هدوء كورونا يسكت الشوارع ويقتل المدن
منذ انتشار فيروس كورونا المستجد واجراءات العزل المتفاوتة الصرامة من بلد إلى آخر، حل في بعض المدن الفراغ والعزلة بدرجات مختلفة
بينما يعيش نصف البشرية في الحجر، رصد مصورو وكالة الصحافة الفرنسية، الأربعاء عند الساعة الرابعة من بعد الظهر في 16 مدينة عبر العالم من ساحة نافونا في روما إلى ميدان التحرير في بغداد، حيث سجلوا نظرة قلقة متأثرة ومستغربة في أعين المارة القلائل إزاء الفراغ والعزلة.
كورونا وشم النسيم.. مصر تحتفل في الحجر الصحي
في العادة تكون ساحة نافونا في روما "مكتظة بالسياح والفنانين وتصدح في أرجائها الموسيقى"، وعلى شاطئ أربوادور قرب ريو دي جانيرو ثمة أشياء كثيرة يمكن رؤيتها من الهيبيز الذين يبيعون الأشغال اليدوية إلى راكبي الأمواج، وعند بوابة براندنبورج تنتشر عادة مجموعات كبيرة من السياح فيما يشهد حي أيكويي في لاجوس نشاطا صاخبا.
لكن منذ انتشار فيروس كورونا المستجد وإجراءات العزل المتفاوتة الصرامة من بلد إلى آخر، حل في هذه المدن وأخرى مثل طوكيو والقدس وبنما وهوليوود، وبدرجات مختلفة الفراغ والعزلة، حاملين عواطف ومشاعر متنوعة.
ويقول فيلسوف العلوم الفرنسي في المفوضية الفرنسية للطاقة الذرية، إيتيان كلاين: "رؤية هذه الأماكن فارغة يغير وجهتنا الرئيسية، فالعزل يؤدي إلى ملازمة كل فرد منزله لكن ما من أحد يعرف أي يسكن الآن".
ويؤكد الفيلسوف الفرنسي، صاحب كتاب حول الفراغ، أن انطباع الفراغ له "أثر تغييري كامل، هذه الأماكن لا تزال هي نفسها لكن لم نعد نتعرف عليها فالحضور البشري جزء منها وعندما تفرغ يخلف ذلك انطباعا بأنها منقوصة فطبيعتها الفعلية تحوينا نحن البشر".
ويدفع الشعور بالفراغ البعض إلى الضياع مثل الإيطالية مارتا ريتزانو وهي دليلة سياحية في ساحة نافونا، وتوضح: "أنا أعيش المدينة يوميا وأنا مشتاقة إليها لأنني غير قادرة على إظهارها للآخرين والتحدث عنها والمشي في شوارعها وساحاتها، هو أمر محزن فعلا".
أما آخرون فقد فقدوا الألفة مع المكان، على غرار البرازيلي دييجو رييس دي أجيار (31 عاما) المعتاد على ركوب الأمواج في شاطئ أربوادور الذي يقول: "المكان مقفر وهذا أمر صعب ويغير تماما صورة الشاطئ".
وأحيانا ينبغي الاستمرار بالعيش، ففي لاجوس يستمر البائع المتجول النيجيري سولومون إيكيلو (27 عاما) بالتسكع في حي إيكويي لأنه جائع، ويؤكد: "الأمر ليس سهلا بالنسبة إلينا نحن العاملين في الشارع، ليس لدينا منازل أو مكان نعمل فيه أو ننام فيه حتى".
وتقول الألمانية بيتينا كولز وهي خبيرة في تقويم العظام، وتقف عند بوابة براندنبورج في برلين: "ليس لدي أي زبائن"، وفي حي الحانات والمتاجر في شينجوكي في طوكيو وأمام عدد الزبائن القليل جدا، يعرب الساقي الياباني شوما ناكادا (23 عاما) عن قلقه: "لقد أرجئت الألعاب الأولمبية فيما كنا نظن أن البلاد ستنتعش من جديد".
أخذ الوقت
ولكن الفراغ يسمح أيضا باكتشاف المدينة بنظرة مختلفة، حيث تقول مارتا ريتزانو في ساحة نافونا: "أرى للمرة الأولى العشب بين أحجار الساحة، هذا أمر لا يصدق كما لو أن الطبيعة تستملك هذه النصب والمعالم وتنتشر العصافير ولم يسبق لي أن رأيت هذا العدد من العصافير والطيور في روما".ويقول إتيان كلاين إن هذه "الأماكن ليس فارغة بل أفرغت، نقول إنها فارغة لأنها تبدو كأنها خارجة من غرضها الأساسي لكنها في الواقع هي مليئة بأشياء أخرى لا نراها كثيرا عندما تكون مليئة".
ويوفر الحجر شيئا آخر هو الوقت على ما يقول الطالب الكوري الجنوبي مون بيونج سيول (28 عاما) الذي يرى في ذلك أثرا إيجابيا.
ويوضح خلال وجوده في ساحة جوانجوامون قرب سيول: "كان من المفيد البقاء في المنزل فقد تعلمت أن أطبخ بطريقة أفضل وكان لدي متسع من الوقت لأفكر في نفسي وفي مستقبلي".
ويلخص الفرنسي فابريس كيبور (56 عاما) وهو فني إضاءة خلال نزهة في مونمارتر في باريس: "وضعنا أشبه بوجودنا على منصة في وسط البحر خلال إعصار، أي أن هنا كل شيء هادئ والوقت يمتد على طريقة بروست ونبدأ التأمل ونأخذ وقتنا في التنزه فيما كل شيء حولي وحولنا فوضى".
ويؤكد الفيلسوف الفرنسي أن "الحجر يسمح بالتفكير في المدى الطويل، فربما زحمة الحاضر تمنعنا عادة من التفكير بالمستقبل إلا أن الحجر يسمح لنا باستبعاد الوقت وأن نحيد داخليا".
بالنسبة إلى البعض لم يأت الوضع المستجد بأي جديد، ففي سرمين في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا يقارن السوري معاوية آغا الموظف في مستشفى (33 عاما) العالم المحجور جراء الوباء بالمناطق السورية التي تتعرض للقصف من قبل قوات الحكومة السورية.
ويوضح: "الحجر الصحي في الدول الأخرى نحن عشناه خلال أيام كان يتخللها قصف كثير عندما كانت القوات السورية بعيدة عن مناطقنا، عشناه تحت الأرض، عشناه في بيوت آمنة نسبيا ولا تسقط فوق أصحابها، بقينا أياما وأسابيع لا نرى عائلاتنا وأصدقاءنا فهم في مكان ونحن في مكان آخر في ملاجئ تحت الأرض".