الكونت برنادوت.. وسيط سلام اغتالته «عصابة إسرائيلية»
في مثل هذا اليوم، 20 مايو/أيار، قبل 76 عاما قرر مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار في فلسطين وتعيين الكونت فولك برنادوت وسيطا.
كانت إنجازات برنادوت في الحرب العالمية الثانية، بصفته رئيس الصليب الأحمر السويدي، واضحة للعيان، حيث شارك في عمليات تبادل الأسرى خلال الحرب العالمية الثانية.
كما أسهم في عملية إنقاذ 15000 معتقل من جنسيات سويدية ودانماركية ونرويجية وأمريكية وبولندية وصينية وإنجليز وفرنسيين، من معسكر اعتقال ألماني، وشمل الإنقاذ أعدادا كبيرة من اليهود.
من هو الكونت فولك برنادوت؟
كان فولك برنادوت نبيلا سويديا وُلد في ستوكهولم في 2 يناير/كانون الثاني من عام 1895.
والرجل الذي انحدر من العائلة الملكية السويدية هو حفيد أوسكار الثاني، الذي كان ملك السويد والنرويج.
وقبل تسلمه مهام الوساطة في قضية فلسطين، لعب الدبلوماسي دورا فاعلا إبان الحرب العالمية الثانية.
ويشير موقع الأمم المتحدة إلى أن فولك برنادوت شغل بين عامي 1943 و1944 منصب نائب رئيس الصليب الأحمر السويدي، ونظم الجهود لإطلاق سراح أسرى الحرب من المعسكرات النازية وعودتهم إلى السويد.
ويسلط المصدر نفسه، الضوء على ما قيل من أن فولك برنادوت أنقذ في عام 1945 نحو 15 ألف شخص من معسكرات الاعتقال من العديد من الجنسيات.
تعيين برنادوت
ومع اقتراب نهاية الانتداب البريطاني واعتزام الحركة اليهودية إقامة كيانها في فلسطين ازداد توتر الأوضاع، خاصة بعد تصاعد الصدامات واحتدام المواجهة بين اليهود والفلسطينيين، ما دعا الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عقد دورة استثنائية واتخاذ عدد من القرارات ومنها القرار رقم 186.
ويقضي القرار باختيار الجمعية العامة للأمم المتحدة وسيطا للسلام في فلسطين تختاره لجنة من الجمعية العامة مؤلفة من ممثلي الصين وفرنسا والاتحاد السوفياتي وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، بهدف إيجاد تسوية سلمية للوضع المستقبلي في فلسطين.
وبناء على توصية اجتماعية من اللجنة التي عينتها الأمم المتحدة، اختير الكونت فولك برنادوت السويدي في 20 مايو/أيار 1948 ليكون الوسيط الدولي المطلوب، الذي قد استطاع أن يحقق الهدنة الأولى في فلسطين في 11 يونيو/حزيران 1948 ثم بدأ ينفذ المهمة التي أوكلتها إليه الأمم المتحدة.
مشروع برنادوت
وتمكن برنادوت بعد مساعٍ لدى الجانبين من الدعوة إلى مفاوضات جرت في جزيرة رودس في نهاية عام 1948، وبعد اتصالات مكثفة بالجانبين توصل إلى مجموعة من المقترحات حول مستقبل الوضع في فلسطين وقد قدمها في 27 يونيو/حزيران 1948.
وكان أبرز هذه المقترحات: قيام اتحاد في فلسطين، بحدودها التي كانت قائمة أيام الانتداب البريطاني عام 1922 وفيها (شرق الأردن) من عضوين أحدهما عربي والآخر يهودي، بعد موافقة الطرفين المعنيين.
وحسب الخطة سيعمل الاتحاد على تدعيم المصالح الاقتصادية المشتركة وإدارة المنشآت المشتركة وصيانتها بما في ذلك الضرائب والجمارك وكذلك الإشراف على المشروعات الإنشائية وتنسيق السياسة الخارجية والدفاعية.
وتكون الهجرة إلى أراضي كل عضو محدودة بطاقة ذلك العضو على استيعاب المهاجرين، ولأي عضو بعد عامين من إنشاء الاتحاد الحق في الطلب من مجلس الاتحاد إعادة النظر في سياسة الهجرة التي يسير عليها العضو الآخر، ووضع نظام يتماشى والمصالح المشتركة للاتحاد, وفي إحالة المشكلة إذا لزام الأمر إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة.
ولسكان فلسطين إذا غادروها بسبب الظروف المترتبة على النزاع القائم الحق في العودة إلى بلادهم دون قيد واسترجاع ممتلكاتهم.
رفض تام
رفض العرب، ممثلين في الأمين العام لجامعة الدول العربية، مقترحات برنادوت هذه وفندوها، خاصة ما تعلق منها بوحدة أراضي شرق الأردن وفلسطين في الاتحاد المقترح.
كذلك رفضت الهيئة العربية العليا لفلسطين مقترحات برنادوت وقدمت بدلا منها المقترحات العربية التي طرحت في مؤتمر لندن لعام 1946.
وفي المقابل رفض الجانب الإسرائيلي مقترحات الكونت برنادوت، خاصة تلك التي تتعلق بمدينة القدس ومنطقة النقب.
وعلى الصعيد الدولي، أيدت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية مقترحات برنادوت في حين عارضها الاتحاد السوفياتي.
اغتيال الكونت فولك برنادوت
في ضوء ما تلقاه برنادوت من ملاحظات وردود على مقترحاته وما لاحظه من مشاهداته عند زيارته لفلسطين, أعد صيغة معدلة لاقتراحاته عرفت باسم (مشروع برنادوت) بعث به قبل اغتياله إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 16 سبتمبر/أيلول 1948.
ودعت الصيغة المعدلة إلى وجوب وضع القدس تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة، وأن يمتد خط من الفالوجة إلى الشمال ثم الشمال الشرقي من اللد والرملة اللتين ينبغي أن تخرجا من أراضي الدولة اليهودية.
كما أوصى بوجوب أن "تؤكد منظمة الأمم المتحدة حق الأبرياء، الذين شردوا من بيوتهم بسبب الإرهاب الحالي في العودة إلى ديارهم، وأن تُدفع تعويضات عن الممتلكات لمن يرغب منهم في العودة".
غير أن خطة السلام التي اقترحها الرجل أثارت حفيظة المتطرّفين الإسرائيليين، فعمدت الصحف اليهودية إلى مهاجمته والتحريض عليه.
وفي 17 سبتمبر/أيلول، اغتالت عصابة شتيرن المتطرفة بزعامة إسحاق شامير، الذي أصبح لاحقا رئيسا للوزراء، فولك برنادوت ومساعده العقيد الفرنسي أندريه سيروت (1896-1948) في مدينة القدس.
وبرصاصات قاتلة رحل وسيط السلام في كمين نُفذ في وضح النهار.
ومنذ رحيل برنادوت لم تنجح أي جهود وساطة أو اتفاقات سلام في التوصل إلى حل لأزمة لا تزال قائمة منذ أكثر من قرن وربما تمتد لما هو أكثر من ذلك.
aXA6IDE4LjIyNy4xOTAuMjMxIA== جزيرة ام اند امز