بناء السدود في لبنان.. قنبلة زلزالية موقوتة (خاص)

كشفت دراسة جديدة نشرتها دورية "الجيوميكانيكا للطاقة والبيئة"، عن المخاطر الكبيرة التي قد يشكلها بناء السدود في لبنان على النشاط الزلزالي.
واعتمدت الدراسة، التي أجراها باحثون من قسم الجيولوجيا بكلية الآداب والعلوم بالجامعة الأمريكية في بيروت، على نماذج محاكاة ثنائية وثلاثية الأبعاد للتحليل الجيولوجي.
وتوصلت الدراسة إلى أن مشروع بناء سد يمكن أن يؤدي إلى زيادة احتمالية وقوع زلازل في منطقة تُعتبر بالفعل من المناطق ذات النشاط الزلزالي المرتفع.
وأوضحت الدراسة أن التغيرات في الضغوط الناجمة عن تراكم المياه قد تؤدي إلى زعزعة الفوالق النشطة الواقعة تحت السد، خاصة فالق بسري، والذي يتقاطع مع فالق روم القريب.
وتم احتساب التغيرات في الضغوط، بما في ذلك الضغط المسامي والضغوط العمودية، لمعرفة تأثيرها على استقرار الفوالق، ووجدت الدراسة أن سد بسري قد يزيد من فرص حدوث زلازل كبيرة، خاصة مع وجود تاريخ زلزالي حافل في المنطقة، كان آخره الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 فبراير 2023 على طول فالق الأناضول الشرقي، والذي يتصل بفالق البحر الميت المار عبر لبنان.
وتشير النتائج إلى أن الفالقين الرئيسيين في منطقة السد قد يتأثران بشكل كبير، حيث يمكن أن تؤدي التغيرات في الضغط المسامي والضغوط العادية إلى زيادة إجهاد الفوالق واحتمال حدوث زلازل، وتأتي هذه النتائج في سياق التحذيرات السابقة التي أطلقها الجيولوجيون، والتي تجاهلتها الجهات المسؤولة عن المشاريع السدية في لبنان.
وتطرقت الدراسة أيضا إلى حالة سد مسيلحة، الذي يقع بالقرب من فالق باترون النشط، كحالة مقارنة، وبينت النماذج ثنائية الأبعاد المخاطر المحتملة التي قد تنجم عن بناء السد وتأثيره على الفالق المجاور.
وتُعتبر هذه الدراسة تحذيرا جديدا حول خطورة الاستمرار في بناء السدود في المناطق ذات الخطورة الزلزالية العالية دون إجراء تقييمات شاملة للمخاطر.
كما تؤكد على أن تأثير تراكم المياه خلف السدود لا يقتصر على المناطق المحلية فقط، بل يمكن أن يمتد إلى الفوالق المتصلة، مما يزيد من احتمالية وقوع زلازل مدمرة في المستقبل، وهو أمر قد يستمر لعقود بعد بناء السد.
وفي ضوء هذه النتائج، أوصى الباحثون بضرورة إعادة تقييم مشاريع السدود في لبنان، خاصة في المناطق المعروفة بالنشاط الزلزالي مثل وادي بسري، واتخاذ خطوات جادة لضمان سلامة المشاريع وضمان عدم التسبب في كوارث مستقبلية.
ويتفق الدكتور محمد عمران، باحث الدكتوراه في الزلازل بجامعة كاليفورنيا، مع الرسالة المهمة التي يريد الباحثون توصيلها من خلال دراستهم، حيث ينبغي عند اختيار مكان السدود مراعاة الطبيعة الجيولوجية للمنطقة.
وأوضح عمران في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن هناك 4 أسباب تجعل من بناء السدود في لبنان مشروع ينبغي دراسته بعناية وحرص شديد، أولها أن لبنان يقع في منطقة نشطة زلزاليا، حيث يمر بالقرب منه فالق البحر الميت-اليرموك، وهو فالق نشط زلزاليا، وبالتالي عند بناء السدود في مناطق تحتوي على فوالق نشطة، مثل هذا الفالق، فإن تراكم المياه يزيد من الضغط على الفالق، مما يجعل الصخور تحت إجهاد أكبر وقد يؤدي إلى انزلاق الزلازل.
أما السبب الثاني، فيتعلق بالطبيعة الجيولوجية المتكسرة للبنان، مع وجود طبقات صخرية قابلة لنفاذ المياه، ومعنى أن المياه قد تتسرب إلى الطبقات الصخرية العميقة، فإن ذلك يزيد من الضغط المسامي نتيجة لهذا التسرب في الصخور ويقلل الاحتكاك على الفوالق ويزيد من احتمالية انزلاقها، مما يمكن أن يؤدي إلى زلازل.
ويتعلق السبب الثالث، بحدوث تغيرات الإجهادات على الفوالق النشطة، حيث أن ملء وتفريغ السدود يؤدي إلى تغير مستمر في الإجهادات المحيطة بالفوالق النشطة في لبنان، مثل فالق اليمونة وفالق رياق، وهذه الفوالق قريبة من حالة الانزلاق الدائم، والتغيرات في الإجهاد نتيجة لملء السدود قد تحفز على حدوث زلازل صغيرة أو متوسطة.
وأخيرا، فإن لبنان يتميز بتضاريس جبلية وتكوينات جيولوجية معقدة، مما يزيد من احتمالية وجود فوالق صغيرة غير مكتشفة قد تكون حساسة للتغيرات في الإجهاد، و بناء السدود في مناطق تحتوي على هذه الفوالق قد يؤدي إلى نشاط زلزالي غير متوقع.
aXA6IDE4LjExNy4xMS4xMjgg جزيرة ام اند امز