كورونا والشيخ الشعراوي وعلامات نهاية العالم
الشيخ العلامة محمد متولي الشعراوي تطرق كثيرا خلال أحاديثه ودروسه الدينية لتفسير القرآن إلى ما يصيب البشر من أمراض.
أصاب فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض "كوفيد -19" الإنسان بصدمة كبيرة، إذ كان يعتقد أنه أصبح مسيطرا على كل الأمراض الدنيوية إلى حد كبير، حتى أمراض السرطان التي لم يتم التحكم فيها بشكل كامل، أصبح لها بعض العلاجات التي تؤخر إعلان النهاية لبعض الحالات، كما يمكن السيطرة عليه إلى حد كبير حال اكتشافه في وقت مبكر.
الشيخ العلامة محمد متولي الشعراوي، والدكتور الجليل مصطفى محمود كان لهما الكثير من الأحاديث عن أمراض العصر، فالأول تطرق كثيرا إلى ما يصيب البشر من أمراض خلال أحاديثه الدينية لتفسير القرآن الكريم، والثاني تحدث عن قوة الفيروس رغم حجمه الضئيل الذي لا يرى بالعين المجردة.
ومع صعوبة التوصل لعلاج لفيروس كورنا قبل عام أو أكثر من الآن، ذهب كثير من الناس إلى أن هذا الفيروس الصغير الضعيف ظهر ليقضي على البشرية ويعلن نهاية العالم، لكن الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي يوافق، الأربعاء، الذكرى الـ22 لوفاته كان له الكثير من التفاسير حول نهاية العالم، وأفرد لها وقتا طويلا في أحاديثه التلفزيونية وتحدث عنها كثيرا في مؤلفاته التي وصل مجموعها إلى 128، لعل أهمها كتاب "نهاية العالم"، والذي صدر عام 1990.
وفيروسات كورونا هي زمرة واسعة من الفيروسات تشمل فيروسات يمكن أن تتسبب في مجموعة من الاعتلالات في البشر، تتراوح ما بين نزلة البرد العادية وبين المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة، كما أن الفيروسات من هذه الزمرة تتسبب في عدد من الأمراض الحيوانية.
يقول الشيخ الشعراوي في الفصل السادس من كتاب "نهاية العالم": "لقد استطاع الإنسان أن يضفي على الأرض زينة وزخرفا لم تعرفها العصور السابقة من قبل، وكل يوم يأتي العلم جديدا يزيد من رفاهية الإنسان، لكن: هل أضاف الإنسان شيئا من أساسيات الحياة وضرورياتها".
وأساسيات الحياة وضرورياتها التي كان يقصدها الشيخ الشعراوي، المولود في 15 أبريل عام 1911 بقرية "دقادوس" مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية شمالي مصر، هي الماء والهواء والطعام، لأن الله سبحانه وتعالى وفر للإنسان مقومات حياته، لذلك أوجد سبحانه الماء الذى يشرب منه، والثمار التى يأكلها لتحفظ حياته، والهواء الذى يتنفسه والأرض التى يسكنها، وهي أساسيات وجدها الإنسان من أول الخلق على الأرض دون أن يبذل جهداً فيه.
وفيروس كورونا المستجد المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية هي سلالة خاصة من فيروس كورونا لم يتم رصدها من قبل في البشر، والمعلومات المتاحة عن أسلوبها وأثرها المحدد محدودة حتى الآن نظرا لاستمرارية التجارب في عدد من مختبرات الدول الكبرى.
نبوغ الشعراوي منذ صغره هو ما يدفع إلى الاهتمام بما كتبه أو تحدث به، خاصة مع تعليمه الأزهري الممتد من معهد الزقازيق الابتدائي، ثم المعهد الثانوي الأزهري، حتى أتم دراسته الجامعية في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر عام 1940.
يضيف الشعراوي في كتابه "نهاية العالم": "يجب أن ندرك جيدا أن الإنسان ليس أصيلا في الكون وأنه يعيش فترة محدودة ثم تنتهي حياته، والإنسان لا علاقة له بعمر الدنيا، ذلك أن الدنيا قد يكون عمرها ملايين السنين وهذا لا يشغل الإنسان في شيء، لكن ما يشغلنا هي فترة حياة كل منا على هذه الأرض والتي لا تزيد عن مائة سنة أو أكثر قليلا".
إجادة الشعراوي لتفسير القرآن والأحاديث جاءت من قراءة كتب التفاسير والأحاديث منذ صغره، خاصة تلك الكتب التي زودها بها والده بعد إنهاء دراسته الثانوية، واهتمامه في المرحلة الجامعة بالشعر والأدب، جلعه يحظي بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيسًا لاتحاد الطلبة، ورئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق في سن صغير.
والزخرفة التي أضافها الإنسان للدنيا يقصد بها الشعراوي ما فعله الإنسان بعقله المخلوق من الله في الكون المخلوق أيضا من الله ليضيف ترفا إلى نفسه، وبذلك يقصد الشيخ أن أصل حياة الرفاهية تعود إلى عمل عقل الإنسان الذي خلقه الله سبحانه وتعالى.
يستكمل الشعراوي حديثه عن نهاية العالم بقوله: "إن ثبات الكون يعطينا شرورا وهميا بشيئين؛ الشر الأول أن هذا الكون ليس له نهاية، ومهما قال الناس عن نهاية الكون نجد أن كل من يعيش معتقدا أنه لا يزال هناك ملايين السنين حتى ينتهي الكون وهذا مجرد وهم بالطبع".
ويتحدث الشعراوي عن الوهم الثاني قائلا: "هو أن الأشياء التي تخدمنا في الكون تعطينا لذاتنا، وهو أيضا وهم، لأنها في الحقيقة تعطينا لقدرة الله سبحانه، وكل شيء في هذا الكون خاضع لقدرة خالقه ولا يحدث شيئا في كون الله يخرج عن مراد الله الفعلي، ولا يستطيع الإنسان إلا أن يزين الأرض بما أوضعه الله فيه من قدرات وكل ما على الأرض هو زينة مصداقا لقوله تعالى (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) صدق الله العظيم، سورة الكهف.
وفيروس كورونا المستجد هي جائحة عالمية مستمرة حاليا وتسبب مرض "كوفيد-19"، تفشى للمرة الأولى في مدينة ووهان الصينية في أوائل شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2019، ثم أعلنت منظمة الصحة العالمية رسميًا في 30 يناير/كانون الثاني أن تفشي الفيروس يشكل حالة طوارئ صحية عامة تبعث على القلق الدولي، وأكدت تحوله إلى جائحة يوم 11 مارس/آذار 2020.
تزوج محمد متولي الشعراوي وهو في الثانوية بناءً على رغبة والده الذي اختار له زوجته، ووافق الشيخ على اختياره، لينجب ثلاثة أولاد وبنتين: سامي وعبد الرحيم وأحمد، والبنتان فاطمة وصالحة، وكان الشعراوي يرى أن أول عوامل نجاح الزواج هو الاختيار والقبول من الطرفين والمحبة بينهما.
يقول الشعراوي في كتابه نهاية العالم: "كل ما على الأرض إنما هو زينة للأرض نفسها وأنت تستمتع بزينة الأرض ما دمت عليها، فإذا انتهى عمرك انتهى تمتعك بزينة الأرض، تذهب أنت لكن ما على الأرض يبقى زينة لها، ويوم يأتي أمر الله وينتهي هذا العالم يصبح ما على الأض من زينة حطاما وينتهي كل شيء".
منذ تفشي فيروس كورونا المستجد تم الإبلاغ عن أكثر من 8 ملايين إصابةً في أكثر من 188 دولةً ومنطقةً تتضمن أكثر من 437.000 حالة وفاة، بالإضافة إلى تعافي أكثر من 3.88 مليون مصاب.
بعد تخرجه عين الشعراوي في المعهد الديني بطنطا، ثم انتقل بعد ذلك إلى المعهد الديني بالزقازيق ثم المعهد الديني بالإسكندرية وبعد فترة خبرة طويلة انتقل الشيخ الشعراوي إلى العمل في السعودية عام 1950 ليعمل أستاذاً للشريعة في جامعة أم القرى.
اضطر الشيخ الشعراوي أن يدرِّس مادة العقائد رغم تخصصه أصلاً في اللغة وهذا في حد ذاته يشكل صعوبة كبيرة إلا أنه استطاع أن يثبت تفوقه في تدريس هذه المادة لدرجة كبيرة لاقت استحسان وتقدير الجميع.
يربط الشعراوي بين غرور الإنسان وبين قدرة الله على إعادة تذكرته دائما بالنهاية، إذ يقول في كتابه: "حين يجد الله سبحانه وتعالى أن الانسان اغتر بنفسه وترك منهج السماء رغم ما أعطاه الله سبحانه وتعالى تكون مهمة الحياة الدنيا انتهت ثم يطلع الله سبحانه وتعالى الإنسان على الحقيقة وكأنه يقول له لقد غرتك نفسك وابتعدت عن المنهج واعتقدت أنك تسير الكون بذاتك ولذلك سأطلعك على الحقيقة ومن هنا يجب أن تتبه للآية: (وظن أهلها أنهم قادرون عليها) سورة يونس".
علم الشعراوي لم يأت من فراغ، فقد أهلته المناصب والمهام التي أسندت إليه إلى التبحر في العلوم الدينية، خاصة عندما عين بعد عودته من السعودية مديراً لمكتب شيخ الأزهر الشريف الشيخ حسن مأمون، وحينها سافر إلى الجزائر رئيساً لبعثة الأزهر ومكث هناك حوالي 7 سنوات قضاها في التدريس، وحين عاد إلى القاهرة عين مديراً لأوقاف محافظة الغربية فترة، ثم وكيلاً للدعوة والفكر، ثم وكيلاً للأزهر ثم عاد ثانية إلى السعودية، حيث قام بالتدريس في جامعة الملك عبد العزيز.
وتتضمن الأعراض الشائعة لمرض "كوفيد -19"، الحمى والسعال وضيق النفس، أما الآلام العضلية وألم الحلق فليست أعراضًا شائعة، في حين تسلك معظم الإصابات مسارًا حميدًا قليل الأعراض قد يتطور بعضها إلى أشكال أكثر خطورة مثل ذات الرئة الشديدة والاختلال العضوي المتعدد.
في نوفمبر/تشرين الأول 1976 اختار ممدوح سالم رئيس الوزراء المصري آنذاك أعضاء وزارته، وأسند إلى الشيخ الشعراوي وزارة الأوقاف وشؤون الأزهر، فظل الشعراوي في الوزارة حتى أكتوبر/تشرين الأول عام 1978.
وتُقدر نسبة عدد الوفيات بمرض "كوفيد -19" إلى عدد الإصابات المشخصة بنحو 3.4% لكنها تختلف تبعًا للعمر ووجود أمراض أخرى.
بعد استقالة الشعراوي من الوزارة، عاد إلى تقديم الدروس في المساجد لتفسير القرآن الكريم، وتميز وسط علماء الدين الإسلامي والعامة بدروسه، ومع نبوغه خصصت له الدولة المصرية برنامج "نور على نور" لإذاعة خواطره لسنوات طويلة على التايفزيون، وتدريجيا أصبحت دروسه يوم الجمعة من كل أسبوع جزءا أساسيا من حياة المصريين.
حرص الشيخ الشعراوي على نقل خبرته العلمية إلى كتب ومؤلفات عديدة مثل "المنتخب في تفسير القرآن الكريم" و"نظرات في القرآن الكريم" و"على مائدة الفكر الإسلامي" و"الإسلام والفكر المعاصر" و"مئة سؤال وجواب في الفقه الإسلامي" و"الطريق إلى الله" و"الشورى والتشريع في الإسلام".
حصل الشعراوي على عدة أوسمة وجوائز بداية من وسام الاستحقاق لتقاعده عام 1976، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر عام 1983 ووسام الجمهورية وجائزة الدولة التقديرية عام 1988، وظلت إسهاماته ممتدة حتى توفي في 17 يونيو/حزيران 1998.
يقول الشعراوي في كتاب "نهاية العالم" "يظن البشر أنهم يقدرون على الدينا وهذا ظن وليس حقيقة لكنهم يتوهمون ذلك وهذا زيف، وحين يأذن الله سبحانه وتعالى يغير الشيء الثابت بقدرته التي ليس لها حدود ولا تقيدها قيود".
وعن الآيات التي تمهد لنهاية العالم يقول الشعراوي: "أخبرنا الله ببعض تلك الآيات كما جاء في قوله جل جلاله: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)".
يعد الشخ محمد متولي الشعراوي أول من أصدر قراراً وزارياً بإنشاء بنك إسلامي في مصر، وهو بنك "فيصل الإسلامي" حيث إن هذا من اختصاصات وزير الاقتصاد أو المالية، وكان الدكتور حامد السايح وزير المالية في هذه الفترة، فوضه في ذلك الأمر، ووافق عليه أعضاء مجلس الشعب في ذلك الوقت.
وعن موعد حدوث الصور المتعددة لنهاية العالم يقول الشعراوي: "ستحدث عندما يوحى الله تعالى إلى الأرض والكون كله أن يدمر، وما هى إلا لحظات حتى يتدمر الكون كله وينتهي، وفي ذك يقول الله عز وجل: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)".