صدمة كورونا الاقتصادية.. المخاطر تتجاوز الأزمة المالية في 2008
فيروس كورونا أعاد للأذهان ذكريات الأزمة المالية العالمية في 2008، ما دفع البعض للمقارنة بينهما، ولكنه تشابه خادع بين الأزمتين
تتجه حركة نمو الاقتصاد العالمي إلى التباطؤ لأسباب عدة، كان أبرزها تداعيات الحرب التجارية بين أمريكا والصين.
لكن الأمر تطور بشكل مفاجئ، وظهر بطل جديد على الساحة، وهو تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي سرعان ما أصبح وباء وضرب الاقتصاد العالمي في مقتل حتى نزف مليارات الدولارات من الخسائر قدرها بنك التنمية الآسيوي بـ347 مليار دولار.
وتُذكّر التداعيات الحادة لوباء كورونا المستجد على النمو والأسواق بأزمة عام 2008 الاقتصادية التي أغرقت العالم في "ركود كبير"، لكن التشابه بينهما خادع.
أسباب انفجار الأزمة
انفجرت أزمة 2008-2009 لأسباب مالية أبرزها الانهيار المفاجئ لمنظومة التمويل العقاري.
وهي قروض عقارية قدمتها البنوك الأمريكية دون ضمانات كافية ما تسبب في انهيار قرابة 19 بنكا، على رأسها أعرق بنك أمريكي الذي أعلن إفلاسه وهو "ليمان براذرز".
أما الأزمة الحالية فهي متولدة عن صدمة خارجية تمسّ الاقتصاد الحقيقي وتتوسع تدريجيا مع انغلاق الدول.
أثّر إيقاف المصانع في الصين على العرض مع تعطل وصول الإمدادات، لكن الأزمة طالت الطلب أيضا مع اضطرار المستهلكين للبقاء في بيوتهم وإلغاء أو تأجيل تنقلاتهم وشراءاتهم.
مركز أزمة "القروض العقارية الثانوية" هو الولايات المتحدة، أول اقتصاد في العالم، أما أزمة فيروس كورونا المستجد فولدت في الصين وأظهرت الثقل الذي اكتسبه ثاني الاقتصادات العالمية.
الدعم والمساندة
عقب إفلاس بنك "ليمان براذرز"، تواصلت الولايات المتحدة بحلفائها، إذ أدت الأزمة إلى ولادة مجموعة العشرين بشكلها الحالي، وهي تشمل أبرز القوى الصاعدة.
تغيّر المشهد السياسي العالمي منذ ذلك الحين، بعدما أطلقت الولايات المتحدة حروبا تجارية في جميع الاتجاهات.
ويقول الخبير الاقتصادي في مجموعة "أليانز" لودوفيك سوبران "نعيش حالة تشظي سياسي نشأت قبل الصدمة، ومن الصعب أن يجلس مجمل قادة العالم إلى طاولة الحوار".
وينتظر عقد قمة استثنائية لمجموعة السبع الإثنين عبر الفيديو يمكن أن تفضي إلى تنسيق أكبر، لا سيما مع تضرر الولايات المتحدة.
البنوك المركزية مقيدة
عام 2008، نسّقت البنوك المركزية الأساسية جهودها لخفض نسب الفائدة وضخ السيولة. ولعبت كذلك دورا محددا في الخروج من الأزمة عبر شراء الديون العامة والخاصة.
وبعد 12 عاما، لم تعد البنوك المركزية تحظى بنفس هامش المناورة في مواجهة أزمة لم تكن، في أصلها، بنكية أو مالية. وفي حين خفّض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والمصرفان المركزيان في كندا وبريطانيا نسب الفائدة، لم يتحرك البنك المركزي الأوروبي حتى الساعة ونسب فائدته منخفضة أصلا.
يقول الخبير الاقتصادي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لورونس بوون "شهدنا في 2008-2009 الانفجار العظيم للبنوك المركزية"، مضيفا "نحتاج انفجارا عظيما مماثلا، لكن من ناحية الموازنة هذه المرة".
انتعاشة مشابهة
في الأشهر التي تلت أزمة 2008، أنفقت الدول أموالا كثيرة حينها، تجاوز عجز الموازنة في فرنسا 7%، وأممت الولايات المتحدة شركة السيارات العملاقة "جنرال موتورز" لتجنيبها الإفلاس، لكن انطلاقا من عام 2010، بدأت أوروبا تطبيق إجراءات تقشّف صارمة.
وفي حالة فيروس كورونا، توالت الإعلانات لامتصاص الصدمة عام 2020، وتعهدت ألمانيا التي تظهر عادة التزاما في ما يخص الموازنة، بأن تدعم تمويل الاقتصاد الحقيقي "بلا قيود". وستتوجب مراقبة إن كانت هذه التدابير العاجلة ستسفر عن سياسات إنعاش على المدى الطويل.
عولمة جديدة
منذ 2008، غيّرت العولمة ملامحها، وتمكنت الدول الصاعدة التي لطالما دفعت نموّ الاقتصاد، كما تلاحظ الخبيرة الاقتصادية في "كابيتال ايكونومكس" فيكي ريدوورد. وتقول: "صارت الثروة الفردية في الصين أهم عشر مرات وارتفعت التكاليف عما كانت عليه قبل عشرين عاما".
في مواجهة الحرب التجارية، أو لأسباب أمنية، مالية أو حتى بيئية، بدأت الشركات التي نقلت نشاطها في التفكير بوضع سلاسل إنتاج أقصر وأكثر بساطة.
ويرى الخبير الاقتصادي السابق في صندوق النقد الدولي أوليفييه بلونشار في حوار مع جريدة لكسبراس أن "أزمة فيروس كورونا هذه ليست إلا عنصرا إضافيا لتفسير انعطافة العولمة التي قد نشهدها".