المرحلة الانتقالية بالجزائر.. مطالب الحراك ومخاوف الجيش
محللون يرون أن نجاح المرحلة الانتقالية مرتبط باستمرار الثقة بين الشعب والجيش لأن الوضع يتطلب بقاء الحراك وراء مؤسسته العسكرية
عقب تكليف البرلمان الجزائري رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح برئاسة الدولة مؤقتاً لمدة 90 يوماً، طرح المتابعون للشأن الجزائري تساؤلات عدة أبرزها: ماذا بعد؟ وكيف سيكون حال المرحلة الانتقالية بقيادة رفضها الحراك الشعبي؟، وكيف يمكن التوفيق بين مطالب الحراك التي اعترفت السلطات الجزائرية بمشروعيتها، والحفاظ على الأمن القومي لدولة تعيش في محيط ملتهب أمنياً؟.
أسئلة حملت في طياتها بوادر تعقيدات لملفات ساخنة في المرحلة المقبلة من الحياة السياسية بالجزائر، دخلت إلى قصر "المرادية" (رئاسة الجمهورية) قبل دخول بن صالح إليه، الثلاثاء، وهو الدخول المُثقل بصلاحيات محدودة من جهة، وبرفض شعبي من جهة أخرى، في مقابل دعوة قائد أركان الجيش للجزائريين إلى "الصبر وعدم المبالغة في المطالب".
استقالة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في 26 مارس/آذار الماضي لم تكن كافية، ولم تخمد لهيب الحراك الشعبي، بل اعتبره الحراك "المطلب الأول ضمن سلسلة مطالب التغيير"، واستمر خروج الملايين في الشوارع مطالبين برحيل "الباءات الثلاث ثم الأربع، ومحاسبة رموز الفساد".
ومع استمرار المظاهرات المطالبة برحيل "جميع رموز نظام بوتفليقة"، يقول المراقبون إن "الشارع الجزائري لم يعد ذلك الرقم المُعبر عنه كل خمس سنوات من خلال الانتخابات، بل رقماً صعباً ظهر بعدما اقتنع باستحالة التغيير عبر صناديق الاقتراع بالوجوه والسياسات والإجراءات نفسها، وبالتالي لا يمكن تجاوزه"، طارحاً في المقابل "شروطه التي يرى فيها حلولاً لأزمة بدأت منذ استقلال الجزائر، وتفاقمت في عهد بوتفليقة".
في مقابل ذلك، تمسكت السلطات الجزائرية بـ "المخارج الدستورية" لمأزق سياسي، اعتبره الحراك "محاولة فرض أمر واقع" تجسد في رئيس مؤقت وحكومة "مرفوضين شعبياً"، فيما وصف قائد أركان الجيش الجزائري بعض المطالب المطروحة بـ"التعجيزية".
ما يعني بحسب متابعين، أن جميع الأطراف "تحاول فرض واقعها أو الإقناع به"، وهنا يطرح المراقبون تساؤلات من بينها: أي منها يرى الواقع كما هو بمعطياته الداخلية والخارجية؟ وما الأولويات التي يجب على كل طرف مراعاتها في الأزمة الحالية؟ وهل بقيت قاطرة الحراك والجيش تسير في سكة واحدة نحو التغيير بضوء أخضر من الطرفين؟ وأي لون سيكون عليه في المرحلة المقبلة؟.
المحذر والداعي إلى التمهل وقراءة الأحداث وفق معطيات كل طرف؟ أم الذي يوقف القاطرة عند مفترق طرق لا يفضلها الطرفان، لكنها في المحصلة ستكون لكليهما ذلك "الشر الذي لا بد منه"؟.
ضمانات السلطة
في أول خطاب، أعلن الرئيس الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح عن أولوية مهمته في مرحلتيها الأولى والثانية، وهما "عقد مشاورات مع الطبقة السياسية وفواعل الحراك الشعبي لإنشاء هيئة مستقلة تضمن نزاهة الانتخابات، وإجراء انتخابات رئاسية لانتخاب رئيس جديد".
وبعد ساعات من وعود بن صالح، قدم قائد أركان الجيش الجزائري ضمانات جديدة للجزائريين، تمثلت في "مرافقة المرحلة الانتقالية في ظل الثقة المتبادلة بينه وبين الشعب، وعودة العدالة لممارسة صلاحياتها، ومحاسبة رموز الفساد بفتح ملفاتهم".
حتى أن قايد صالح ذكر للمرة الأولى أسماء ملفات فساد سابقة وثقيلة وهي "سوناطراك وقضية حجز 701 كيلوجرام من الكوكايين، وغيرها من الملفات المتعلقة بالفساد والتي تسبب أصحابها في تكبيد الخزينة العامة خسائر فادحة".
وهو ما يعني بحسب المتابعين أن القضاء الجزائري سيجر إلى أروقته شخصيات كثيرة طالب الجزائريون في مظاهراتهم بمحاسبتهم وجميعهم من "محيط بوتفليقة والدولة العميقة" من وزراء ومسؤولين في أحزاب ائتلاف بوتفليقة الحاكم، وهي الوجوه التي حمل المتظاهرون صورهم، مطالبين "برحيل من بقي منهم ومحاسبة من سبقهم"، ضمن ما اصطلح عليه بـ"العصابة الحاكمة والمتحكمة".
شكوك الحراك
حراك الجزائريين السلمي الذي تغير اسمه إلى "ثورة الابتسامة السلمية"، بدأ بمطلب واحد فقط في 22 فبراير/شباط الماضي، وهو "رفض ولاية بوتفليقة الخامسة" التي تمكن من إسقاطها، وبعد ذلك انتقلت مطالب الجزائريين إلى "رفض التمديد والمطالبة برحيل جميع رموز نظام بوتفليقة"، فسقط معها مشروع التمديد وغادر بوتفليقة الحكم، لكن بقيت "الوجوه المطالبَة بالرحيل" من قبل الحراك في واجهة المرحلة الانتقالية.
استمرت معها المظاهرات الرافضة لتولي بن صالح رئاسة الدولة مؤقتاً والداعية إلى رحيل بقية مكونات نظام الرئيس المستقيل، واعتبر المتظاهرون أن "الإبقاء على تلك الوجوه تحدٍ والتفاف على مطالبهم، ومؤشر على "ثورة مضادة".
وزادت شكوكهم عقب استعمال قوات الأمن الجزائرية القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه لتفريقهم واعتقال العشرات منهم، للمرة الأولى منذ بدء الحراك الشعبي وفي الأماكن التي تعود الجزائريون على النزول إليها للتعبير عن مواقفهم، في مقابل إصرار الحراك الشعبي على سلميته ومواصلة التظاهر، وسط توقعات باستمرارها وبأن تكون حاشدة الجمعة المقبلة.
الناشط السياسي سيف الإسلام بن عطية اعتبر في حديث مع "العين الإخبارية" أن "الجزائر لم تدخل بعد في مرحلة انتقالية، بل قرار فُرض من نظام بوتفليقة على الشعب الجزائري، والشعب حالياً خارج اللعبة، وهو ما دفعه (الشعب) لمحولة فرض حلول اقترحها ".
ويرى بن عطية "أن الجزائر ليست بحاجة إلى مرحلة انتقالية في الوقت الحالي، بل إلى تدبير لأمور من خلال تغيير الوجوه بشخصيات لها ثقة من الشعب، مع التحضير للدخول في مرحلة انتقالية حقيقية، لكن النظام سلك اتجاهاً آخر بالوجوه والأساليب نفسها ويريد أن يدخل في انتخابات ستكون مزورة".
وعن استمرار الحراك الشعبي، أضاف الناشط السياسي "لست معتقداً بل متأكداً من استمرار المظاهرات، والكثير من القطاعات اليوم في إضراب، وستلتحق الكثير من القطاعات الأحد المقبل في إضراب شامل، والجمعة القادمة ستكون مظاهرات مليونية".
مخاوف الطرفين
في 30 مارس/آذار الماضي، كشفت وزارة الدفاع الجزائرية عن "مخطط للفوضى" بدأ - كما ذكرت - باجتماع "مشبوه"، وذكرت وسائل إعلام جزائرية أن الاجتماع ضم "شقيق بوتفليقة ورئيسي جهاز المخابرات السابقين مع مسؤولين في المخابرات الفرنسية".
وعاد قائد أركان الجيش الجزائري للتحذير من أطراف أجنبية "لها خلافات تاريخية مع الجزائر" تحاول "زعزعة استقرار الجزائر وزرع الفتنة من خلال استغلال المظاهرات الشعبية" المطالبة برحيل رموز نظام بوتفليقة.
يتضح من كلام قائد أركان الجيش الجزائري أن تلك الأطراف "تحاول توريط الجيش بمزيد من الضغوط الداخلية والخارجية تدفعه للتدخل المباشر في الحياة السياسية"، وهو ما يعني بحسب محللين تحدثوا لـ"العين الإخبارية" "تدخلاً أجنبياً بغطاء أممي بحجة الانقلاب العسكري"، وهو ما تحاول المؤسسة العسكرية تفاديه.
وتخشى المؤسسة العسكرية في الجزائر حالة "الفراغ الدستوري الشامل"، بالنظر إلى مطالب الحراك الداعية إلى "رحيل رئيس الدولة المؤقت والحكومة ورئيسي البرلمان والمجلس الدستوري"، مقابل إصرارها على "المخارج الدستورية بضمانات".
أما الحراك الشعبي الذي حمل منذ أول مظاهرة له بمحافظة خنشلة في 19 فبراير/شباط لافتات "مع الجيش" وباتت "لغة موحدة بين جميع المتظاهرين الجزائريين"، فيقول مراقبون لـ"العين الإخبارية" إن "ثقتهم منعدمة في كل رموز نظام بوتفليقة وإن مطالبهم نابعة من تراكمات سنوات عدة، وترى فيهم الخطر الأكبر على مستقبل البلاد".
ويرى الجزائريون من خلال حراكهم المتواصل أن "التغيير الذي يطالبون به لا يمكن بأدوات نظام بوتفليقة والمتمثلة في شخصيات مقربة منه ومن شقيقه وبقوانين وُضعت في عهد أعلنوا القطيعة مع كل تفاصيله ومكوناته".
وبين نظرة الجيش الجزائري للخطر الخارجي وأدواته الداخلية على الأمن القومي للبلاد، ونظرة الحراك لخطر رموز نظام بوتفليقة على مستقبل الجزائر وإمساك كل منهما بطرفي اللعبة السياسية، يقول المراقبون إن "المرحلة الحالية وما تفرضه القادمة والمستندة على التوافق الشعبي مع العسكري، تتطلب وعي الطرفين، وتمعن كل منهما في معطيات ومطالب الآخر"، خاصة في ظل توافق الطرفين على "أن الجزائر فوق كل اعتبار وعلى خطر الدولة العميقة المرتبطة بجهات خارجية ورموز نظام بوتفليقة التي أجمع الحراك والجيش في الجزائر على وصفها بالعصابة ".