طبيعي ما يشعر به نظام الحكم القطري من قلق بعدما استجاب الحجاج القطريون لدعوة الملك سلمان.
سمعة نظام الحكم في دولة قطر، التي يمثلها حاليا كل من الأمير (الأب) حمد بن خليفة آل ثاني ووزير خارجيته حمد بن جاسم آل ثاني، أو ما يعرف إعلاميا بنظام "الحمدين"، صارت بحاجة إلى إنقاذ كي لا تشمل تلك السمعة السيئة الدولة القطرية بالكامل، على اعتبار أن الحمدين يعملان بإصرار على إدخال قطر والشعب القطري كله في أزمة مع الحكومات والمجتمعات العربية للدول الأربع: السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر.
لا أتحدث هنا فقط عن الأصداء العالية الصوت في دعم التنظيمات الإرهابية المنتشرة في المنطقة والعالم، ولا عن خروجهما على "المألوف الخليجي" باللجوء إلى نظام الملالي في إيران أو تركيا لحماية قطر من أشقائها، ولا أتحدث عن العناد السياسي المحير للكثيرين من أبناء المنطقة فيما يخص رفض قطر للمطالب الخليجية، وإنما أتحدث عن محاولة "تسييس الحج"، الفريضة الخامسة للمسلمين ومحاولة توظيف المواطنين القطريين في هذه الأزمة ليظهر النظام وكأن الشعب القطري موافق على سياسته التخريبية، وهو أسلوب عهدناه من تنظيم "الإخوان المسلمين" وكذلك نظام الملالي في إيران.
تخويف الحجاج القطريين من أن وجودهم في الأماكن المقدسة غير آمن وقد يتعرضون لمضايقات لمجرد كونهم قطريين فقط، سلوك غير مقنع للشعب القطري، وزبانية الحمدين يدركون أن مكة المكرمة والمدينة المنورة من أكثر أماكن العالم استقرارا بتعليمات ربانية.
لا شك، أن موقف نظام الحمدين من حج القطريين يمثل أكبر إهانة للشعب القطري، خاصة بعد أن أصبح حجاج قطر في ضيافة خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حيث تأكد أن إساءة القطريين صارت تتم من داخل نظام بلادهم وليس من خارجه، خاصة عندما رفضت الحكومة القطرية، يوم الأحد، هبوط الطائرات السعودية لنقل الحجاج القطريين.
وبالتالي يبدو أن هناك فجوة بين مصلحة الشعب القطري ونظام الحمدين، لذا يكون طبيعيا ما يشعر به نظام الحكم القطري من قلق بعدما استجاب الحجاج القطريون لدعوة الملك سلمان.
يمكن اعتبار هذه الدعوة وطريقة تعامل النظام القطري معها بمثابة استطلاع للرأي على ثقة الشعب القطري بهذا النظام، خاصة بعدما تحدى الحجاج القطريون قرار حكومتهم بالاستجابة لدعوة العاهل السعودي.
واضح جدا أن نظام الحكم القطري الحالي لم يعد مقنعا في ادعاءاته بأن الآخرين هم من يستهدفون قطر، ويريدون الإساءة إليها، بل بات جليا أن إعلام قطر غير بريء من الدور السياسي الذي يسيء للقطريين ويعقِّد علاقاتهم مع أشقائهم، بل تأكد القطريون أنه يتم توظيفهم إعلاميا وفق نظرية "المظلومية" التي يجيدها تنظيم "الإخوان المسلمين"، لأن الحقيقة أن الخلاف الخليجي مع نظام الحمدين لا يعني بتاتا مسوغا لوضع الشعب القطري في السلة نفسها، لأن الذين يديرون النظام السياسي في قطر حاليا ليسوا من أبنائها، وبالتالي لا تهمهم مصلحة الشعب القطري.
من مفارقات نظام الحكم القطري أنه يخوف شعبه من ممارسات معينة ويرفع شعارات ضد الآخرين، لكن من خلال الممارسة تجد أنه هو الذي يطبقها، مثل زعم النظام أن المواطن القطري مستهدف من أشقائه الخليجيين، وأن دول المقاطعة تهدد استقرار قطر، لكن وفق المعلومات المنشورة تجد أن النظام القطري هو من يستهدف الاستقرار في المنطقة، وبالتالي يستهدف المواطن الخليجي، أما ما يخوفون به القطريين من دول الخليج فليس موجودا إلا في خيالهم المريض!
في أجواء البلبلة الراهنة لم يعد ممكنا الفصل بين قلق النظام القطري على مستقبله بعد التحرك السعودي "خارج الصندوق الإعلامي"، الذي برع فيه مرتزقة الحمدين وبين رغبتهم في استمرار حالة المقاطعة؛ لأن ذلك يضر بالشعب أكثر من الإضرار بمشاريعهم السياسية في المنطقة وسياسة خلق الأزمات.
فالتحرك السعودي أظهر حقيقة أن الأزمة هي أزمة حكم، وليس أزمة قطر ولا القطريين، والدليل حالة الترحيب بالقطريين في السعودية، على المستوى السياسي والمجتمعي. إن ما يقوم به نظام الحكم في دولة قطر فصل سياسي محزن ويبعث على الأسى، إذ يُفترض في النظام القلق على مصلحة الإنسان القطري والمنطقة التي يعيش فيها، وأن يسعى حكام قطر ككل القادة السياسيين في العالم إلى إسعاد مواطنيهم، لكنهم يستخدمون أساليب "صبيانية" تثير سخرية مواطنيهم قبل الآخرين.
والرائع في الموضوع أن أغلب أبناء الخليج واثقون بأن الإساءات التي تصدر من قطر محصورة في شريحة محدودة لا تتعدى فريق الحمدين وأتباعهما من داخل قطر وخارجها.
أيام الحج التي نعيش نفحاتها الروحانية ستكشف عن سخط الشعب القطري على ما يقوم به نظام الحمدين من إساءة إليهم، ومن استغلالهم في إثارة الأزمة مع أشقائهم، وما يمارسه إعلام النظام القطري ليس إلا تعبيرا عن تضييق الخناق على حكم الحمدين.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة