الزيارتان اللتان قام بهما مقتدى الصدر لكل من أبوظبي والرياض هما أقوى صفعة سياسية للمشروع الإيراني في الإقليم العربي.
دخلت زيارة الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، قبل يومين، التاريخ من "البوابة العربية" لسببين اثنين، الأول: أن مقتدى كان أحد السياسيين المحسوبين على المعسكر الإيراني، ولكن يبدو أنه -بقناعة كاملة -بدأ بتغيير الوضع الذي أخضع القرار العراقي لدائرة التأثير الإيراني. أما السبب الثاني، فإن هذه الزيارة واحدة من زيارات لمسؤولين عراقيين شيعة ذوي "مزاج عروبي" إلى دول الخليج منهم رئيس الوزراء العراقي نفسه، حيدر العبادي، ما يعني وجود رغبة عراقية حقيقية مدعومة من الرأي العام لإعادة بغداد إلى الحاضنة العربية بدلاً من الطائفية الإيرانية، التي اتخذها نظام الملالي أداة لإدارة صراعاتها في المنطقة.
ومع أن زيارة مقتدى الصدر لأبوظبي (التي أرسلت طائرة خاصة لنقله ذهاباً وإياباً، وهو أمر له دلالات ومعانٍ كثيرة) ليست أول موقف سياسي عراقي ضد الطموحات الإيرانية منذ هيمن الملالي على القرار العراقي بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، وتعيين بعض الحكام الموالين لها ولكنها (زيارة) ستكون الأكثر تأثيراً على الغطرسة الإيرانية في المنطقة، كونها تأتي بعد العديد من المواقف الإقليمية والدولية التي تمثل عامل ضغط على التمدد الإيراني الذي عاش فترة من الانتعاش خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
وإذا كان الانفتاح العراقي على الدول الخليجية قد أثار ضجة سياسية وإعلامية إيرانية التي كانت قد وضعت ضمن استراتيجيتها أن تكون بغداد هي عاصمة "الإمبراطورية الفارسية" عندما تبجح بعض قادة إيران عام 2014 وقالوا إنهم يسيطرون على 4 عواصم عربية، فإن هذه الزيارة التي أعقبت تلك الضجة ومعها عدد من الإجراءات الخليجية ضد التمدد الإيراني في المنطقة، تعني نجاح الخليجيين في تفكيك الهيمنة الإيرانية، وبالتالي سحب البساط من تحت النفوذ الإيراني "المتشعب" في المؤسسات الحكومية العراقية نتيجة لولاء بعض السياسيين، من أمثال نوري المالكي، لنظام الملالي في إيران.
وبالتالي فإن الزيارتين اللتين قام بهما مقتدى الصدر لكل من أبوظبي والرياض هما أقوى صفعة سياسية للمشروع الإيراني في الإقليم العربي، كونها جاءت من قائد شيعي له وزنه السياسي في العراق، وما يعزز من "تحدي" الصدر للرغبة الإيرانية أنه يتمتع بتأييد شريحة كبيرة من الرأي العام الشيعي العراقي، خاصة في الجزء الجنوبي من العراق، حيث يطالب قادته بالتركيز على الولاء للوطن والجوار العربي.
إيران اليوم تواجه موقفاً دولياً يرغب في وضع حد للفوضى الأمنية في المنطقة من خلال اتفاق هامبورج، الذي تم على هامش قمة العشرين، بين القوتين العظميين في العالم الولايات المتحدة وروسيا، بخصوص سوريا والعراق، حيث النفوذ الإيراني الأكبر هناك، كما أنها تواجه وعياً عربياً وعراقياً "وطنياً"، وهذا الأهم، بأن التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية ليس هدفها الدفاع عن مواطني الدول العربية من المواطنين الشيعة كما يزعم قادته، ولكن في حقيقة الأمر، هي محاولة إيرانية (بنفس قومي فارسي) للسيطرة على الإقليم الجغرافي العربي.
فتشكيل حزام سياسي ضد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو الهدف الاستراتيجي لإيران منذ نجاح الثورة الإيرانية في عام 1979، والشيء الذي يدعو إلى الأسف أن النظام الإيراني استطاع السيطرة على العراق ولم تكن مسألة تفككه من هذه الهيمنة بالأمر الهين عليهم فقد دفعوا الثمن غالياً، لذا يمكن اعتبار هذا "التراجع" الشيعي العراقي درساً لباقي السياسيين العرب بأن النظام الإيراني لا ينطلق في مصالحه من الدين ولا من المبادئ بقدر ما أن تحركاته مبنية على البراجماتية السياسية، التي بانت في أكثر من موقف سياسي.
ويعي النظام الإيراني أنه لا يلقى أي قبول من الرأي العام العربي إلا من أحزاب سياسية تمتطي الدين لتحقيق أهادفها مثل: "الحوثيين" في اليمن، أو "حزب الله" اللبناني، أو "حماس" ومن أصحاب الأجندات السياسية الذين يسعون لتخريب أوطانهم مثل نور المالكي، أو من الدول التي "تكابر" من أجل مناكفة سياسية لبعض الدول العربية مثل حالة قطر الآن.
بلا شك إن زيارتي مقتدى الصدر إلى دولة الإمارات والسعودية في هذا التوقيت، وغيرهما من الترتيبات السياسية، من شأنها أن تصدم قادة إيران الذين "ظنوا" يوماً أن سيطرتهم على 4 عواصم عربية هي بداية تحقيق حلهم التاريخي، لكن الزيارتين ضربت ذلك الحلم في مقتل، لأن بغداد هي العاصمة الأهم في المشروع!
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة