أول طبيبة صماء في العالم تروي لـ"العين الإخبارية" قصتها مع "أنين الصمت"
لم تكن إعاقتها وإصابتها بالصمم في سن صغيرة إلا حافزاً يدفعها نحو الأمام، لإثبات ذاتها؛ لتصبح أيقونة للتحدي والإصرار في مجتمعها.
وبالرغم من أن إعاقتها أسكتت العالم من حولها، وأصبحت لا تسمع إلا صوت روحها، إلا أن هذا الهدوء وفر لها فرص تركيز عالية، فتنوعت مهاراتها وصارت طبيبة وأما وكاتبة ناجحة.
تفوقت السيدة المصرية "فادية عبد الجواد" على أقرانها الذين يسمعون كلمات التمجيد والتشجيع في كافة المراحل التعليمية، ولم تنطوِ على نفسها، ونجحت في انتزاع مقعد بكلية الطب جامعة عين شمس.
منذ الصغر تحدت "فادية عبد الجواد" الظروف التي أحاطت بها، بعد أن أصيبت بحمى شوكية في عمر الـ 11 عامًا، ودخلت على إثرها في غيبوبة استمرت حوالي 8 أسابيع، واستيقظت بعدها فاقدة للسمع.
وقررت "فادية" أن تخوض غمار النجاح بنكهة من الإرادة والتحدي والإصرار، وعقدت العزم على تعلم قراءة الشفاه بمساعدة والدها وأشقائها داخل منزلها، لعدم توافر مراكز لتعليم مثل هذه المهارات حينها.
وروت "فادية" لـ"العين الإخبارية"، كيف حولت محنتها لمنحة وتفاصيل اجتيازها كل الصعاب التي واجهتها، لافتة إلى أنها كانت شغوفة بالتعلم منذ الصغر.
وخاضت صاحبة الـ 61 عاما مسارًا دراسياً حافلاً بالانتصارات، بداية من انضمامها في المرحلتين الإعدادية والثانوية لمدارس عامة مع أشخاص عاديين لا يعانون من أي إعاقة، وانتهاء بحصولها على 98% في الشهادة الثانوية، وانضمامها لكلية الطب جامعة عين شمس.
وبالرغم من الصعوبات التي واجهتها في مرحلة الجامعة إلا أنها تمكنت من التغلب عليها بالعمل والمثابرة، خاصة بعدما عانت كثيراً من اتهامات بعض أساتذة الجامعة الذين كانوا يظنون أنها تتوسل إليهم وتستمر عطفهم للهروب من الامتحانات الشفوية.
وكعادتها تغلبت على هذه الأمور بعزيمتها الصلدة، وبمساعدة أستاذها الدكتور طلعت الديب، أستاذ الباثولوجي في كلية الطب بجامعة عين شمس، الذي شجعها طوال سنين الدراسة حتى تخرجت وتخصصت في الأمراض الجلدية والتجميل.
وتكشف "فادية" لـ"العين الإخبارية" تفاصيل أجرائها عملية لزراعة قوقعة داخل الأذن بعدما ظلت تعاني حوالي 33 عامًا من الصمم التام. وقالت إنها فكرت في الأمر بسبب إلحاح ابنتها الكبرى.
وأجرت العملية الأولى وخرجت من عالم الصمت الموحش الكئيب إلى عالم الأصوات، وسمعت كلمة "ماما" لأول مرة من أبنائها في عام 2006.
وأجرت "فادية" العملية الثانية في 2014، وأصبحت تسمع بكلتا الأذنين، بعد 41 عامًا من الإعاقة، واصفة شعورها في هذه اللحظة قائلة: "استعادة السمع بالنسبة لي كان بمثابة استعادة الحياة، فصمتت حروفي وأبدت لغتي عجزها عن التعبير عن شعوري".
وحرصت الطبيبة الصماء على توجيه رسالة للعالم بأكمله من خلال كتابها "أنين الصمت" حيث نقلت فيه كافة التحديات والصعوبات التي واجهتها طيلة سنين المعاناة، لتحث أصحاب الهمم على إلغاء تعبير "معاق" من قاموسهم، وتشجعهم كي يصبحوا نماذج مشرفة تخدم مجتمعاتهم في المستقبل.
الدكتور "فادية" لها مواقف اجتماعية معروفة مع ذوي الاحتياجات الخاصة بوجه عام، وفاقدي السمع بوجه خاص، حيث أنشأت جمعية "السمع صوت الحياة" وتولت رئاسة مجلس إدارتها لمدة 4 سنوات.
كما قدمت مبادرة "السمع حياة فلنحيا" وهي عبارة عن مشروع قومي كامل للقضاء على مشكلة الصمم وضعف السمع في مصر بحلول عام 2030، وعليه تقرر إجراء فحص سمعي لحديثي الولادة في مصر لحصر المصابين بالصمم في أرجاء الجمهورية.