المعادن الأساسية.. هل تحقق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا؟

برعاية أمريكية، وقعت رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية اتفاق سلام في نهاية يونيو/حزيران الماضي لكن لا توجد خطط ملموسة حتى الآن.
رغم حفل التوقيع الذي استضافه البيت الأبيض وجمع وزيري خارجية رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وحضره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووزير خارجيته ماركو روبيو فإنه لم يتم حتى الآن وضع أي خطة ملموسة للتنمية الاقتصادية كما لا توجد خطة تنفيذية للجانب الأمني من الرؤية.
وقد اقترنت الجهود الأخيرة لدفع الاتفاق باستثمار أمريكي في قطاع التعدين في الكونغو، وذلك وفقا لما ذكره موقع "ناشيونال إنترست" الأمريكي الذي تساءل في تحليل له هل يمكن لهذا العنصر الاقتصادي الجديد في عملية السلام أن ينجح في حل أحد صراعات أفريقيا المُهمَلة؟
واعتبر أنه "لا شك أن الاستثمار في المعادن الأساسية يمثل دفعة قوية للمنطقة التي تشهد صراعا بين عدة جهات مسلحة هي جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأحيانا جيش رواندا إضافة إلى حلفائها من غير الدول وأبرزها حركة إم23، التي تسيطر حاليًا على مدينة غوما الرئيسية، بالإضافة إلى أراضٍ كبيرة غنية بالمعادن في شرق الكونغو كما توجد قوات حفظ سلام ضعيفة تابعة للأمم المتحدة يعتقد أنها في طريقها للانهيار".
ووسط هذا التعقيد هناك ما يدعو إلى الشك في نجاح الصفقة التي يرى كثيرون أنها تمثيلية أكثر منها جوهرية وأنها جاءت نتيجة ولع إدارة ترامب بلفت الأنظار من جهة ومن جهة أخرى سعي رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية لكسب ود الرئيس الأمريكي بحسب "ناشيونال إنترست".
ويرى التحليل أن الاتفاق قد ينهار قبل دخوله حيز التنفيذ مشيرا إلى خطر منح شركات أجنبية حق الوصول إلى جزء كبير من احتياطيات الكونغو المعدنية، في ظل تنظيم ضعيف، قد يؤدي إلى تفاقم الفساد مع تسهيل استخراج المزيد من الثروات دون أن يجني شعب الكونغو أي ثمار.
والتكامل الاقتصادي ليس الجانب الوحيد الذي لا يحمل الاتفاق تفاصيل غامضة بشأنه فقد فات موعده النهائي المحدد في 27 يوليو/تموز، ولكن بدأ تنفيذه في 8 أغسطس/آب.
والغرض الرئيسي من هذه الآلية هو تسهيل "تحييد" الجبهة الديمقراطية لتحرير رواندا، وهي مليشيات أسسها روانديون من مرتكبو جرائم إبادة جماعية عام 1994 وتؤكد رواندا أنها لن تنسحب من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلا بعد تحييد هذه القوات.
وقد شكّل هذا الشرط مصدر أحد أكبر الخلافات بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا منذ توقيع الاتفاق، إذ تُصرّ جمهورية الكونغو الديمقراطية على أن الانسحاب يجب أن يتم بالتزامن مع تحييد القوات الديمقراطية لتحرير رواندا.
وتشمل العقبات الأخرى أمام السلام الدائم بين البلدين الخلافات حول الجدول الزمني لإطلاق سراح السجناء، والخلاف بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وحركة إم-23 حول ما إذا كانت الأخيرة ستنسحب تمامًا من أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية، وخاصة من مدينة غوما الرئيسية.
في هذا الإطار، يظل نجاح الاتفاق بعيد المنال ومع ذلك يظل هناك فرصة أفضل مما كانت عليه الحال في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية لفترة.
والسؤال الآن: ما الذي يمكن فعله للاستفادة من هذه الفرصة، في ظل تعثر العديد من اتفاقيات السلام السابقة وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة؟
وفي ضوء عدم وجود جهة منفذة لأي خطة فإن السبيل الوحيد لاستمرار السلام هو أن يكون لدى كل طرف من الأطراف الرئيسية حافز اقتصادي قوي لتنفيذ الاتفاق وهو ما يجعل البعد الاقتصادي للاتفاق الأخير أمرا واعدا.
وبالنسبة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، فسيكون الحافز، استعادة السيطرة السيادية الكاملة على أراضيها، والبدء في الاستفادة من استغلال مواردها الطبيعية، التي استغلتها القوى الخارجية لفترة طويلة ولا ينبغي استبعاد رواندا من هذا النشاط.
ولدى الولايات المتحدة حافز قوي أيضًا لتطوير الموارد الاقتصادية للمنطقة بشكل كامل كوسيلة لمواجهة هيمنة الصين على المعادن الأرضية النادرة، وهي مواد خام أساسية للصناعات الحديثة.
ويجب أن تحظى رواندا أيضا بحوافز قوية بما يكفي لكبح جماح حركة إم-23 كما ستحتاج جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى بذل جهود جادة لتحييد حليفها السابق وهي القوات الديمقراطية لتحرير رواندا.
ويجب أن تشمل الرؤية الاقتصادية إنشاء شبكة من المناجم والمصافي وممرات النقل التي تمنح رواندا حصة في خطة التنمية الإقليمية الأوسع، وبالتالي حصة عادلة من الأرباح النهائية على الأقل لفترة من الوقت.
ومن المرجح أيضًا أن تقدم الولايات المتحدة والمانحون أموالًا استثمارية أولية لبناء الطرق والمصافي في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وفي رواندا، إلى جانب إقامة مناجم جديدة وتعزيز تدريب القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية وتجهيزها لتتمكن في النهاية من السيطرة على شرق البلاد.
نظريًا، قد يشمل هذا النوع من الاتفاقيات في البداية، 10 مليارات دولار من الأموال الأمريكية، و10 مليارات دولار من دول مانحة أخرى، و5 مليارات دولار من رواندا، و5 مليارات دولار من جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي البداية، قد تحصل المجموعات الأربع على نسب متساوية من الأرباح على مدار 10 سنوات بعد ذلك، قد تنخفض الحصص الأمريكية والأجنبية الأخرى، بينما تنمو حصص رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.