ضحايا الموصل يرون لحظات الرعب "تحت الأنقاض"
عشرات القتلى والناجين أسفل ركام منازل غرب الموصل.. "نيويورك تايمز" التقت بعضهم ليرووا لحظات الرعب.
يبدو أن معركة الموصل تدخل منعطفاً جديدًا بعد الأنباء المتواترة عن دفن عشرات المدنيين العراقيين، وبعضهم لا يزالون أحياء ويصرخون طلبًا للنجدة، تحت أنقاض منازلهم، لأيام في غرب الموصل بعد الغارات الجوية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
شاهد مراسلو صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في موقع الحدث، الأحد الماضي، بعد أكثر من أسبوع على القصف، الناجين القلقين وهم يحاولون إيجاد الأجساد المدفونة في الحطام.
ويقول مسؤولون عراقيون إن الحصيلة النهائية للوفيات قد تصل إلى 200 شخص أو أكثر، مما يحتمل أن يجعلها واحدة من أسوأ الخسائر المدنية لأي ضربة عسكرية أمريكية في العراق.
أصبح القتال ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في غرب الموصل أكثر استعجالًا، فيقول ضباط عراقيون إن التحالف الذي تقوده أمريكا أصبح أسرع في ضرب الأهداف الحضرية من الجو مع عدم اتخاذ وقت كبير للتفكير مليًا في المخاطر بالنسبة للمدنيين.
يشير الضباط إلى أن التغير يعكس دفعة متجددة بواسطة الجيش الأمريكي في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتسريع معركة الموصل.
من جانبهم، يصر المسؤولون الأمريكيون على عدم حدوث أي تغيير في قواعد مشاركتها تقلل من شأن المخاطر بالنسبة للمدنيين، موضحين أن تقارير زيادة الإصابات المدنية جاءت في وقت إجراء عمليات أكثر كثافة من قبل القوات العراقية في الموصل والقوات المحاربة لداعش في سوريا.
يقول المسؤولون الأمريكيون إنه منذ بدء التدفق إلى الموصل في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مُنح المستشارون العسكريون الأمريكيون سلطة أكبر للدعوة إلى شن بعض الغارات الجوية التي لا يُلزم الموافقة عليها عبر القيادة العامة.
في الوقت الحالي، فإن معركة الموصل في مرحلتها الأكثر خطورة بالنسبة للمدنيين، مع وصول القتال إلى الأزقة الملتوية والمناطق كثيفة السكان في المدينة القديمة، فآلاف المدنيين عالقين هنا في الأحياء الضيقة مع مقاتلي داعش الذين لا يبالون إن استمروا على قيد الحياة أو تعرضوا للموت.
في الوقت نفسه، فالمزيد من قوات العمليات الخاصة الأمريكية الذين يرتدي بعضهم ملابس رسمية سوداء ويقودون عربات سوداء -وهي ألوان نظرائهم العراقيين- تقترب أكثر من الخطوط الأمامية.
نظريًا، ينبغي بهذه الطريقة أن يصبح استهداف مقاتلي داعش أكثر دقة بالنسبة للتحالف، ومن المقرر أن يتجه 200 جندي أمريكي إلى العراق لدعم المعركة خلال الأيام القليلة المقبلة.
يرحب العديد من القادة العسكريين العراقيين بالمزيد من الدور الأمريكي العدواني، قائلين إن ضباط التحالف كانوا متجنبين للمخاطر بدرجة كبيرة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
كما يقول العراقيون أيضًا إن القتال من أجل المناطق الحضرية الكثيفة لغرب الموصل يتطلب المزيد من القوة الجوية، حتى لو كان ذلك يعني مقتل المزيد من المدنيين.
عندما تتحول هذه القرارات إلى مأساة يبدو الأمر بمثابة مشهد للدمار في حي الموصل الجديدة، وهذا المشهد ضخم لدرجة أن أحد المواطنين قارن الدمار بالدمار الذي حدث في مدينة هيروشيما اليابانية حيث قذفت الولايات المتحدة قنبلة نووية في الحرب العالمية الثانية.
وقف أحد الناجين "عمر عدنان" بالقرب من منزله المدمر، يوم الأحد الماضي، حاملًا ورقة بيضاء مكتوبا عليها بالحبر الأزرق 27 اسمًا من أعضاء عائلته الواسعة كانوا إما قتلى أو مفقودين.
لم يتوقف سقوط القتلى من المدنيين عند معركة الموصل التي تقع على بعد نحو 220 ميلًا شمال بغداد، فعلى طول المناطق الواسعة لسوريا والعراق تشارك المزيد من القوات البرية الأمريكية في القتال، وتصدر أوامر بشن المزيد من الغارات الجوية الأمريكية.
في سوريا، احتدت المعركة في جزء كبير حول الرقة، هذه المدينة التي أعلنها التنظيم عاصمة له، وتستهدف الحملات في كلا البلدين إلى منع داعش من مدنه الكبرى مع استمرار الضغط على التنظيم عبر المناطق المسيطر عليها.
أكد مسؤولون أمريكيون أن التحالف شن غارات جوية في الموصل الجديدة يوم 17 مارس/آذار الجاري وأنهم يجرون تحقيقًا لمعرفة ما إذا كان التحالف الملام على سقوط عشرات القتلى هناك أم لا.
مع ذلك، يصر المسؤولون الأمريكيون على أنهم يفعلون كل ما يمكنهم فعله لحماية حياة المدنيين أثناء مواصلة القتال في الموصل.
يوم الأحد الماضي دفع البلدوزر الحطام بعيدًا كي يتمكن رجال الإنقاذ من الوصول إلى الجثث، عندما وُجدت جثة من الجثث عرفه رجل ما بأنه نجل شقيقه وكتب رجل آخر الاسم في أحد الدفاتر، ثم وضعت الجثة في حقيبة بلاستيكية زرقاء اللون ثم داخل جراج إلى جوار الجثث الأخرى، وكانت العديد من الجثث قد دُفنت بالفعل في حدائق المنازل التي دُمرت جزئيًا فقط.
يشير المواطنون الذين كانوا في الحي أثناء القتال إلى وجود جميع الأسباب للاعتقاد بأن المنطقة مليئة بالمدنيين في توقيت الغارات الجوية، خاصة لأن الحكومة العراقية وحلفائها الأمريكيين ألقوا منشورات تطلب من المدنيين البقاء في منازلهم بدلًا من المخاطرة بالفرار في منتصف المعركة، ولكن جاءت المعركة إليهم الآن.
"عليّ" كان من بين القلة المحظوظة التي نجت من الموت، ولكنهم تعرضوا للإصابات، ويرقدون الآن على أسرة مستشفى في مدينة أربيل التي تقع نحو 50 ميل شرق الموصل.
تمكن عليّ من النجاة بعد البقاء لأيام أسفل الركام، ليخرج بذراعٍ مكسورة والعديد من الجروح والكدمات، متذكرًا الرقود أسفل الركام وهو يتحدث إلى شخص بجواره لم يتمكن من النجاة، قائلًا: "لقد كان حوارًا بين رجلين يموتان".
يوضح عليّ أنه اختبأ في البدروم ليس لأن مقاتلي داعش أجبروه على ذلك، وإنما بسبب "الرعب والخوف" من المدفعية والغارات الجوية، فأعتقد هو وأسرته أن هذا هو المكان الأكثر أمانًا.
عند سؤاله عما حدث لأسرته قام شقيقه بتغيير الموضوع سريعًا، وبعد لحظات قليلة في الرواق خارج الغرفة في المستشفى أوضح شقيقه أنه لم يخبر عليّ بعد بأن أسرته المكونة من زوجتين و4 من الفتيات واثنين من الأولاد واثنين من الأحفاد قُتلوا جميعًا.
aXA6IDMuMTQ3LjcxLjE3NSA= جزيرة ام اند امز