العرب والتعدين الأخضر.. اللعب مع الكبار
مع التوجه العالمي نحو المستقبل الأخضر للحفاظ على البيئة ومواجهة تغير المناخ والاحتباس الحراري كثر الحديث عن "التعدين الأخضر".
و"ثورة تحزين الطاقة" منطلقة مما يعرف باقتناء واستغلال المعادن الخام الحرجة.
"المعادن الثمينة" هي المحرك الأساسي للطاقة المتجددة وحجر الزاوية في الانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الكربون، والراغبون في استغلالها كثروة مستقبلية تقود نحو الطاقة النظيفة وآليات المستقبل الأخضر، تحول الأمر من استغلال لمصادر للطاقة وتحديدا المعادن إلى ما يشبه الصراع العالمي الجيوسياسي اللعب فيه الأساسي هم كبار الملوثين أو بالأحرى كبار اقتصادات العالم وعلى رأسها الصين وأمريكا والاتحاد الأوروبي وآخرون.
ولكن السؤال ما هو موقع الدول النامية والدول العربية يشكل خاص من ذلك الصراع، وهي دول لا تقل تحركا أو رغبة نحو التحول الأخضر الذي لم يعد رفاهية بل ضرورة لأزمة تفرضها المتغيرات على كوكب الأرض.
والمعادن الحرجة هي تلك المادة الحيوية للرفاهية الاقتصادية للاقتصادات الرئيسية والصاعدة في العالم، التي قد يكون توريدها معرَّضاً للخطر؛ بسبب الندرة الجيولوجية أو القضايا الجيوسياسية أو السياسة التجارية أو عوامل أخرى، لأنها بطبعتها عناصر أرضية نادرة.
وتستخدم تلك المعادن بشكل أساسي في التحولات نحو الأخضر والطاقة النظيفة لتصنيع توربينات الرياح ومحركات السيارات الكهربائية، والألواح الشمسية، كما تشتمل التطبيقات البالغة الأهمية للمعادن الحرجة على مكونات رئيسية، على غرار الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنجنيز والجرافيت، وهي عناصر مهمة في عمل البطاريات.
الطلب العالمي يخلق الصراع
تمتلك المعادن الحرجة ميزات فريدة فيزيائيا وكيميائيا تسمح بالاعتماد عليها في مجموعة متنوعة من التقنيات المتقدمة، وكثير منها أساسي في انتقال الطاقة، وتخفيف تأثيرات تغير المناخ وتطوير الجيش الأمريكي.
وتُبرز الإعلانات الأخيرة عن صفقة بين الولايات المتحدة واليابان بشأن مصادر البطاريات المعدنية وتمويل الولايات المتحدة مشروعات التعدين الكندية من خلال شراكة الأمن المعدني، الاهتمام المتزايد بتقليل الاعتماد على سلاسل التوريد التي تسيطر عليها بشكل كبير الصين بشكل خاص.
وكان من إفرازات الحرب الأوكرانية، التي اندلعت قبل نحو عام ونصف بشكل أو بآخر بروز ضعف سوق الموارد العالمية، الذي يمتد إلى ما وراء الوقود الأحفوري إلى معادن الطاقة النظيفة؛ وذلك من واقع كون روسيا – التي فُرضت عليها العقوبات الغربية نتيجة تدخلها العسكري في أوكرانيا – هي ثالث أكبر منتج للنيكل في العالم، وثاني أكبر منتج للكوبالت، وكلاهما مكونان رئيسيان في بطاريات أيونات الليثيوم، ومن ثم فإن العقوبات ضد روسيا كان من شأنها أن تؤثر سلباً على إمدادات الدول الغربية من المعادن الحرجة من روسيا.
ما زاد أهمية المعادن الحرجة تعدد استخداماتها حيث تحظى بإمكانات عالية، ولها استخدامات وتطبيقات كثيرة؛ إذ تستخدم في الفضاء وفي مكونات المفاعلات النووية، كما تعد مكوناً رئيسياً في بطاريات تدفق الأكسدة والاختزال من الفاناديوم (VRFBs)، وهو أرخص حل بوجه عام، وأطول أمداً في تخزين الطاقة المتجددة المتقطعة.
ويحتل معدن الليثيوم مركز الصدارة بين المعادن الحرجة؛ نظراً إلى استخداماته الواسعة والهامة في تكنولوجيا بطاريات أيونات الليثيوم؛ ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، فإن الطلب على الليثيوم سيتضاعف 40 مرة بحلول عام 2040، وهو أسرع نمو متوقع بين المعادن الحرجة، يليه كل من الجرافيت والكوبالت والنيكل، التي يُتوقع أن يتضاعف الطلب المحلي عليها بمعدل 20 إلى 25 ضعف الطلب الحالي.
وهنا يشار إلى أن التحركات العالمية نحو زيادة حصة المعادن الحرجة باتت متسارعة وتبرز في عدد من الأمثلة أبرزها: برنامج استكشاف طرق معالجة المعادن في أستراليا والتعاون الأمريكي الكندي وإطلاق فرنسا مرصداً مختصاً بالموارد المعدنية فضلا عن الاهتمام البريطاني ومساعي الصين لاستغلال الليثيوم والتركيز الياباني على إمدادات فيتنام من هذه المعادن.
مستقبل التعدين الأخضر "عربيا"
يبدو عالمنا العربي خارج دائرة الصراع على المعادن الحرجة رغم وجود حالة اهتمام تنبع من التوجه نحو الطاقة النظيفة والإنتاج المطابق لما يسعى إليه العالم منذ اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 وهنا تبرز بعض التجارب الملفتة نحو تعزيز قطاع التعدين شاملا المعادن الحرجة.
تأمين احتياجات الإمارات
فعلى سبيل المثال تسعى دولة الإمارات لتطوير قطاع التعدين خلال السنوات القليلة المقبلة، بهدف تعزيز الاستفادة من الثروات المعدنية وعبر إطلاق استراتيجية متكاملة، الأمر الذي يفتح مجالات استثمارية وفرص عمل جديدة في هذا القطاع الحيوي، فيما تشير بعض التقارير إلى وصول حجم القطاع في الدولة إلى نحو 36.7 مليار درهم العام 2025.
وتستعد الإمارات لتعزيز دور الاستثمارات التعدينية، بما يصب في صالح تطوير الصناعة وانتاج المعادن وتعزيز القدرات المحلية في التنقيب والإنتاج وعبر فتح المجالات أمام استقطاب استثمارات دولية.
ويعد قطاع المعادن من القطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية التي تقوم عليها صناعات حيوية أبرزها : صناعات الألمنيوم والحديد والنحاس والنيكل والليثيوم بالإضافة على المعادن الثمينة مثل : الذهب والفضة والماس فيما يعتمد القطاع على الاستثمار كثيف المال والعمالة الماهرة واستخدام أحدث التقنيات.
ووفقاً لـ"البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات"، توفر الدولة بيئة أعمال مثالية للمستثمرين لما توفره من بنية تحتية صناعية و لوجستية قوية مدعومة بالخبرات المهنية والخدمات التي تعطي الدولة ميزة تنافسية على دول أخرى وتعمل الإمارات على تعزيز هذه المكانة.
وتعمل وزارة الطاقة والبنية التحتية في دولة الإمارات، على وضع أول استراتيجية للثروة المعدنية في الدولة تحدد مستهدفات القطاع للسنوات المقبلة بالتنسيق مع الشركاء من الحكومات المحلية والاتحادية بالإضافة إلى القطاع الخاص.
وتمتلك الإمارات ثروة من العديد من المعادن منها: الألومنيوم والأمونيا والكروميت والجبس والاسمنت الهيدروليكي والجير الحي والجير المائي ودولوميت محترق والفولاذ الخام.
وتشير القرارات الحكومية والدراسات إلى توجه دولة الإمارات إلى تأمين احتياجاتها من المعادن بشكل عام ومن المعادن الاستراتيجية أو الحرجة بشكل خاص و تعزيز عمليات الاستخراج والبحث ، كما تستهدف الإمارات جذب المستثمرين المحتملين من جميع أنحاء العالم عبر وضع الأطر القانونية والتنظيمية المتعلقة بقطاع التعدين للدخول به على مرحلة التطوير.
وتعمل دولة الإمارات في اتجاه دعم الأهداف الطموحة نحو خفض استخدام الوقود الأحفوري، وتسريع انتقال الطاقة، وأن تصبح المعادن الحرجة بديلاً قوياً للوقود الأحفوري مستقبلاً.
السعودية وتعزيز سلاسل التوريد
رغم أن الخرق العربي لملف المعادن الحرجة يأتي على استحياء إلا أن الدوافع المحفزة نحو امتلاك المعادن الحرجة وزيادة حصتها تنبع من تعدد استخدامات هذه المعادن في صناعات الفضاء وبطاريات أيونات الليثيوم المفضلة لبطاريات السيارات الكهربائية والتي تدعم تحقيق أمن الطاقة و متطلبات الاقتصاد الأخضر.
السعودية أيضا ممثلة في وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر بن إبراهيم الخريف، وقعت في شهر مايو/أيار الماضي مع بريطانيا ممثلة في وزيرة الأعمال والتجارة البريطانية، عضو حزب المحافظين، كيمي بيدنوش، خطاب نوايا لتعزيز التعاون في مجال المعادن الحرجة؛ وترسيخ الالتزام بالتطوير المشترك لسلاسل توريد المعادن الحرجة اللازمة للانتقال العالمي إلى الحياد الصفري للانبعاثات الكربونية.
وأكد حينها الخريف أن السعودية والمملكة المتحدة، تشتركان في رؤية تهدف لضمان توافر المعادن اللازمة للانتقال إلى الطاقة النظيفة، مع الحفاظ على معايير الاستدامة العالية، حيث سيتيح خطاب النوايا للدولتين تنويع سلاسل التوريد للمعادن الحرجة لعدد من الصناعات كثيفة الاستخدام للمعادن، بما في ذلك تصنيع السيارات الكهربائية، والطيران، والدفاع، والطاقة المتجددة.
من جهتها، أكدت كيمي بادينوك، وزيرة الأعمال والتجارة في المملكة المتحدة أن "المعادن الحرجة تُمثل ضرورة لحياتنا اليومية، بما في ذلك السيارات الكهربائية والأجهزة الطبية وتوربينات الرياح والألواح الشمسية"، معـدّة أن توقيع خطاب النوايا مع السعودية سيعزز شراكة البلدين في تطوير سلسلة التوريد والتعاون الصناعي.
ويهدف المشروع إلى زيادة مصادر الإمدادات العالمية بالمعادن الحرجة وتنويعها، كما سيعطي الأولوية للإنتاج المستدام والمسؤول للمعادن الحرجة، والتركيز على تطوير فهم مشترك لاستراتيجيات المعادن الحرجة ومرونة سلاسل التوريد، إضافة إلى التشجيع على إحلال وإعادة تدوير المعادن الحرجة ووضع رؤية موحدة لقطاع التعدين والمعادن تتوافق مع المعايير البيئية العالمية وتعزز من حقوق المجتمعات والعاملين.
السيادة الصناعية المغربية
أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب في شهر مارس/ آذار الماضي تقريرا عنونه بــ “المعادن الاستراتيجية والحرجة: قطاع في خدمة السيادة الصناعية للمغرب”.
التقرير المغربي شدد على سعى المغرب إلى إيجاد مكان له ضمن صفوف الدول الصاعدة، تماشياً مع روح ومنطق النموذج التنموي الجديد، الهادف إلى تعزيز سيادة البلاد في المجالات الصناعية والغذائية وغيرها، وتسريع وتيرة التحول الطاقي والرقمي.
ووضع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قائمة أولية بالمعادن الاستراتيجية والحرجة التي ستكون ضرورية لتطوير المهن الإحدى عشرة المذكورة أعلاه، مع التنبيه إلى عدم وجود تعريف موحد للمعادن الاستراتيجية والحرجة، فكل دولة لها تعريفها الخاص وتضع قائمتها الخاصة.
وتم اختيار قائمة تضم 24 نوعا من المعادن الاستراتيجية والحرجة بالنسبة للمغرب، وقال التقرير إن هذه القائمة تتطلب تحديثًا منتظمًا، لتأخذ في الاعتبار التغيرات التكنولوجية والاقتصادية والجيوسياسية العالمية، ولكن أيضًا التقدم المحرز في استكشاف المعادن وتحديد الرواسب الجديدة.
يكشف فحص قائمة المغرب من المعادن الحرجة عن الكثير من الهشاشة التي تهدد استدامة الإمدادات والتي يجب معالجتها لضمان مسارات التنمية المستهدفة. وهكذا، فمن بين 24 معدنًا استراتيجيًا وحرجًا تم تحديده، يظهر اعتماد المغرب بشكل كلي على الواردات لنحو 17 منها، أي 74% من القائمة. ويتعلق الأمر بالأتربة النادرة (العناصر الأرضية النادرة) والتيتانيوم والألمنيوم والجرافيت والتنغستن والكبريت والمغنيسيت والموليبدنوم والبوتاس.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مستوى عالٍ من التركيز الجغرافي للموردين للعديد من المعادن الحرجة للمغرب، مما يزيد من تبعيته وضعفه فيما يخص الامدادات في ظل العدد المحدود للبلدان الموردة.
وينتهي تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بسلسلة من التوصيات تتمحور حول ستة مجالات ذات أولوية، والتي ستجعل من الممكن تحسين الأداء الثلاثي لقطاع التعدين بطريقة متزامنة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مع وضع المعادن الاستراتيجية والحرجة في قلب السيادة الصناعية للبلاد.
• تحسين الإطار الاستراتيجي والمؤسسي الذي يحكم الأنشطة المتعلقة بالمعادن الاستراتيجية والحرجة وتعزيز حكامة القطاع.
• إزالة المخاطر عن قطاع التعدين بالنسبة للمستثمرين وتحسين جاذبيته.
• تقوية وتعزيز إنتاجية القطاع حول البحث والتطوير، بخصوص رأس المال البشري وتنظيم المقاولات الصغيرة والمتوسطة والمقاولات الصغيرة جدا.
• تأمين سلاسل توريد المعادن الحرجة وتقليل الهشاشة فيما يخص المصادر الخارجية.
• تعزيز التقييم الوطني للمعادن الاستراتيجية والحرجة من أجل تحديد موقع أفضل في سلاسل القيمة.
• تعزيز الطابع الشامل والمستدام لقطاع التعدين.
ثورة تخزين الطاقة
تتجه التوقعات نحو تنامي الحاجة لبعض المعادن الحرجة وعلى رأسها الليثيوم مستقبلاً، في تشغيل معظم المركبات وأنظمة تخزين الطاقة، لدى النظم الغربية على وجه التحديد، لذا أضحت المعادن الحرجة نتيجة لذلك، فرصة مثالية لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، بعد عقود من الاعتماد على الوقود الأحفوري، بما يحقق الانتقال العالمي بعيداً عن الوقود الأحفوري.
ومع إعلان 137 دولة اعتبارًا من يونيو 2022 دولة بتحقيق صافي الصفر أو الوصول إلى الحياد الكربوني – فإن الاهتمام بزيادة حصة الدول من المعادن الحرجة يأتي حلاً وضرورة ملحة لدعم ذلك الهدف، ولتسهيل الانتقال إلى أنظمة طاقة أكثر استدامة.
وتعد دول مثل الكونغو الديموقراطية، التي تزود العالم بأكثر من 70% من الكوبالت في العالم، وإندونيسيا التي تعتبر أكبر منتج للنيكل، لاعبين رئيسيين في سلسلة توريد المعادن الحرجة، لكن الدول الغربية لا تنظر إلى كل منهما باعتبارها مصدراً موثوقاً على المدى الطويل.
وتفرض التقلبات السياسية والأمنية لدى المنتجين الرئيسيين للمعادن الحرجة على القوى الدولية المختلفة ضرورة تطوير إمداداتها الخاصة من المعادن الحرجة؛ لتجنب التخلف عن التحول العالمي للطاقة وتحقيق أهدافها المناخية الطموحة، والحفاظ على أمن الطاقة لديها، وهو ما يجب أن تلتفت إليه الدول العربية وتضعه على رأس أولويات تطوير قطاعات التعدين والمستقبل الأخضر.
وأصبح لزاما على الدول العربية والنامية بشكل عام مع خوض معركة المناخ والثورة الصناعية الرابعة ـ بتقنياتها المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي الدافع لإزالة الكربون، والمعركة من أجل التفوق التكنولوجي العالمي تطوير قطاع المعادن الحرجة مثل عناصر الأتربة النادرة، والليثيوم، والكوبالت، بينما يتزايد السعي نحو السيطرة على سلاسل التوريد الخاصة بهذه العناصر.
أرقام التعدين الأخضر
تُعد الكونغو والصين مسؤولة عن 70% و60% من الإنتاج العالمي للكوبالت والعناصر الأرضية النادرة، على التوالي، في عام 2019، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
وقالت الوكالة -التي تتخذ من باريس مقرًا لها في تقرير حديث لها إن أمريكا اللاتينية تمثّل 40% من إنتاج النحاس العالمي، بقيادة تشيلي وبيرو والمكسيك.
وتمتلك المنطقة، التي توفر 35% من الليثيوم في العالم، أكثر من نصف احتياطيات الليثيوم العالمية، وتقع بصورة أساسية في الأرجنتين وتشيلي.
وقالت مجموعة الـ7 إنها تخطّط لتطوير مناجم جديدة وسلاسل إمداد للمعادن الحيوية بطريقة "مسؤولة" تعزّز الشفافية وإمكان التتبع لتلبية الطلب المتزايد.
وأضافت: "نستكشف طرقًا للدعم التعاوني لاكتساب المعادن المهمة، إذ تصبح المنافسة على هذه الموارد النادرة أكثر كثافة، وندعم الجهود أو المبادرات الرائدة".