رحيل مفاجئ للفنان محمد الجزار يُفجع الوسط الغنائي السوداني

فقدت الساحة الغنائية السودانية أحد أبرز وجوهها الشابة، مع وفاة الفنان محمد فيصل الجزار، الذي وافته المنية فجأة في مقر إقامته بمدينة القضارف شرق السودان.
توفي محمد الجزار صباح الأربعاء، وشُيّع جثمانه إلى مثواه الأخير في ذات اليوم، وسط أجواء مشحونة بالحزن والأسى. خيّم الصمت على منصات التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى مجالس عزاء افتراضية، عبّر فيها محبوه وزملاؤه عن ألم الفقد، مؤكدين مكانته بين أبرز فناني التجديد الموسيقي في السودان.
صوت فني لا يُشبه سواه
امتلك الجزار نبرة صوتية فريدة، وابتعد منذ بداياته عن محاكاة مدرستي الفنان محمود عبد العزيز والفنان جمال فرفور، اللتين أثرتا في معظم مجايليه. ونجح في بلورة أسلوب خاص به، بفضل تعاونه اللافت مع الموزع الموسيقي المعروف "طريف"، حيث شكّلا ثنائية أثّرت في تطوير شكل الأغنية السودانية الحديثة، عبر تجديد الألحان واعتماد توزيعات موسيقية مبتكرة.
موسيقى عصرية وقاعدة شبابية واسعة
تمكّن خلال فترة وجيزة من تكوين قاعدة جماهيرية عريضة بين الشباب، بفضل موسيقاه الحديثة ذات الروح الرومانسية، الممزوجة بعناصر شرقية وغربية منحتها طابعًا خاصًا.
توظيف التكنولوجيا وملامح التجديد
الناقد الفني أيمن كمون أشار إلى أن الجزار برز مطلع الألفية، ضمن جيل موسيقي جديد ضمّ أسماء مثل مجاهد عثمان، منتصر هلالية، وأمير. ولفت إلى أن الجزار كان من أوائل من اعتمدوا على توظيف التكنولوجيا في الموسيقى، ما أسهم في تطوير بنيتها وتوسيع آفاقها، إلى جانب تميّزه كمغنٍّ وملحنٍ وموزعٍ موسيقي. كما نسج علاقات فنية ناجحة مع شعراء وفنانين بارزين، من بينهم الشاعر محمود الجيلي، والموسيقية سامية الهندي.
شراكات غنائية بارزة وأعمال ناجحة
خلّف الجزار سجلًّا زاخرًا من الأغنيات التي لاقت انتشارًا واسعًا، خاصة تلك التي جمعته بفنانات مثل أفراح عصام، نسرين هندي، وسامية الهندي. غير أن تعاونه الأهم كان مع الفنان حسين الصادق، الذي دعمه في البدايات وساعده على صقل أسلوبه بعيدًا عن تأثير شقيقه الفنان أحمد الصادق، بحسب تصريحات كمون.
تجربة عابرة للحدود وأغنية هجينة
امتدت التجربة الفنية للجزار إلى خارج السودان، من أبرزها تعاونه مع الفنانة الإثيوبية حليمة، حيث جمع بين المقامات العربية والسُلَّم الخماسي، ما جعله يُلقَّب بين بعض النقاد بـ"الموسيقي المتمرّد".
ومن أشهر أعماله ذات الطابع المختلف: "من الألاسكا والحلا"، و"إن شاء الله يضوي ليك"، و"يا مارّة بي بابنا"، و"ملك الطيور"، و"يازول كتلتني كتل"، و"أسمر جميل"، وهي إعادة توزيع حديثة لأغنية الفنان السوداني الكبير إبراهيم الكاشف.
المديح النبوي بروح معاصرة
إلى جانب الأغنية العاطفية، قدّم الجزار أعمالًا مدائحية بروح جديدة، أبرزها "مكاشفي القوم"، التي وجدت انتشارًا واسعًا في أوساط المستمعين داخل السودان وخارجه، لما تحمله من طرح فني معاصر لمضامين روحانية.
تقدير فني وظهور إعلامي محدود
نال الجزار احترامًا كبيرًا من كبار الفنانين، ومنهم الراحل محمود عبد العزيز، الذي اختاره للمشاركة في برنامجه "مع محمود" على قناة الشروق. وتميّز بسلوك فني بعيد عن الاصطدامات، مركزًا جهده بالكامل على تطوير مشروعه الفني.
كما كان صوتًا مألوفًا في الإعلانات التجارية، خاصة لصالح شركات الاتصالات الكبرى في السودان، مما عزز حضوره الجماهيري ورسّخ مكانته في الذاكرة العامة.
من الخرطوم إلى القاهرة.. تطوير أكاديمي للصوت
وُلد الجزار في العاصمة السودانية الخرطوم، وانتقل لاحقًا إلى القاهرة لدراسة التوزيع الموسيقي وهندسة الصوت، وهو ما منح أعماله عمقًا تقنيًّا واحترافية عالية. ومنذ مطلع الألفية، قدّم مجموعة من الأغنيات المتميزة، مثل: "يا غريب الله معاك"، و"أشوفك"، و"أرحل"، و"السويتو أنت"، و"طار الكلام"، و"ناديت عليك"، و"كان بدري عليك".
وتعاون مع عدد من نجوم الأغنية السودانية، من أبرزهم طه سليمان، ومعتز صباحي، وأحمد وحسين الصادق.
خلف الكواليس.. اسم "الجزار" وحب الهلال
خارج نطاق الفن، كان محمد الجزار مشجعًا معروفًا لنادي الهلال السوداني، وارتبط لقب "الجزار" به منذ الطفولة، بسبب قوته البدنية في ملاعب كرة القدم، وليس كاسم فني كما يعتقد البعض.
aXA6IDE4LjIyNy4wLjk4IA== جزيرة ام اند امز