منذ أن تم اكتشاف أولى حالات مرض فيروس كورونا في ديسمبر 2019 في الصين.
انعكست تفاعلات النظام الدولي على كل ما يرتبط بهذا المرض، وطرق مكافحته، واكتشاف اللقاح المضاد له.
انعكس الخلاف الأمريكي الصيني على جهود معرفة مصدر هذا الفيروس، وعما إذا كان قد نشأ بشكلٍ طبيعي أم أنه تسرب من أحد المُختبرات البيولوجية. فذكر الرئيس ترامب أنه يمتلك الدليل على أن مصدر الفيروس هو معهد ووهان الصيني وسماه "بالمرض الصيني"، وحمَّل بكين المسؤولية عما ألحقه المرض بالعالم. وفي المقابل، ذكر مسؤول صيني أن مصدر المرض هم مجموعة من الجنود الأمريكيين الذين ربما يكونون قد نقلوه إلى الصين.
وعندما بدأ السباق بين العلماء ومراكز البحوث الطبية في إجراء التجارب للبحث عن لقاح، تدخَّل السياسيون للإسراع بهذه العملية، فقد اعتبروا أن اكتشاف اللقاح سوف يكون دليلاً على تفوق بلادهم العلمي ودعماً لهيبتها ودورها العالمي. فأعلن الرئيس الأمريكي عن العمل المتميز الذي تقوم به الشركات الأمريكية وحثها على الإسراع بتصنيع اللقاح. وحاول في مارس 2020 الحصول على النتائج التي توصَّل إليها مختبر كيوروفاك الألماني من خلال تقديم مغريات مالية وذلك حتى تكون أمريكا هي الدولة الأولى الصانعة للقاح.
ولكن الرياح أتت بما لا تشتهيه السفن. ففي أغسطس 2020، ظهر الرئيس بوتين ليعلن سبق بلاده في اكتشاف اللقاح، ولطمأنة الشعب الروسي، ذكر أن ابنته تلقَّت هذا المصل. اعتبرت واشنطن هذا الإعلان إهانة لها.
وفي ديسمبر 2020، أعطت السُلطات الصحية في كلٍ من أمريكا والصين وألمانيا والمملكة المتحدة الموافقة المشروطة على استخدام اللقاحات التي طورتها المختبرات الموجودة في كلٍ منها. هذا في الوقت الذي تعرَّض فيه الرئيس الفرنسي ماكرون للانتقاد بسبب عدم نجاح المختبرات الفرنسية، وعلى رأسها معهد باستور، في إنجاز هذه المهمة في الوقت المناسب.
ومع بدء إنتاج اللقاح، حرصت كل دولة على أن تضمن الحصول على الأعداد الكافية لمواطنيها. فقررت الحكومة الأمريكية عدم السماح بتصدير أي لقاح يتم إنتاجه على الأراضي الأمريكية. واتهم الاتحاد الأوروبي الشركة البريطانية المنتجة للقاح بتعمد البطء في تزويده بالكميات التي تم التعاقد عليها، ودفع هذا التأخير المجر إلى الموافقة على شراء العقار الصيني واستخدامه.
وهكذا، فقد تنافست الدول الغنية والمتقدمة على شراء اللقاح، فظهرت مشكلة جديدة تتعلق بالتوزيع العادل له، فقد تبين في منتصف فبراير الحالي أن 75% من إجمالي اللقاحات التي تم إنتاجها ذهبت إلى عشر دول متقدمة، وأن كندا مثلاً تعاقدت على شراء أعداد من اللقاحات تُساوي أربع مرات عدد سكانها.
كان السكرتير العام للأمم المتحدة ورئيس منظمة الصحة العالمية من أوائل المحذرين من المعضلة الأخلاقية والصحية التي يسببها هذا الموقف. فأشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس في 18 فبراير أن 130 دولة لم تتلق جرعة واحدة من اللقاح حتى الآن. وأضاف مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس "أنه ليس من العدل أن يحصل الشباب الأصحاء في الدول المتقدمة على اللقاح بينما يُحرم منه الأكثر تعرضاً للمرض في الدول الفقيرة".
تُقدِّم هذه المعضلة دليلاً إضافياً على عدم المساواة في تكافؤ الفرص بين الناس في العالم. لكن الحقيقة أن المسألة ليست أخلاقية فحسب، إذ إن الدول المتقدمة والغنية لن تتمكن من توفير أمنها الصحي مع استمرار أعداد هائلة من البشر خارجها دون تطعيم، مما قد يؤدي إلى حدوث موجة جديدة من المرض.
ونتيجة لذلك، ازداد الشعور بضرورة التعاون الدولي لتوفير اللقاح للدول الفقيرة، فانعقدت القمة الافتراضية لمجموعة الدول السبع الصناعية المتقدمة في 19 فبراير الحالي والتي تعهدت فيها تلك الدول بزيادة الأموال المخصصة لشراء اللقاحات وتوزيعها على الدول الأكثر فقراً في العالم إلى 7.5 مليار دولار، وذلك لدعم البرنامج الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية تحت اسم "كوفاكس". وشهد يوم الخميس 25 فبراير بدء التنفيذ ووصلت أول شحنة من اللقاح إلى أكرا عاصمة غانا واعتبره الكثيرون نقطة تحول في التعاون الدولي لمكافحة المرض.
لقد أدى وباء مرض كورونا وما رافقه من أحداث إلى ظهور تياريْن مختلفيْن ومتناقضيْن. الأول، هو "الأنانية القومية" والتنافس الشرس بين الدول لتوفير الأمن الصحي لشعوبها ولو كان على حساب الآخرين الأكثر احتياجاً. والثاني، هو "التعاون العالمي" من مُنطلق أن هزيمة الفيروس لن تتحقق إلا بدحره في كل مكان، وهو التيار الذي يحقق الأمن الصحي العالمي والتضامن الإنساني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة