الأبقار الطائرة.. فانتازيا قطرية لدر الحليب بعد المقاطعة!
تخيل أن بقرة ما استفزها طول الرحلة الجوية فقررت التعامل مع الطائرة القطرية الأنيقة كحظيرة، عندها ما عساهن يفعلن المضيفات لضيوفهن؟
لو تتبعت سيرة قطر خلال العقدين الأخيرين، سرعان ما ستكتشف ولع هذه الإمارة الصغيرة بالأرقام القياسية، حتى ولو توهماً، لكن ربما لم يجمح خيال أكثر رجال الأرض سخرية بأن هذا الطموح قد يمتد لأكبر شحنة بقر جوية على مر التاريخ، كترياق للمقاطعة الخليجية التي حلبت الألبان من متاجرها.
حسنًا، جاء في نشرة وكالة "بلومبيرغ"، قبل يومين، أن رجل الأعمال القطري من أصل سوري، معتز الخياط، بصدد استيراد 4 آلاف بقرة من الولايات المتحدة وأستراليا، لتغطية العجز الذي خلفته المقاطعة الدبلوماسية.
وحتى هنا، يبدو الأمر منطقياً لدولة فقدت المعبر الذي يورّد لها نحو 90 % من غذائها، لكنك ستبدأ رحلة ابتعادك إلى اللامنطق، عندما تعرف أن هذه الشحنة ستُنقل على متن 60 رحلة للخطوط الجوية القطرية التي اهتز سوقها بفعل الزلزال الدبلوماسي.
لا بأس لو أدرت ظهرك للمنطق، وشرعت في تخيٌّل أي من هذه الرحلات الـ 60، والتي يبلغ وزن زبونها الواحد 590 كيلو غرام، فما عساهن يفعلن مضيفات هذه الخطوط المعروفات بالنحافة والرشاقة مع عملاء قد يتبجحون بفاتورة نقلهم التي تزيد عن 4 ملايين دولار.
لطالما تباهت الخطوط القطرية بخدماتها ذات النجوم المتكاثرة، وبالتالي يمكن تخيل دسامة العلف، وطلبات الزبائن، بدءًا من رص المقاعد الصلبة المتسعة، وليس انتهاءً بمقاعد المراحيض وعلب الديتول.
تخيل أن بقرة ما استفزها طول الرحلة التي تأخذ في الغالب نحو 14 ساعة ما بين مدن الساحل الشرقي للولايات المتحدة والإمارة التي كانت حليفة، فقررت – البقرة - التعامل مع الطائرة الأنيقة كحظيرة تبتهج بالخوار، عندها ما عساهن يفعلن المضيفات لضيوفهن غير تخاطف سترات النجاة؟.
دعونا من الخيال، ولنعد إلى المنطق، ونأخذ منه حسبته الرياضية التي لا تجعل من ألبان 4 آلاف بقرة معادلة لحاجة مليونيين نسمة يسكنون هذه الرقعة، لو قدرنا حاجة أحدهم فقط بربع لتر يوميا.
ولنكن منصفين، فإن الخياط نفسه أعلن أن بضاعته التي ستدخل الخدمة نهاية الشهر الجاري لن تغطي سوى ثلث الاستهلاك الكلي، بحلول يوليو المقبل.
وبما أن المورد نفسه قد قال بذلك، لن يلومك أحد لو سألت عن حصة آل ثاني من هذه الغنيمة، وإن كان المتبقي يكفي ثلاث آلاف من العسس الأتراك الذين لا يستلذون بشيء كما الحليب الرائب (العيران بالتركي)؟
لنترك الكفاية، ونعود إلى الفنتازيا مرة أخرى، حيث نزلت الأبقار المستوردة من أراضٍ لم تسلخها الشمس قط بأكثر من 20 درجة مئوية، إلى أرض يحتفي أهلها باعتدال الجو عندما يستقر عند 40 درجة مئوية.
لو تتبعت الفصول الماضية من سفر الفنتازيا الأميرية، ربما أخذك الشك في أن هذه معضلة لبلد تعهد بتكييف الشوارع قبل الملاعب ليستضيف مونديال 2022.
وبالطبع لن تضيق قطر بأهلها عند بناء حظيرة فندقية للضيوف، طالما أن المساحات المُخصصة لملاعب الفتح الرياضي العظيم لم تزداد بعد كيلو متراتها الأحد عشر.
ومع ذلك، لا غضاضة في تخصيص يوم ترتع فيه الأبقار في "كتارا" وصويحباتها، مع راحة قسرية للسكان، لكي لا يزاحموا الأبقار في نزهتها الأسبوعية.
والحال كذلك، لا تسأل عن العلف وقيمة شحنه المتواتر، طالما أنك تجاهلت قيمة الشحن الأولي التي تعارض عالم الأرباح، غير أنه حقٌ لك أن تسأل من أين ستشرب في بلد يطوقه ملح الخليج؟. هل يستقيم أن تُسقى من مياه مستوردة هي الأخرى ولا يقل سعر لترها عن لتر الحليب؟
اقتصاديا، قد لا يعني كل هذا شيئاً لبلد يتباهى جلاوزته بأنه الأغنى حول العالم، من ناحية نصيب الفرد. فقط يجدر التذكير بحصر هذه الرحلة المليارية في إناث البقر، دون أي ثور يخالطهن، لأن تكاثر هذا الرقم من شأنه جعل الوافدين الجدد أكثر عددا من السكان الأصليين في بضع سنين.