جان بيير البكري.. جزائري أضحك وأبكى الفرنسيين بـ"موهبة نادرة"
توفي، الإثنين، الممثل الكوميدي ذو الأصول الجزائرية جان بيير البكري عن عمر ناهز 69 عاماً بعد صراع طويل مع مرض السرطان.
والبكري واحد من أشهر الممثلين الكوميديين وكتاب سيناريوهات المسرح والسينما الموهوبين بفرنسا، وولد ببلدة بوسماعيل الساحلية التابعة لولاية تيبازة الجزائرية، من عائلة يهودية.
نعته الصحافة الفرنسية بعناوين وتقارير أجمعت على رحيله بـ"الخسارة المدوية" للسينما الفرنسية، بعد قرابة 4 عقود وضع فيها بصمته الخاصة بالسينما والمسرح، وهي التي قالت عنه بأنه "الرجل الذي لا ينسى".
قالت عنه الصحافة الفرنسية إنه الممثل النادر الذي أضحك وأبكى الفرنسيين في آن واحد بأدواره وأعماله، التي نال بفضلها العديد من الجوائز التي أدخلته إلى عالم الشهرة، بـ60 فيلماً و20 عملاً مسرحياً.
البكري الذي رحل مبكرا كما وصف ذلك الإعلام الفرنسي، لم يعد أمام جمهوره لمتابعة الأعمال الكوميدية الهادفة إلا إعادة متابعة ما تركه من إرث سينمائي كبير.
رحل البكري بمبدأ سار عليه وذكره في تصريحات سابقة لوسائل الإعلام الفرنسية التي لم تتردد في سؤاله عن أسباب طباعه الغريبة، حيث قال إن "العظماء والمتواضعين يستحقون الاحترام"، فكسب الاحترام في حياته ومماته.
من هو جان بيير البكري؟
ولد الممثل الفرنسي جان بيير البكري في 24 مايو/أيار 1954 في منطقة "بوسماعيل" وهي مدينة سياحية تقع بمحافظة تيبازة غير البعيدة عن العاصمة الجزائرية.
لا يتذكر البكري عن مسقط رأسه أي شيء، فقد كتب له أن يغادرها في سن العامين، أي بعد عامين فقط من نيل الجزائر استقلالها عن الاحتلال الفرنسي.
ولكونه من عائلة يهودية، فقد كانت من أوائل العائدين إلى فرنسا بموجب قرار جزائري يمنع تواجدهم في البلاد، خصوصاً تلك العائلات التي لها أصول فرنسية.
كان والده يعمل ساعي بريد طوال أيام الأسبوع، وحارساً بـ"سينما ستار" في مدينة كان الفرنسية عام 1962، ليكتشف جان بيير البكري عالم السينما مبكرا وهو في سن الثامنة.
تنقل في سن الـ25 إلى العاصمة الفرنسية باريس، وهنا بدأت قصته الطويلة مع السينما والمسرح، تدرب خلالها على التمثيل في مركزي "كور سيمون" و"كور جان يبروميني".
بدأ مشواره الفني بالعمل المسرحي، وتحديدا في كتابة المسرحيات، وكانت معظم السيناريوهات مستمدة من شخصيته أو حياته الخاصة، وأولها كانت مسرحية "الطابع" عام 1979.
تعرف عام 1987 على الممثلة "أجنيس جاوي" التي شكلت نقطة تحول في حياته المهنية وحتى الشخصية، كانت زوجة له في حياته ومرافقته الدائمة في أعماله السينمائية والمسرحية حتى آخر يوم في حياته.
أنهى البكري حياته بشكل مختلف عن الفنانين الفرنسيين، فقد رسخ بهدوء مكانته في المشهد الثقافي الفرنسي بغزارة سينمائية ومسرحية صنعت مجد السينما الفرنسية واسماً من أسماء الجيل الذهبي.
شخصية متناقضة
تداول الإعلام الفرنسي خبر رحيل الممثل الكوميدي جان بيير البكري بكثير من الحزن، حيث عدد مناقبه ودوره في صناعة محتوى سينمائي ومسرحي هادف بشكل مميز ومختلف عن شركائه في المجال الفني.
لكنه في الوقت ذاته، كشف عن الجانب الحقيقي من شخصية البكري التي ظهرت كأنها مناقضة لأعماله السينمائية، رغم وصفه لرحيله بأنه "النائم المفضل لدى الجمهور الفرنسي".
لم يكن البكري تلك الشخصية المرحة الكوميدية في حياته الاعتيادية، بل وصفته الصحافة الفرنسية بـ"مضطرب الشخصية".
كان جان بيير البكري دائم الغضب، متذمرا، حاد الطباع والوجه، كان أيضا دائم الاضطراب، ومكتئباً لأسباب ظلت مجهولة، حتى إن الصحافة الفرنسية نعتته بـ"الشخصية المثيرة للشفقة لكنها حملت معها الخير الكثير والقلب الكبير".
أما أغرب صفة كشفت عنها الصحافة الفرنسية عمن وصفته بـ"الفنان الذي لا ينسى" و"محبوب الجماهير" أنه كان "كارهاً للبشر" رغم كل أعماله التي أسعدت ملايين الفرنسيين.
تاريخ سينمائي
ارتبط اسم الممثل الكوميدي وكاتب السيناريوهات السينمائية والمسرحية جان بيير البكري طوال مشواره الفني بالممثلة أجنيس جاوي، التي شكل معها أعمق ثنائي فني سواء في التمثيل أو كتابة السيناريو.
أول عمل سينمائي شارك به بيير كان عام 1984، في فيلم "مترو الأنفاق لوك بيسون" في دور "المفتش باتمان" ، لتتوالى أعماله التي كان من أبرزها "الصيف على منحدر لطيف" عام 1986، و"أعز أصدقائي" في 1989، و"ممنوع التدخين" عام 1993، و"تشابه عائلي" عام 1996، و"مذاق الآخرين" عام 2000.
أما آخر أعماله فكان عام 2017 بعنوان "معنى الحفلة"، حيث كان دوره "منظم حفلات زفاف" بشخصية متوترة، كلف بمهمة الإشراف على تحضير شابين لحفل زفافهما في قلعة تاريخية مع جيش من الموظفين.
جوائز سينمائية
حصل الممثل الفرنسي الراحل جان بيير البكري على عدد من الجوائز طوال مشواره الفني، أولها كانت حصوله على جائزتي "سيزار" عام 1996 عن أفضل سيناريو في فيلمي "تدخين/ لا تدخين" عام 1993 وفيلم "تشابه عائلي" عام 1996.
كما فاز الثنائي البكري وأجنيس جاوي بجائزة "سيزار" لأفضل سيناريو عن فيلم "مثل الصورة" بمهرجان كان السينمائي عام 2004.
ورشحت الكثير من أعماله لجائزة "سيزار" كان من بينها عام 2000 لأفضل ممثل في فيلم "كينيدي وأنا" و"ذوق الآخرين" في 2001، و"الأحاسيس" في 2004، و"الحياة الخاصة جدا للسيد سيم" في 2016، و"معنى الحفلة" في 2018.