العزف في زمن كورونا.. مسابقة "شوبان" للبيانو بدورة استثنائية
تشهد مسابقة فريدريك شوبان الدولية للبيانو الـ 18 في وارسو ارتفاعا لافتا في مستوى العازفين، أرجعه المنظمون إلى جائحة كورونا.
وقبلت لجنة التحكيم هذه السنة بمرشحين يفوق عددهم ما نصت عليه أنظمة المسابقة، نظراً إلى أن المستوى بدا أعلى من الدورات السابقة.
ويقول الأرجنتيني نيلسون غويرنر، أحد أعضاء لجنة التحكيم السبعة عشر للمسابقة: "لقد كنت ضمن لجنة التحكيم خلال الدورة الأخيرة، لكن مستوى الحالية لافت".
ويبدو أن للجائحة دوراً في ذلك، ويلاحظ غويرنر أن "وقتاً أكبر كان متاحاً لعازفي البيانو للاستعداد". ويضيف "أعتقد كذلك أن الوباء أيقظ فينا جميعاً رغبة في الوصول إلى أبعد، نحو نوع من التفوق على النفس. أسمع ذلك في عزف هؤلاء العازفين الشباب".
"تأجيل قسري"
وكان من المفترض أن تنظّم هذه الدورة عام 2020 لكنها ألغيت بسبب جائحة كوفيد-19، فغابت للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.
وتجمع المسابقة 87 عازف بيانو من كل أنحاء العالم، اختارتهم لجنة التحكيم من بين أكثر من 500 تقدموا بترشيحاتهم. ويقرّ مدير معهد فريديريك شوبان الوطني أرتور شكلنر بأن "التحدي كان يتمثل في تمكين جميع المشاركين من الحضور إلى بولندا".
ويتنافس 22 صينياً و14 يابانياً وسبعة من كوريا الجنوبية مع 16 بولندياً و6 إيطاليين إضافة إلى مشاركين من أرمينيا وكندا والولايات المتحدة وبريطانيا وتايلاند في المسابقة المخصصة لعازفي البيانو الذين تراوح أعمارهم بين 16 و30 عاماً.
وتُعتبر مسابقة وارسو من أهم المنافسات التي يتطلع عازفو البيانو الشباب إلى المشاركة فيها، إلى جانب مسابقتَي تشايكوفسكي ومارغريت لون في باريس.
موهبة مبكرة
تروي الكورية الجنوبية سو يون كيم التي تأهلت للمرحلة ما قبل النهائية من المسابقة أنها كانت تملك "لوحة مفاتيح بيانو صغيرة" عندما كانت لا تزال في سن الثالثة، وتقول "لقد كانت لعبتي المفضلة التي لم أكن أتركها قطّ".
وإذ لا تزال الشابة البالغة اليوم 27 عاما تتذكر أن "دقيقة الفالس" هي أول مقطوعة للملحن الرومانسي الفرنسي البولندي (1810-1849) عزفتها وهي بعد صغيرة، تضيف "كان حلمي أن أكون موجودة هنا، لأن شوبان هو الملحن المفضل لدي. لم أملّ منه إطلاقاً".
وتشارك سو يون كيم هذه السنة للمرة الثانية في مسابقة شوبان في وارسو، بعدما نجحت قبل 6 سنوات في بلوغ الدور نصف النهائي من هذه المسابقة المرموقة التي تقام كل 5 سنوات منذ عام 1927.
"عائلة موسيقية"
وترى الروسية الأرمنية إيفا جيفورغيان (17 عاماً) أن مشاركتها في مسابقة شوبان "يمكن أن تفتح لها أبواب مسيرة فينة عظيمة". على عكس سو يون كيم، تتحدر هذه الشقراء ذات الشعر الطويل من عائلة موسيقيين.
فوالدتها كسينيا تشرينكوفا درست الفيولا في معهد تشايكوفسكي الموسيقي في موسكو. وتروي الأم "كنت أصطحب إيفا إلى كل جلساتي التدريبية مما جعلها ترغب في العزف". وتضيف مازحة "عندما كانت في الثالثة، أهديناها كماناً، فما كان منها إلا أن حطمته لأن الصوت لم يكن مرتفعاً ما يكفي بالنسبة لها. عندها فكرنا في البيانو".
ولم تكن "تشرينكوفا" ترغب في أن تصبح ابنتها موسيقية، وتبرر ذلك بأنها تعرف "مدى صعوبة ذلك".
طريق صعب
بعد انقضاء الطفولة، باتت حياة الشابتين إيفا وسو يون تشبه حياة العازفين الذين تتنافسان معهم، من ارتياد معهد الموسيقى، إلى تمضية 4 إلى 8 ساعات يومياً في التدريب، وأحياناً القليل من الرياضة والمطالعة.
وتتابع سو يون دراستها في جامعة "سالزبورغ موزارتيوم" بالنمسا، فيما أوشكت إيفا جيفورغيان على انهاء دراستها الثانوية، وتتطلع إلى الالتحاق بمعهد موسكو الموسيقي.
وعلى إيقاع المسابقات، تتقدم الشابتان في مسيرتهما الفنية. فالكورية فازت بالجائزة الأولى في مسابقة مونتريال الدولية للموسيقى هذا العام، فيما حصلت المراهقة الروسية الموهوبة على جوائز في أكثر من 40 مسابقة دولية لعازفي البيانو الشباب.
وتأهلت كلاهما هذا الأسبوع إلى الدور الثالث من مسابقة شوبان مع 21 مرشحاً آخرا. وبنهاية هذه المرحلة التي بدأت في 14 أكتوبر/ تشرين الأول، سوف يتأهل عشرة مشاركين إلى الدور النهائي.
اهتمام قياسي
وسيتاح للهواة متابعة المسابقة عبر قناة "معهد شوبان" على "يوتيوب" وكذلك باستخدام تطبيق "شوبان كومبيتيشن" للهواتف الذكية. ويشير المنظمون إلى أن المسابقة تحظى باهتمام قياسي هذه السنة نظراً إلى أن كثراً لم يتمكنوا من الحضور إلى وارسو.
واستمع أكثر من 45 ألف شخص إلى العازفين في المرحلة الثانية. ويُعلن اسم الفائز مساء 20 أكتوبر/ تشرين الأول. بعد ذلك، يحيي المتأهلون إلى النهائيات حفلات بحضور الجمهور حتى 23 أكتوبر/ تشرين الأول. وتقول سو يون "عندما أكون على خشبة المسرح، لا أفكر في الفوز، بل أرغب في العزف والتواصل مع الجمهور. إنها فرحتي الكبرى".
aXA6IDUyLjE1LjE3MC4xOTYg جزيرة ام اند امز