إجراءات مصرية لرد اعتبار "شهداء" كورونا
النائب العام المصري يقرر فتح تحقيق موسع في الوقائع التي رصدها الإعلام، فضلا عن إلقاء القبض على 23 شخصا من مثيري الشغب بالقرية
"مذنب".. هكذا يتعامل البعض مع مصابي فيروس كورونا "كوفيد-19"، الذي اجتاح العالم كله مطلع العام الجاري، بل إن الذنب لا يلاحق المصاب فقط، لكنه يطال أسرته وجيرانه ويصل إلى الأطقم الطبية التي تواجه الفيروس لحماية البشرية.
مشاهد متعددة تكررت خلال الأيام القليلة الماضية في مصر، جسدت اللعنة التي تلاحق مصابي وأسر المتوفين بكورونا "كوفيد-19"، إلى حد دفع الدولة للتدخل.
بالأمس القريب، توجهت عربة إسعاف إلى قرية "شبرا البهو"، إحدى قرى الدقهلية (وسط دلتا مصر)، تقل جثمان أحد ضحايا الفيروس الفتاك، وكانت لطبيبة تدعى "سونيا"، وما إن وصلت السيارة للقرية استعدادا لدفن جثمان الراحلة في مقابر زوجها، إلا وكانت المفاجأة في انتظار ذويها.
عشرات من الأهالي تجمهروا حول العربة في محاولة لدفع سائقها إلى التراجع: "عد من حيث أتيت". بالنسبة لهم هي عربة تحمل "عدوى" قد تتفشى بينهم، وانتهى المشهد الأول بنجاحهم في إيقاف السيارة، كأن الضحية أذنبت عندما انتقل إليها المرض.
الدولة تتدخل بإجراءات حاسمة
تدخلت الشرطة مع بداية المشهد الثاني، وحالت دون تجمهر الأهالي الذين اعترضوا السيارة لأكثر من 3 ساعات، قبل أن يفسحوا الطريق للسيارة المعقمة طبقا للبروتوكول العالمي، ودفن الجثة في مقابر الزوج طبقا للبروتوكول نفسه.
الأمر لم ينته عند هذا الحد، فقد فتح النائب العام المصري تحقيقا في الواقعة، وقال في بيان صحفي، السبت، إن النيابة العامة "ستعلن تفاصيل الواقعة في بيان لاحق بمجرد انتهاء التحقيقات"، فضلا عن إلقاء القبض على 23 شخصا من مثيري الشغب بالقرية، الذين حرضوا الأهالى على التجمهر ومحاولة منع دفن الطبيبة المتوفاه (64 عاما).
استفزت الواقعة المؤسسات الدينية، وعلق فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، عليها عبر صفحته على موقع "فيسبوك" قائلا: "مشهد بعيد كل البعد عن الأخلاق والإنسانية والدين، فمن الخطورة بمكان أن تضيع الإنسانية وتطغى الأنانية، فيجوع المرء وجاره شبعان، ويموت ولا يجد من يدفنه".
وتابع: "إنسانيتنا توجب على الجميع الالتزام بالتضامن الإنساني، برفع الوصمة عن المرض وكفالة المتضررين وإكرام من ماتوا بسرعة دفنهم والدعاء لهم".
من جانبه، قال مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام: "لا يجوز اتباع الأساليب الغوغائية من الاعتراض على دفن شهداء فيروس كورونا التي لا تمت إلى ديننا ولا إلى قيمنا ولا إلى أخلاقنا بأدنى صلة".
وأضاف: "إذا كان المتوفى قد لقي ربه متأثرا بفيروس كورونا فهو في حكم الشهيد عند الله تعالى لما وجد من ألم وتعب ومعاناة حتى لقي الله تعالى صابرا محتسبا، فإذا كان المتوفى من الأطباء المرابطين الذي يواجهون الموت في كل لحظة ويضحون براحتهم بل بأرواحهم من أجل سلامة ونجاة غيرهم، فالامتنان والاحترام والتوقير في حقهم واجب والمسارعة بالتكريم لهم أوجب".
ولتوضيح الصورة وقطع الطريق على الشائعات التي جالت العالم، أصدرت منظمة الصحة العالمية بيانا، أوضحت فيه أن جثة المتوفى بـ"كورونا" لم يثبت أنها معدية، وأن جثامين المتوفين بإيبولا أو الكوليرا هم فقط من يعتبرون مصدرا للعدوى.
تكرار المشهد السابق دفع وزارة الصحة المصرية لأن تعلن رسميا، الأحد، إجراءات التعامل مع حالات الوفاة بفيروس كورونا المستجد، موضحة أن "الجثامين لا تنقل العدوى حال تطبيق كل الإجراءات الوقائية"، وأنها الجهة المسؤولة عن غسل وتكفين الموتى، وأن قطاع الطب الوقائي بالمحافظات يشرف على عملية الدفن.
ليست الواقعة الأولى
الواقعة لم تكن الأولى من نوعها، فقبل 5 أيام شهدت قرية "بولس" التابعة لمركز كفر الدوار بمحافظة البحيرة (شمال) حادثا مشابها، بعد وفاة أولى ضحايا القرية بالفيروس القاتل.
حالة من الشد والجذب بين الأهالى استمرت لأكثر من 4 ساعات متواصلة، وانقسم أهل القرية إلى فريقين؛ الأول يعترض على دفنه في المقابر خوفا من نقل العدوى بينهم، مقابل فريق يرى أن "إكرام الميت دفنه".
تطور الأمر ووصل إلى مشادة بين أسرة المتوفى وأهالي القرية، تبادل خلالها الطرفان إلقاء الطوب والحجارة، إلى أن تدخلت الشرطة ونجحت في تمكين أسرة المتوفى من دفن الجثمان.
"شباس" تصحح الصورة
في مشهد آخر لكن في قرية أخرى، قرر أهالي قرية "شباس عمير" بمحافظة كفر الشيخ (شمال) إيصال رسالة واضحة إلى الجميع، من خلال جنازة شعبية مهيبة ودع خلالها أبناء القرية سيدة من أهل البلدة متوفاة بفيروس كورونا.
ومع وصول الجثمان إلى القرية في عربة الإسعاف، اصطف الأهالي متباعدين منفذين كل تعليمات إدارة الطب الوقائي في مديرية الصحة بكفر الشيخ، وكان أطباء القرية حلقة الوصل بين مسؤولي وزارة الصحة المصرية وأهالي البلدة، وأشرفوا بأنفسهم على تشييع الجثمان.
الكل يرتدي الكمامات والقفازات التي وزعها مالك إحدى الصيدليات مجانا على مشيعي الجثمان، وعلت أصوات الدعوات بالرحمة والمغفرة للمتوفاة، التي دفنها 4 أشخاص من أهلها في مقابر الأسرة، بعد تنفيذ كل الإجراءات الاحترازية التي أقرتها إدارة الطب الوقائي بوزارة الصحة المصرية، لترسم مصر صورتها الحقيقية.