزال مليارات الأشخاص في منازلهم وإغلاق حدود الدول وتوقف حركة النقل بكل أشكاله البرية والجوية والبحرية، تصعب السرقة التقليدية ويلجأ المجرمون إلى الحيل الإلكترونية.
مؤخراً تعالت الأصوات المحذرة من ارتفاع معدلات الجريمة الإلكترونية حول العالم بسبب الوباء. مع انعزال مليارات الأشخاص في منازلهم وإغلاق حدود الدول وتوقف حركة النقل بكل أشكاله البرية والجوية والبحرية، تصعب السرقة التقليدية ويلجأ المجرمون إلى الحيل الإلكترونية.
منظمة اليوروبول تقول إن اللصوص يستغلون خوف الناس من الجائحة وتوجههم للشراء عبر الإنترنت، ليقوموا بسرقتهم إما عبر بيعهم سلعاً مغشوشة، أو من خلال السطو على بطاقاتهم الائتمانية وأرصدتهم البنكية عبر عمليات احتيال تحت عناوين متعددة.
في الجرائم التقليدية أصبح خطر كورونا يتمثل بعدة جوانب، الأول هو أن العديد من الدول شرعت بإطلاق سراح المجرمين خوفاً من انتشار الوباء داخل السجون. لن يعيد أحد هؤلاء إلى معتقلاتهم بعد انتهاء المحنة، ولا ضمانات بأن يلتزموا بإجراءات العزل ويتوقفوا عن ارتكاب الجرائم حتى في ظل هذه الأوضاع.
أما الأمر الثاني فهو أن الجائحة لا تخشى قوات الأمن والشرطة، وقد أوقعت الكثير منهم بين قتيل ومصاب، بينما كانوا يقومون بواجبهم، سواء بحماية القانون أو بضمان التزام الناس بإجراءات العزل وحظر التجول، خوفا من تفشي وباء كورونا.
أمر آخر يتعلق بتداعيات كورونا على الأمن الداخلي للدول، يتمثل بارتفاع معدلات شراء الناس للأسلحة في بعض الأماكن. فهناك حالة من الخوف تتمدد لدى الأفراد يشعرون فيها بأن القادم من الوباء هو أسوأ بكثير، ويخشون من مستقبل يعجزون فيه عن تأمين مستلزمات وأساسيات العيش دون استخدام القوة، لذلك لا بد لهم من شراء الأسلحة وتخزينها في منازلهم.
حدث هذا علناً في الولايات المتحدة الأمريكية لأنها تسمح ببيع وشراء الناس للأسلحة النارية، وهو يحدث سراً في الدول التي تمنع ذلك، ولكن الأمن يعجز عن تطبيق القانون حالياً.
الخوف من تفشي الجريمة وتحول العالم إلى شريعة الغاب بسبب الوباء ينطوي على مبالغة كبيرة تفهم في سياق خوف الناس من الموت المجهول الذي يحاصرهم. ولكن ماذا عن خوف الدول، وكيف يمكن تفسير أو تبرير أو قبول سطو دول كبرى على شحنات من المستلزمات الطبية لمواجهة الوباء كانت متجهة إلى دول أخرى.
عندما تلجأ الدول إلى العربدة في تحصيل احتياجات شعبها، وإن كانت مستلزمات طبية يراد بها شفاء المرضى والمصابين بالوباء، فهذا يعني أن النظام الدولي بات في خطر، أو أن كل ضوابطه القانونية هي حبر على ورق.
تقابل الدول الأخبار التي تتحدث عن سرقتها شحنات طبية لدول أخرى بالتكذيب. قد يجدي هذا عندما تغيب القرائن. ولكن ماذا يحدث عندما تتجسد الدولة في مسؤول يعجز عن إدارة الأزمة بمؤسسته، أو موظف لم يعد بإمكانه أداء مهامه؟ ربما يكون الحل في الانتحار كما فعل توماس شيفر وزير المالية في ولاية هسن بألمانيا. المسؤول البالغ من العمر 54 عاماً، ترك خلفه رسالة لم يفصح عن تفاصيلها، ولكن رئيس حكومة الولاية قال إن الوزير شيفر كان قلقاً من كورونا ويخشى العجز من تلبية توقعات السكان في ظل الوباء.
إن كان الوباء قد أوصل وزيراً في دولة مثل ألمانيا إلى الانتحار، فربما يقود بشراً كثيرين إلى مثل هذا الخيار. أو يدفعهم إلى سلوكيات سلبية أخرى تعبر عن حالتهم النفسية المأزومة بسبب الجائحة. خاصة عندما يضطرون إلى البقاء لأيام طويلة في منازلهم، يعيشون خلالها تحت وطأة الملل أو الفقر أو الخوف مما هو قادم.
العنف المنزلي قد يكون من بين هذه السلوكيات البشعة التي يمارسها البشر. وقد حذرت الأمم المتحدة من تضاعف عدد حالات هذا العنف في بعض الدول، مثل لبنان وماليزيا، منذ أن بدأ العالم يعيش تحت رحمة جائحة كورونا.
هناك من يجد طريقة غير مؤذية أو حتى مفيدة، لتفريغ قهره من الوباء، بدلا من ممارسة العنف على أفراد أسرهم. ولكن الضغوطات التي تعيشها العائلات داخل الجدران المغلقة إذا ما استمرت لفترة طويلة، قد تفرز أزمات بعد انتهاء إجراءات العزل وحظر التجول. من بين النهايات غير السعيدة لهذه الإجراءات يأتي الطلاق. فالتقارير تتحدث عن مئات قضايا الطلاق التي رفعت أمام المحاكم في الصين بمجرد فتح أبواب البيوت بعد انتهاء الحجر المنزلي. وتقارير أخرى تفضح تصاعد نسب هذه الظاهرة في دول عربية عدة بسبب الحجر أيضاً.
قائمة المشاكل الاجتماعية والنفسية التي أفرزها ويفرزها الوباء طويلة، وهي لا تقل خطورة عن التداعيات الأمنية والاقتصادية والسياسية لكورونا. قد تفلح إجراءات ونصائح ومبادرات حكومية أو فردية في احتواء بعضها اليوم. ولكن العمل الجاد على تخليص المجتمعات من براثن الفيروس وآثاره على البشر قبل الحجر، لن تبدأ قبل أن تنتهي فوضى الوباء تماماً، ويهدأ غبار الجائحة الذي أعمى البصيرة وأبكم النفوس وأثقل كاهل العقول بالهواجس والأوهام والخزعبلات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة