كريستيانو رونالدو.. ملحمة كفاح بدأت في "ربع غرفة"
إن كان أغلب نجوم كرة القدم يشتركون في أمر واحد، سيكون بالتأكيد المعاناة من الفقر والظروف المعيشية القاسية في طفولتهم.
البرتغالي كريستيانو رونالدو، نجم مانشستر يونايتد الإنجليزي، وأحد أكثر الرياضيين ثراء في الوقت الحالي، هو أحد هؤلاء اللاعبين الذين ذاقوا مرارة العيش والطفولة القاسية.
ومن حجرة ضيقة في منزل متواضع بالبرتغال، بدأ رونالدو (37 عاما) رحلة طويلة ومرهقة، لكي يصل لامتلاك عدة قصور فخمة في عدة مدن كبيرة حول العالم.
فقر فونشال
وُلد كريستيانو رونالدو دوس سانتوس أفيرو في منطقة ساو بيدرو على أطراف مدينة فونشال عاصمة جزيرة ماديرا البرتغالية، وهو رابع وأصغر أبناء جوزيه دينيس أفيرو وماريا دولوريس، ولديه شقيق وشقيقتان أكبر منه.
وفي منزل متواضع بالحي الفقير، شارك رونالدو غرفة ضيقة مع أشقائه الثلاثة الكبار.
كريستيانو عرف الفقر قبل حتى أن تبدأ حياته، حيث حاولت والدته إجهاضه لضيق ذات اليد، لكن الأطباء نصحوها ألا تفعل خوفا على حياتها.
تقول والدة رونالدو عن هذا الأمر في الكتاب الذي تناول سيرتها الذاتية: "قال لي انظري إليّ الآن يا أمي، لقد أردت إجهاضي والآن أنا الشخص الذي يتكفل بالعائلة".
والدة رونالدو كانت تعمل طاهية، فيما عمل والده كبستاني وعامل غرفة ملابس في نادي أندورينيا المحلي، الذي انضم له كريستيانو في سن مبكرة عام 1992.
ازداد وضع الأسرة سوءا بعد وفاة الأب، الذي كان مدمنا على الكحول، وحين بلغ رونالدو عامه الـ14 عمل على إقناع والدته بالتركيز في كرة القدم وترك الدراسة، فهو لم يكن طالبا مجتهدا على أي حال.
في عام 2020 نشرت كاتيا أفييرو، شقيقة كريستيانو، صورة لمنزلهم القديم في فونشال عبر حسابها على منصة "أنستقرام"، وذكرت كيف ساهمت النشأة الصعبة في هذه المنطقة الفقيرة في بناء شخصيتها، كما دفعت شقيقها للنجاح في كرة القدم.
كاتيا أفييرو روت أن الأسرة كانت تعيش جنبا إلى جنب مع الفئران، وأن أحدها قام بـ"عضها" في وجهها، ولولا المساعدة السريعة من الأم لتسببت هذه العضة في تشوهها.
رونالدو يهرب مضطرا
ما قرأته في السطور السابقة سيعطيك انطباعا أن رونالدو كرس نفسه لبذل الغالي والرخيص من أجل الهروب من هذا الوضع، وفي الحقيقة لقد فعل وجنى ثمار النجاح فيما، لكن بعد أن تهرب قليلا في بداية مسيرته الكروية.
في عام 1995 انتقل رونالدو من أندورينيا إلى ناسيونال ماديرا مقابل 20 كرة وبعض ملابس التدريب واللعب، وبعد عامين انضم إلى أكاديمية سبورتنج لشبونة، بعدما جذب انتباه كشافي العملاق البرتغالي.
ويقول فيرناو سوزا، عراب كريستيانو الذي ساعده على الانتقال إلى أكاديمية لشبونة، أن رونالدو لم يحتمل العيش بعيدا عن أسرته لذا عاد إلى فونشال بعد أشهر من انضمامه إلى الأكاديمية، رغم أن النادي اشترط قيامه بعدد محدود جدا من الرحلات إلى أسرته في كل عام.
لم يكن رحيل رونالدو عن لشبونة هربا من الالتزام بممارسة كرة القدم، اللعبة التي كان يحبها أكثر من أي شيء، بل لأنه افتقد أسرته والأجواء الدافئة في جزيرته الصغيرة، كما عانى من تنمر زملائه من لهجته المختلفة عن لهجة أبناء العاصمة.
سوزا كان مؤمنا بموهبة رونالدو وقدرته على النجاح خارج أزقة ماديرا الضيقة، ويقول عن إعادته إلى لشبونة: "أقنعنا والدته بالتحدث معه، كان دائما يستمع إليها، ثم وضعناه في السيارة ونقلناه إلى المطار مباشرة، كان الأمر صعبا، لكنه عاد في النهاية".
وحين وصل رونالدو سن 16 عاما، تم تصعيده من فريق الشباب إلى الفريق الأول بناء على طلب المدير الفني لازلو بولوني الذي أعجب بطريقة لعبه، ليصبح أول لاعب يلعب لفرق تحت 16 وتحت 17 وتحت 18 عاما والفريق الرديف والفريق الأول في نفس الموسم.
بعد تألقه مع سبورتنج لشبونة، تحرك مانشستر يونايتد للتعاقد مع رونالدو في صيف 2003 مقابل 19 مليون يورو، ومن هنا انطلق كريستيانو نحو المجد، الذي صنعه بإنجازاته مع "الشياطين الحمر"، ثم ريال مدريد الإسباني، ويوفنتوس الإيطالي، بجانب منتخب البرتغال.
رمز فونشال
نجاحات رونالدو الكروية جعلته الرمز الأكثر شهرة لجزيرة ماديرا الواقعة في المحيط الأطلنطي والتي تفصلها مسافة كبيرة عن البر البرتغالي، فربما لو لم كريستيانو أحد أسطورة من أساطير الكرة، لما عرف الملايين حول العالم بوجود هذه الجزيرة، أو أن هناك مدينة على هذا الكوكب تحمل اسم فونشال.
في شوارع فونشال يجد الزائر صورا لكريستيانو في مختلف مراحل حياته، وفي عام 2016، الذي شهد تحقيق منتخب البرتغال للقب كأس أمم أوروبا للمرة الأولى والوحيدة في تاريخه، تم تغيير اسم مطار ماديرا إلى "مطار كريستيانو رونالدو".
كذلك دشن النجم المخضرم متحفا وفندقا باسمه في ماديرا عام 2013، مما ساهم في تنشيط السياحة في الجزيرة، وفي مدخل المتحف يوجد تمثال له.
aXA6IDMuMTQyLjIxMC4xNzMg جزيرة ام اند امز