سرقة جواهر التاج البريطاني.. حكاية «المحتال الأعظم»

في التاريخ الملكي البريطاني، حيث تتداخل الأسطورة بالواقع وتُحاط الكنوز بهالة من القداسة والقوة، تبرز واحدة من أعجب وأجرأ محاولات السرقة
وفي الحلقة الافتتاحية من السلسلة المصغّرة الجديدة ضمن بودكاست (ملوك وملكات وأحداث شريرة)، روى المؤرخان روبرت هاردمن وكيت ويليامز، كيف خطط رجل يُدعى الكولونيل بلَد، أحد أكثر الشخصيات غموضًا في التاريخ البريطاني، لعملية جريئة لسرقة أغلى ما تملكه المملكة: تاج القديس إدوارد، وصولجان السيادة، والجرم الذهبي.
لم تكن هذه مجرد محاولة سرقة، بل مسرحية متقنة نسجت خيوطها بين التنكر والخداع والسياسة، وانتهت بعفو ملكي غامض أثار دهشة المؤرخين حتى يومنا هذا.
جواهر ثمينة
تُعد جواهر التاج من أثمن المقتنيات التي تحتفظ بها العائلة الملكية البريطانية، وهي معروضة بشكل دائم في برج لندن، حيث تجذب أنظار الزائرين لما تحمله من رموز احتفالية تُستخدم خلال حفلات تتويج الملوك والملكات.
تضم هذه المجموعة التاريخية تاج القديس إدوارد، المصنوع من خمسة أرطال من الذهب الخالص، بالإضافة إلى "صولجان السيادة" المرصع بماسة "نجمة أفريقيا الكبرى"، التي تُعد أكبر ماسة صافية مقطوعة في العالم.
وتُقدّر قيمة هذه المجموعة بين 3 و5 مليارات جنيه إسترليني، لكن قيمتها الحقيقية لا يمكن تحديدها بدقة نظراً لأهميتها التاريخية والثقافية التي تفوق أي تقدير مادي.
وتعود أصول معظم هذه القطع إلى فترة ما بعد عام 1660، حين أعيدت الملكية البريطانية بعد وفاة أوليفر كرومويل، الذي كان قد دمّر أو باع جزءًا كبيرًا من الجواهر الأصلية، معتقدًا أنها تمثل مظهرًا فاحشًا للثروة يتعارض مع معتقداته الدينية المتشددة.
وبعد عقد من الزمن على تتويج الملك تشارلز الثاني في عام 1661، خطط لص شهير يُدعى الكولونيل توماس بلَد لعملية جريئة لسرقة هذه الجواهر.
وُلد توماس بلَد في إيرلندا عام 1618، وكان جنديًا وأرستقراطيًا قاتل في البداية إلى جانب الملكيين خلال الحرب الأهلية الإنجليزية، لكنه غيّر ولاءه لاحقًا وانضم إلى قوات كرومويل، مما أكسبه مكافآت سخية من الأراضي في إيرلندا.
وأطلق على نفسه لقب كولونيل رغم عدم وجود دليل رسمي على حصوله على هذه الرتبة. ومع عودة الملكية، قرر أن يتحول إلى متمرد دائم، وشارك في مؤامرة للسيطرة على السلطة في إيرلندا لكنها فشلت، مما جعله من بين أبرز المطلوبين.
وظل بلَد مختبئًا لسنوات، وبدأت الأساطير تنسج حوله، حتى ظهر مجددًا في لندن عام 1671 متخفيًا بهيئة قس يُدعى "الدكتور ألف"، برفقة ممثلة تظاهرت بأنها زوجته.
كوّن بلَد صداقة مع تالبت إدواردز، حارس جواهر التاج المسن البالغ من العمر 77 عامًا، حتى توطدت علاقتهما إلى حد الحديث عن زواج محتمل بين ابنة إدواردز غير المتزوجة وابن شقيق "ألف".
وفي 9 مايو/أيار 1671، زار بلَد الحارس برفقة "ابن شقيقه" وطلب رؤية جواهر التاج، وبعد موافقة إدواردز، ظهر أن "ألف" كان زعيم عصابة مسلحة من اللصوص. قاموا بضرب الحارس العجوز بمطرقة على رأسه وشرعوا في سرقة ما يمكنهم حمله.
أحد أفراد العصابة خبأ الجُرم الذهبي في سرواله، بينما استولى بلَد على تاج القديس إدوارد وسحقه في محاولة لتصغير حجمه.
لكن أثناء محاولتهم الفرار، أوقفهم ابن الحارس وتم القبض على بلَد، الذي كشف عن هويته لاحقًا في السجن.
وبطريقة مدهشة، طلب بلَد مقابلة شخصية مع الملك تشارلز الثاني، وأقنعه بالعفو عنه وإعادة أراضيه في إيرلندا.
ويعتقد المؤرخون أن شهرة بلَد، خاصة في أوساط العامة الذين رأوه كبطل قومي إيرلندي، كانت السبب السياسي وراء هذا العفو.
واشتهر بلَد بلقب "المحتال الأعظم"، وظل شخصية مثيرة للجدل حتى وفاته عام 1680.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTYg
جزيرة ام اند امز