الأمن السيبراني.. ملتقى أبوظبي الاستراتيجي يرسم مستقبل السياسة الدولية
أكد المتحدثون في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثامن على دروس التاريخ، وأهميته في مواجهة تحديات الواقع، والمستقبل. وأجمعوا على ضرورة خلق ثقافة سيبرانية يمكن من خلالها تعزيز الفرص، والاستجابة بشكل فاعل للتحديات التي تواجه الأمن السيبراني.
وناقشت الجلسة الثانية من الملتقى التغيرات التي طرأت على المفاهيم السابقة للأمن الدولي نتيجة التحولات المتعلقة بالأمن السيبراني.
كما ناقشت إشكالية حقوق الأفراد، وحدود الحريات الفردية التي يمكن ضمانها. وجرى التأكيد على أهمية العمل الجماعي، ومتعدد الأطراف سواء داخل الدولة الواحدة، أو في الإطار العالمي الأوسع.
وأشار المتحدثون إلى النمو المتسارع للتكنولوجيا، فالميتافيرس ستكون لها تداعيات كبيرة على المجتمعات والأفراد، والأمر لا ينحصر في الواقع المعزز، وهناك تدفق متزايد للمعلومات التكنولوجية، والعلم ليس مستعدا لكل هذا، ومن هنا تأتي أهمية الاستشراف.
وعلى المستوى الوطني سعت الإمارات إلى بناء ثقافة سيبرانية مجتمعية، عبر تعزيز الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص، ومختلف القطاعات الاجتماعية، والمؤسسات التعليمية. وتبنت خلال السنوات الماضية العديد من استراتيجيات التحول الرقمي والتكنولوجي، ومن بين مشاريع الخمسين التي أعلن عنها مؤخراً كان للاقتصاد الرقمي، وللأمن السيبراني أهمية كبيرة حاضرة في رؤية الإمارات المستقبلية.
وقال محمد حمد الكويتي رئيس الأمن السيبراني في حكومة الإمارات إن "التطور الحاصل في تقنيات الفضاء السيبراني وفر العديد من الفرص لكنه في المقابل وضعنا في مواجهة مخاطر جمة، ثمة اعتداءات سيبرانية تحدث كل يوم؛ ما يضعنا أمام مسؤولية متزايدة تجاه أمن الأفراد والمؤسسات في المجال السيبراني".
وتابع: "تنبع أهمية الأمن السيبراني بطبيعة الحال من أهمية البيانات التي لو تعرضت للانهيار أو الضرر لا سمح الله فقد لا يمكن جبران خسائرنا. لا شك أن الشركات، وحتى الأفراد اليوم شركاء أساسيين في الأمن السيبراني، وعليهم الاستمرار بلعب دور أكبر في حماية بياناتهم".
وأشار أنه "لدينا في الإمارات خطة للانتقال من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الذكية، وفي ضوء التحول نحو التعليم عن بعد، والعمل الافتراضي، باتت مسألة الذكاء، والحماية ضرورة ملحة للاستمرارية والاستدامة. لدى دولة الإمارات خطط طموحة للغاية للتوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي وتطوير تطبيقاته المختلفة، لكن الكثير من البنى التحتية للذكاء الاصطناعي تم استخدامها على مستوى العالم لأغراض غير مشروعة؛ ما يضعنا أمام مسؤولية مضاعفة، والتكنولوجيا بطبيعة الحال لطالما كانت سيفا ذو حدين".
وأشار إلى أن "دولة الإمارات سعت إلى بناء ثقافة سيبرانية مجتمعية، عبر تعزيز الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص، ومختلف القطاعات الاجتماعية، والمؤسسات التعليمية. وتبنت دولة الإمارات خلال السنوات الماضية العديد من استراتيجيات التحول الرقمي والتكنولوجي، ومن بين مشاريع الخمسين التي أعلن عنها مؤخراً بمناسبة مرور خمسين عام على تأسيس الاتحاد كان للاقتصاد الرقمي، وللأمن السيبراني أهمية كبيرة حاضرة في رؤية الإمارات المستقبلية".
من جانبه، قال فابيو روج مدير مركز الأمن السيبراني في معهد الدراسات السياسية الدولية بإيطاليا إنه "تم إنشاء الفضاء السيبراني بطريقة عشوائية كما نعرف، لكنه أصبح عنصراً غاية في الأهمية في الأمن الوطني، والأمن العالمي، والعودة للتاريخ مهمة للغاية في فهم الواقع، والتخطيط للمستقبل".
وتتطلب المخاطر السيبرانية- بحسب روج- مرونة عالية، وقدرة على التوقع، والاستشراف، والبقاء متحفزين دائماً. ولا شك أن الفضاء السيبراني هو فضاء متداخل، لا يمكن معه التوقع بشكل موثوق عن نوع الخطر القادم، ولذلك لا بد من تعزيز الإجراءات الاحتياطية بشكل مستمرّ (الردع من خلال المنع).
وأشار إلى أن "الأمن السيبراني غير مفاهيمنا السابقة للأمن الدولي، والأمن الوطني، وكمثال على ذلك، تضطر دول كبرى مثل الولايات المتحدة إلى اتباع المزيد من الطرق غير التقليدية لمنع الهجمات السايبرية أو تقليلها. ويفكر البعض في ضرورة تحييد سلاسل التوريد عن المخاطر السايبرية المتنامية حتى لا تتضرر التوريدات بشكل رئيس في حال حدوث هجمات سيبرانية واسعة النطاق".
وفي إطار تعزيز الوعي بالمخاطر الجديدة وسبل الاستجابة لها، ينبغي الإشارة إلى أهمية ملتقيات مثل "ملتقى أبوظبي الاستراتيجي" من حيث أنها ترفع الوعي بالمخاطر المستجدة والنامية، وتضع أمام صانعي القرار المزيد من الخيارات والبدائل التي تستجيب للتحولات المتسارعة، بحسب روج.
أما جان مارك ويكلي مدير برنامج المخاطر الناشئة والعالمية في مركز جنيف للسياسات الأمنية فقال إن "ما نشهده اليوم هو تحول باتجاه الرقمنة، ومنظومة التقنيات الناشئة. لقد باتت الشركات الخاصة بالرقمنة تمتلك أكبر الثروات في العالم، وازدادت ثروة هذه الشركات خلال العام الماضي بوتيرة سريعة جداً، تحت تأثير التحولات التي رافقت الجائحة،".
وتابع: "ولعله من اللافت ربما أن أثرى عشرة أشخاص في العالم جميعهم مرتبطون بشركات الرقمنة هذه. وتتنافس هذه الشركات على تخفيض التكلفة، مما يزيد من عدد الأشخاص الذين يستخدمون التكنولوجيا، لكن هذا ينطوي بالطبع على مخاطر كبيرة. وعلى سبيل المثال كان داعش أول تنظيم بدأ استخدام تقنيات التواصل الاجتماعي لمضاعفة القوة، وهذا يشكل مثالا على المخاطر التي يمكن أن يخلقها هذا التقدم التكنولوجي في مجال التواصل الاجتماعي، وتعد الهجمات بالطائرات المسيرة أيضا مثالا آخر على المخاطر الجديدة للتكنولوجيا".
ولفت إلى أن "هناك تمايز بدأ يتضح بشكل متزايد بين النموذجين الصيني والأمريكي، لا يقتصر على أطر الحوكمة، بل يشمل أنماط التطور التكنولوجي، وخرائط القيم، والأهداف المتعلقة بالفضاء السيبراني، ويتخذ هذا التنافس بين القوتين أبعاداً أعمق، تتخطى مسألة توفير التقنيات الحديثة، ومسائل الأمن السيبراني، إلى التأثير على خريطة التحالفات السياسية في المجتمع الدولي، وكمثال على ذلك يمكن الإشارة إلى التحذيرات الأمريكية التي وجهت لبعض الدول مثل الإمارات، من عواقب توثيق صلات التعاون مع الصين في المجال الرقمي والسيبراني".
بدوره، قال هادي صالح أستاذ مشارك في قسم هندسة البرمجيات بالكلية العليا للاقتصاد في موسكو إنه "يمكن أن يستخدم الذكاء الاصطناعي بطبيعة الحال في الحماية من المخاطر السيبرانية، لكنه أيضا سيكون متاحا للمهكّرين، والمهاجمين، ولذلك يجب وضع حلول تستجيب للمرحلة الحالية، ومرحلة ما بعد الجائحة، حيث الاستخدام المتزايد يتطلب حلول مبتكرة، وأكثر فاعلية، كما ينبغي العمل على تطوير البنية التحتية للتناسب مع المرحلة الجديدة".
واستطرد قائلا: "وهناك أهمية خاصة لعمليات التدريب، والتوعية، وربما حان الوقت لتحويل الأمن السيبراني إلى ثقافة اجتماعية عامة، وربما يتعين على مختلف المؤسسات لعب دور أكبر في نشر هذه الثقافة، وسيعتين على المدارس والجامعات بشكل خاص لعب دور أكبر في هذا الإطار".
وتابع: "لا شك أن تنوع وتعدد التكنولوجيات أمر مساعد، ومطلوب عالميا، لكن لا ننسى أن الثغرة بين الأفراد والمؤسسات باتت أقل، واليوم يستطيع مهاجمون على مستوى الأفراد أيضا خلق تهديدات على نطاق واسع".
وشدد على أن "التعاون الدولي والعمل الجماعي في مجال الأمن السيبراني ضرورة أساسية، لكن أيضا يجب علينا إدراك أهمية العمل في إطار الأمن الوطني، فلكل دولة مصالحها، وتعريفها الخاص لما هو مسموح أو ممنوع، وبالتالي من الضروري العمل في النطاق الوطني لكل دولة عندما يتعلق الأمر بالأمن السيبراني".
aXA6IDE4LjExOS4xMjUuMjQwIA== جزيرة ام اند امز