متجاوزة الاحترار العالمي.. موجات «أكثر تطرفاً» تضرب المحيطات
تغيرت الظواهر المناخية الخاصة بالمحيطات على مدار 30 عاماً ماضية لتعكس عمق تأثير أزمة الاحترار الذي لحق بمكونات الطبيعة وقد يدفعها لإيذاء البشر.
ونقل تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" عن ماثيو إنجلاند، أستاذ علم المحيطات وديناميات المناخ في جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا، رصده للمحيطات وكيف أصبحت إيقاعاتها غير المنتظمة ثابتة، سواء دورات الرياح ودرجة الحرارة والتغيرات الجوية التي تتفاعل مع الكتل المائية التي تغطي معظم سطح الأرض.
لكن ما رآه في الأشهر الـ15 الماضية أصابه بالصدمة؛ اذ وصلت درجات حرارة سطح البحر العالمية إلى مستويات قياسية وبقيت عندها، مما أدى إلى موجات حر وذوبان الجليد البحري. وكانت درجات الحرارة في مياه شمال الأطلسي التي كان يدرسها، بما في ذلك حول المملكة المتحدة وإيرلندا، العام الماضي قد "تجاوزت الحدود القصوى" بحسب خدمة مراقبة الأرض التابعة للاتحاد الأوروبي.
وقال إنجلاند إن "معدل الاحترار تجاوز ما يمكن أن تراه عادة من الاحترار العالمي الثابت."
وكان يونيو/حزيران الشهر الخامس عشر على التوالي الذي سجلت فيه درجات حرارة البحر العالمية مستويات قياسية. ويخشى المتنبئون أن المياه الدافئة ستغذي موسم أعاصير تاريخي هذا العام. وكان إعصار بريل، الذي ضرب منطقة البحر الكاريبي وساحل المكسيك وتكساس هذا الشهر، أول عاصفة بأقصى شدة تُسجل في هذا الوقت المبكر.
ويثير ذلك القلق من أن المحيطات قد تكون على وشك بلوغ حدودها في الدور الحيوي الذي تلعبه في حماية الكوكب من أسوأ تداعيات التغير المناخي المتطرف. وكانت المحيطات امتصت 90% من الحرارة الزائدة وحوالي ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المنتجة بسبب النشاط البشري وذلك خلال العصر الصناعي.
الحرارة المخزنة
وقال مايكل ميريديث، عالم المحيطات وقائد العلوم في المسح البريطاني للقطب الجنوبي، إن "كل تلك الحرارة التي تدخل المحيط لا تدخل إلى سطح الأرض أو الجو، أو الأغطية الجليدية". وأضاف: "لقد كان المحيط يقدم لنا هذا الفضل الهائل للمناخ لعقود وإذا تباطأ هذا في المستقبل، ستكون العواقب مثلما رأينا في عام 2023 (أكثر السنوات حرارة على الإطلاق) ولكن بشكل أكبر بكثير."
وذكرت "فايننشال تايمز" أن هناك اتفاق واسع النطاق بين العلماء على أن الاحترار العالمي وظاهرة التذبذب الجنوبي لظاهرة النينيو - كانتا من المساهمين الرئيسيين للوضع الراهن.
وذكر تقرير من الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ في عام 2019 أن موجات الحرارة البحرية تضاعفت منذ عام 1982، وأصبحت أطول وأشد وأكثر انتشارًا. فمثلما توجد موجات حرارة في الجو، توجد موجات حرارة في المحيط.. ويمكن أن تستمر لأسابيع أو حتى أشهر. وقال ميريديث: "لكننا نرى المزيد منها، أصبحت أكثر تواترًا وأكثر شدة."
وفي العام الماضي، اصطدمت هذه الاتجاهات مع النينيو، وهي جزء من تقلب طبيعي في نظام المناخ العالمي، حيث تضعف الرياح التي تدفع المياه الدافئة غربًا عبر المحيط الهادئ، مما يرفع درجات حرارة سطح البحر واليابسة ويؤثر على أنماط الطقس حول العالم. تحدث النينيو عادة كل سنتين إلى سبع سنوات، وكان أخرها في يونيو/حزيران 2023.
وقال مايكل مكفادن، عالم كبير في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) في الولايات المتحدة إنه خلال النينيو، يطلق المحيط الهادئ الاستوائي كمية هائلة من الحرارة (التي تم تخزينها تحت السطح) إلى الجو". ويستغرق الأمر بضعة أشهر لتنتشر تلك الحرارة حول العالم وعندما يحدث ذلك، ترى ارتفاعًا إضافيًا في درجات الحرارة السطحية العالمية، سواء درجات حرارة سطح الأرض أو درجات حرارة سطح المحيط.
وأضاف مكفادن "لم نسجل أرقامًا قياسية في 2020، 2021 و2022، ببساطة لأن تركيزات غازات الدفيئة استمرت في الارتفاع، لكن المحيط كان يخزن الكثير من الحرارة التي كانت ستظهر في الجو بخلاف ذلك". وقال: "ثم جاءت هذه النينيو الكبيرة في عام 2023 وكل تلك الحرارة باتت تعود إلى الجو. والآن نسجل رقمًا قياسيًا بعد آخر وأرقامًا قياسية بعد أرقام قياسية."
ويشير العلماء أيضًا إلى عوامل أخرى قد تكون ساهمت في الارتفاعات القياسية الأخيرة. ومثال على ذلك ثوران بركان هونغا تونغا-هونغا ها-أباي تحت الماء في عام 2022، أو إلى ذروة الدورة الشمسية. كما أن التيار النفاث - نواة من الرياح القوية العالية الارتفاع - قد يكون أيضًا ساهم في موجة الحرارة البحرية في شمال شرق الأطلسي في العام الماضي. وبحسب العلماء، فإن التوازن بين اليابسة والمحيطات والغلاف الجوي على الأرض قد تعكر، مما أدى إلى عواقب على دورة المياه، وأنماط الطقس والمناخ طويل الأمد.