ذئاب "داعش" المنفردة.. منعها خير من صيدها

خبير بتكنولوجيا المعلومات ورئيس سابق للجنة الفتوى الأزهر، اتفقا على أن تضافر الجهد الأمني مع الفكري يمكنهما منع ظهور الذئاب المنفردة
قبل نحو 4 أعوام استنفر أبومحمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم داعش الإرهابي حينها، أي مقاتل أو نصير لمواجهة التحالف الدولي ضد داعش، الذي وصفه بـ"الحملة الصليبية".
وذهب مراقبون حينها، إلى أن هذه الدعوة تهدف إلى استنهاض ما يعرف بـ"الذئاب المنفردة" لتنفيذ عمليات نوعية، بعد أن أصبح التنظيم عاجزا عن تنفيذ عمليات منظمة يوقع بها عشرات الضحايا، بسبب إحكام الأمن قبضته.
ومصطلح الذئاب المنفردة، يعني قيام شخص أو مجموعة، لا يخضعون للتنظيم الإرهابي تنظيميا، ولكن يؤمنون بأفكاره، بالتخطيط والتنفيذ لبعض العمليات الإرهابية استنادا إلى إمكاناتهم الذاتية، ليقوم التنظيم بإعلان تبنيه العملية، وهو ما حدث في هجوم لندن الأخير.
وإذا كان البعض يتساءل كيف نجح التنظيم الإرهابي في تنفيذ عملية إرهابية في منطقة البرلمان البريطاني في قلب لندن، التي توصف بأنها الأكثر تأمينا في بريطانيا، فإن دراسة دولية نشرت في يناير 2016 لميشيل حنا الحاج، الباحث بالمركز الأوروبي العربي لدراسات مكافحة الإرهاب، ربما تجيب على هذا السؤال.
الحاج الذي توقع في دراسته، أن يكون إرهاب داعش القادم بواسطة الذئاب المنفردة، ذهب إلى أن ذلك يعد في حد ذاته انعكاسا لنجاح الأمن في إحكام قبضته على التنظيم.
ويقول الباحث في دراسته، إن نجاح الأمن يزيد من اضطرار التنظيم إلى اتخاذ موقع الدفاع، لكنه في الوقت ذاته يريد أن يبقى في الصورة، فتكون وسيلته هي "الذئاب المنفردة" التي اقتنعت وتبنت أفكاره، دون أن تنخرط في صفوفه.
ويتسق ما ذهب إليه الحاج مع وصف مصطفى فيلد، رئيس منتدى الإيمانيات في لندن، للهجوم الذي شهدته العاصمة البريطانية، الأربعاء، وراح ضحيته 4 قتلى.
فيلد حرص على وصفه بـ"الهجوم الجبان"، وقال في تصريحات لشبكة (سي إن إن) "الهجوم لم يكن معقدا، فهو قيادة سيارة ودهس أطفال ومدنيين وطعن شرطي بسكين.. لا شيء في ذلك يعتبر معقدا، بل هو هجوم يائس ويعكس فشلهم".
ومنذ التفجيرات الانتحارية التي هزت العاصمة البريطانية لندن في 2005، تلقت الشرطة البريطانية كثيرا من التدريبات استخدمت فيها أحدث الوسائل الأمنية التي مكنتها من إحباط أي هجوم منظم، لكنها في المقابل أخفقت في وقف هجمات منفردة تكررت منذ عام 2013، لم يستخدم أصحابها سوى سيارات وأدوات حادة وإرادة وتصميم على القتل، وهو ما يضع تحديا كبيرا أمام الأمن.
وسائل التواصل الإجتماعي
ويتفق خبيران استطلعت "العين" آراءهما على أن مواجهة هذا التحدي لا تكون بالطريقة الأمنية التقليدية، مشيرين إلى أن المواجهة يجب أن تتضافر فيها الجهود الأمنية مع جهود أخرى لنشر الفكر الإسلامي الوسطي.
ويبرز في الجانب الأمني، الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الفكر المتطرف، وتظهر مطالبات في هذا الإطار بضرورة تعقب المواد التي تنشر عبرها لمطالبة القائمين على تلك الوسائل بإلغائها، وهو ما يراه خبير تكنولوجيا المعلومات المهندس وليد حجاج "مستحيلا".
ويقول حجاج الملقب بـ"صائد الهاكرز" ما أن تلغي لهم مادة، حتى يتم رفعها من جديد، ولذلك فإن الحل الأمثل أمنيا من وجهة نظره هو الاستفادة مما تتيحه المواد المنشورة للتنظيمات الإرهابية من معلومات.
وكانت دراسة أعدها حجاج، قد كشفت عن أن الإنترنت يقدم فيضا معلوماتيا لأجهزة الأمن عن التنظيمات الإرهابية، من حيث استخدامه نشر الفكر الإرهابي، والتواصل بين الإرهابيين وتدريبهم وتجنيدهم، وكذلك استخدامه في الاستطلاع، حيث يستغل الإرهابيون المعلومات المتاحة عليه، مثل الخرائط وجداول مواعيد الهبوط وإقلاع الطائرات، وخرائط محطات مترو الأنفاق، كما تستغله الجماعات الإرهابية في الحصول على دعم مادي من مؤيديها الذين لا يشاركون في العمليات بشكل مباشر.
التعايش باسم الدين
وبالتوزاي مع الاستفادة الأمنية من هذا الفيض المعلوماتي، يجب في المقابل أن تكون هناك جهود لنشر الفكر الإسلامي الوسطي.
وبينما ينشر التنظيم المتطرف أفكارة الإرهابية تحت عنوان "القتل باسم الدين"، نحتاج إلى مواجهته بشعار "التعايش باسم الدين".
وينبغي للتسلح بأدوات المواجهة في هذه المعركة الفكرية بدراسة أساليب الدعاية التي يستخدمها تنظيم داعش الإرهابي، والتي تستخدم فيها الآيات القرآنية بشكل كبير.
وخرج عن مركز "كارتر" للدراسات دراسة حملت عنوان "بروباغندا داعش"، توصلت إلى أن التنظيم الإرهابي يتعامل مع الوحي وفق ما أسمته الدراسة بـ ثنائية “التثبيت والإلغاء”.
وشرعت الدراسة تشرح ما تعنيه بهذا المفهوم، حيث أثبتت أنها تعمد على تثبيت فكرة أن القرآن الكريم كتاب قتال وجهاد وترهيب وتكفير، فلا يسمع من آياته لدى هذه الجماعة الإرهابية إلا من قبيل {فاقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم} أو {وقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم} {واعدوا لهم من استطعتم من قوه ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين}.. إلى آخره من الآيات التي تدعو إلى الحرب والقتال، والتي يرجح أن عددها لا يتجاوز 70 آية في القرآن الكريم.
وتقول الدراسة، إن من نتائج ذلك أنه يثبت في ذهن المسلم البسيط وربما حتى المتفوق دراسيا أنه متخاذل عن نصرة الله ورسوله ودينه، لكون الجماعات الإرهابية قامت منهجيا بتثبيت فكرة واحدة في ذهنه؛ وهي أن القرآن الكريم كتاب قتال، ذو معجم عسكري وجهاد مسلح.
وفي المقابل، يعمل التنظيم الإرهابي على إلغاء متعمد للآيات الداعية إلى التعايش ومكارم الأخلاق والدفع بالتي هي أحسن، والجنوح للسلم والإصلاح في الأرض وإكرام اليتيم والمسكين وإطعام الأسير، والوفاء بالعهد والعدل، وهو الجانب الأعظم من القرآن الكريم عدديا، وتناهز عدد الآيات المتبقية ما عدا آيات القتال 6166 آية بما نسبته من مجموع القرآن الكريم 98.87%.
أدوات العصر
ويرى عبدالحميد الأطرش، الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر الشريف، أن هناك تقصيرا واضحا في فضح هذا التشويه الداعشي للقرآن الكريم، والذي وصفه بأنه يعتمد "منهجا انتقائيا في تعامله مع نصوص الوحي تكريسا لمنطق مخالف لفلسفة الإسلام في بناء العلاقات البشرية بين المجتمع المسلم ومع الآخر غير المسلم بوجه عام".
ومع تقدير الرئيس السابق للجنة الفتوى لدور المنابر في هذا الإطار، إلا أنه يراها بمفردها سلاح ضعيف.
ويضيف: "نحن لا نستعد للعدو الآن بالسيف والفرس، بل نستعد له بأدوات العصر من دبابات وطائرات، وكذلك في هذه الحرب يجب استخدام أدوات العصر من الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، لمقارعة الفكرة بالفكرة والحجة بالحجة".
ويقترح في هذا الإطار إنتاج فيديوهات يتحدث فيها رجال دين معتدلون لهم قبول بين فئة الشباب، وأن يستخدم في إنتاجها كاميرات متطورة، كالتي يستخدمها التنظيم الإرهابي.
ويؤكد الأطرش، ضرورة الإنفاق على تسويق هذه الفيديوهات في مواقع التواصل الاجتماعي كي تصل إلى عدد كبير من الشباب.
كما طالب بضرورة نشر أفكار التعايش والتسامح السلمي من خلال صفحات على فيسبوك وحسابات بموقع تويتر، تشرف عليها الجهات الرسمية، ويقوم عليها شخصيات مقبولة لدى فئة الشباب.
ويتفق خبير تكنولوجيا المعلومات والرئيس السابق للجنة الفتوى الأزهر على أن تضافر الجهد الأمني مع الفكري يمكنهما أن يمنعا ظهور الذئاب المنفردة، ليكون ذلك أفضل بكثير من ظهورها ثم اصطيادها بعد أو أثناء حدوث الكارثة.
aXA6IDMuMTM3LjIwMy41MyA=
جزيرة ام اند امز