عبر "سرقة" ركام الحرب بالعراق.. مليشيات إيران تموّل إرهابها
جمعت مليشيات "الحشد الشعبي" التابعة لإيران ملايين الدولارات بعد سيطرتها على تجارة خردة الحديد بالبلاد من مخلفات الحرب
ترك تنظيم داعش الإرهابي بعض المدن العراقية في حالة يرثى لها، منازل ضربت بالقذائف ومحلات حطمت، وسيارات فخخت، وعقب تحريرها، انتظر أهلها إعادة الإعمار، إلا أن مليشيات تابعة لإيران استولت على ما تبقى من ركام الحرب لتموّل عملياتها وإرهابها.
وتشق عشرات من الشاحنات الكبيرة المحملة بآلاف الأطنان من خردة حديد أنقاض مدن الموصل والأنبار وصلاح الدين (شمال العراق) طريقها يوميًا نحو إيران عبر طريقين، أحدهما من مدينة السليمانية في كردستان العراق والآخر من البصرة في الجنوب.
ووفق نواب وسياسيين عراقيين فإن مليشيات "الحشد الشعبي" التابعة لإيران جمعت ملايين الدولارات بعد سيطرتها على تجارة خردة الحديد بالبلاد من مخلفات الحرب من السيارات المنفجرة والآليات المحترقة وأنقاض البيوت منذ انتهاء المعارك في يوليو/ تموز ٢٠١٧.
ويشكو تجار الخردة من كونهم لا يستطيعون ممارسة عملهم بسبب احتكار المليشيات الإيرانية لسوق الخردة، وتنفيذ عمليات قتل واعتقال لكل من لا يرضخ لها من باعة وتجار الخردة في الموصل والمناطق الأخرى.
وكشفت مصادر أمنية عراقية لـ"العين الإخبارية" أن فصائل الحشد الشعبي تتقاسم هذه الخردة فيما بينها، فكل فصيل من الفصائل الكبيرة يسيطر على منطقة من المناطق، وينقل الخردة والركام الموجود فيها عبر كردستان والبصرة إلى طهران.
وتشير إلى أن جزءًا من هذه الخردة تباع لعدد من مصانع الصلب والحديد المحلية، أما معظمها فتنقل إلى داخل الأراضي الإيرانية، حيث تشتريها إيران بأسعار زهيدة لا تتخطى 10 دولارات للطن، ثم تعيد بيعها للعراق مرة أخرى بثمن غالٍ لتمول بها عملياتها الإرهابية في العراق والمنطقة.
وتشرف مليشيا الحرس الثوري الإرهابية على عمليات نقل الحديد من العراق إلى إيران والاتجار فيها، حيث تدخل هذه الكميات الكبيرة من الخردة في صناعة قضبان الحديد المستخدمة للبناء وفي صناعة السيارات والأسلحة الإيرانية، ومن ثم تعيد إيران بيعها إلى العراق بأسعار باهظة جدا.
وتشترط إيران أن يكون التعامل بالدولار الأمريكي كي تحصل على كميات كبيرة من العملة الصعبة بعد العقوبات الأمريكية على النظام الإيراني التي تستهدف قدرة إيران على شراء الدولار والذهب والمعادن الثمينة والصلب والسيارات.
وحسب معلومات مسؤولين عراقيين، عمدت إيران الفترة الماضية إلى تعطيل تشغيل أي مصانع حكومية أو أهلية كي يعتمد العراقيون على منتجاتها، ومن ثم تجد سوقا لتهرب به من الحصار الاقتصادي المفروض عليها.
فبعد سقوط نظام حزب البعث في العراق عام ٢٠٠٣، كان العراق يمتلك أكثر من ٣٠٠ مصنع حكومي و١٠ آلاف مصنع تابع للقطاع الخاص، وكانت هذه المصانع تساهم، وفق إحصائيات وزارة الصناعة والمعادن العراقية، بنحو ١٤٪ من الاقتصاد العراقي، لكنها توقفت عن العمل بأوامر من إيران ومليشياتها ليبقى الاقتصاد العراقي خاضعا لنظام طهران.
رئيس حزب الأمة العراقية، مثال الآلوسي، قال لـ"العين الإخبارية": "إن خردة الحديد في المدن المحررة من داعش في العراق ناجمة عن احتراق السيارات المملوكة وغالبيتها للمواطنين أو للدولة العراقية أو بقايا المعادن، وهي ممتلكات خاصة للشعب الذي عانى الأمرين على يد تنظيم داعش الإرهابي، إلا أن المليشيات استولت عليها".
وأوضح أن أهالي الموصل مازالوا يعانون من الإهمال المتعمد من قبل إدارة المحافظة، ويعانون الترهيب الهمجي الطائفي على يد المليشيات التابعة لنظام طهران.
وتابع: "ما يجري في الموصل هو تكرار لما جرى في مدن أخرى من سرقة لمصفى البيجي ومنشآته، وعمليات سرقة النفط وتهريبه إلى إيران سابقا، والآن يحاولون تحويل كل ما يقع تحت أيديهم لتحويلها إلى دولار لتغطية مصاريف نفقات التخطيطات المسلحة التي تعتمدها وما ستنفذه الأطراف التابعة للإرهابي قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني".
وتعرضت مصفاة بيجي النفطية، التي تعد الأكبر في العراق إلى خراب شمل أغلب مفاصلها، إثر القتال الذي وقع فيها خلال سيطرة تنظيم "داعش" عليها في صيف 2014، ومحاولة استعادتها من قبل السلطات العراقية.
وباتت بغداد تستورد من إيران نحو 200 ألف برميل نفط يومياً، بعد توقف مصفاة بيجي (تنتج نحو 180 ألف برميل يومياً).
وتسيطر مليشيات "العصائب" و"النجباء" و"بدر" و"حزب الله" على تجارة الخردة وتهريبها إلى إيران للحصول على أموال لتمويل نشاطاتها الإرهابي ومساعدة طهران في الحصول على كميات كبيرة من العملات الصعبة.
وتمارس هذه المليشيات الإرهاب مستغلة سيطرتها على الملف الأمني في غالبية محافظات العراق ماعدا محافظات إقليم كردستان.
وظهرت أغلب هذه الفصائل المسلّحة على الساحة العراقية، في نهاية يونيو/حزيران 2014، بعد فتوى المرجعية في النجف (جنوب)، علي السيستاني، ثم انضوت بعدها تحت مظلّة ما يسمى بالحشد الشعبي، ويبلغ عدد قواته 130 ألف مقاتل و45 فصيلا.
من جهته، قال محافظ نينوي (شمال) السابق، أثيل النجيفي، إن عمليات نقل الخردة من الموصل تهدف إلى تدمير المدينة بشكل متعمد وتحويلها إلى أنقاض.
وأوضح النجيفي لـ"العين الإخبارية" أن أهالي الموصل لاحظوا منذ اليوم الأول لتحرير المدينة أن منازلهم وعماراتهم لم تكن مهدمة بهذا الشكل، كانت هناك رشقات بسيطة من الرصاص على واجهات الأبنية وآثار سقوط بعض القذائف هنا وهناك.
قبل أن يستدرك: "لكن عندما مُنع الناس من العودة إلى دورهم في الأيام الأولى من التحرير بحجة تطهير المدينة من المتفجرات، خلال هذه الفترة حولت المدينة القديمة وسط الموصل إلى أنقاض وخردة ومن ثم بيعها".
وأشار إلى أن عمليات تحويل الموصل إلى أنقاض وخردة شملت أيضًا بعض المعامل الحكومية التي تعرضت إلى قصف بسيط بقذائف الهاون وهي معامل ضخمة وكبيرة، بيع حديدها كأنقاض.
ولفت إلى أن "عملية نقل الخردة من الموصل عملية فساد كبير جدا ساهمت في تدمير المدينة وتحويلها إلى الركام الذي نراه اليوم، والجهة التي أُطلقت يدها في المدينة للعمل بدون رقيب هي المسؤولة عن هذا الشيء".
بدوره، اتهم وزير التربية السابق، محمد إقبال الصيدلي، النائب عن الموصل في مجلس النواب العراقي، المسؤولين العراقيين بإبداء الموافقة على عمليات نقل وتهريب الحديد من الموصل.
وبين الصيدلي، في تغريدة له نشرها على صفحته في تويتر، الشهر الماضي، أن "سبعة ملايين طن من الحديد نُقلت وهُربت من نينوى، وسبعة ملايين طن من الركام والأنقاض لا تزال على وضعها في المدينة؟! والجثث لا تزال تنتظر من يكرمها بالدفن؟".
وطالب النائب رئيس الوزراء بإيقاف ما وصفه بـ"المهزلة"، مبينا أن "إيقافها من مسؤوليات رئيس الوزراء المباشرة".
وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت، في العاشر من يوليو/تموز 2017، استعادة السيطرة على كامل الموصل، بعد 9 أشهر من المعارك الدامية التي بدأت في شرق المدينة وصولاً إلى غربها، حيث دارت حرب ضروس أدت إلى دمار كبير، خصوصاً في المدينة القديمة بالجانب الأيمن من محافظة نينوى.